حينما تبدأ في متابعة كرة القدم لأول مرة وتشاهد أجواء تلك اللعبة الجنونية على التلفاز، تسمع اسم لاعبٍ جديد لأول مرة، وسرعان ما تجد الجميع يعرفه، أصدقاؤك يتحدثون، الجيران، في التجمعات العائلية، ومن ثم تبدأ في اختيار فريقك المفضل ويبدأ حبك لكل القمصان الحمراء تيمناً بقميصٍ معينٍ، ثم بعدها يبدأ الحلم بارتداء ذلك القميص وأن تكون واحداً من قائمة الفريق، أن يكون ذلك القميص حاملاً لاسمك ورقمك لا أن يحمل رقم لاعبك المفضل.
دائماً ما تكون نهاية تلك القصص هي أن يكمل المشجع في مقعده كمشجع خلف فريقه، لا يختلف الأمر بالنسبة للكثيرين ويظل الحلم حلماً، إلا أنه عندما تتصادف تلك القصص مع قصص نجاحٍ حقيقية يكون واقع تلك القصص مختلفاً، وتكون مكانة اللاعب لدى الجماهير مختلفة، فهو من كان يجلس معهم في المدرجات والآن رأوه ممثلاً لهم في الملعب بكل أحاسيسهم وكل تعصبهم، فهو لا يلعب من أجل المال بل من أجل "الفانلة الحمرا"..
بداية مشرقة من مصارع للاعب واعد
شادي حسين هو أحد مواليد القاهرة 1993، ولكن بشكلٍ ما كانت بداية شادي الرياضية في نادي اتحاد الشرطة، ولكن كمصارع بعيداً عن كرة القدم قبل قبوله في اختبارات نادي المقاولين العرب عام 2009 وهو بعمر الثالثة عشر، وظل بالفريق لمدة خمسة أعوام.
مدربه في فريق 18عاماً نبيل إبراهيم تحدث في لقاءٍ صحفي مع موقع "فيلجول" أن شادي كانت لديه مشكلة كبيرة رغم مهارته العالية وهي "اكتسابه للوزن بشكلٍ سريع".
وبعد وصوله لعامه العشرين قرر النادي الاستغناء عن خدماته، وكان الأمر صعباً على شادي ولكن برر ذلك أن شادي حسين كان بعيداً في المستوى عن منافسيه من زملائه في الفريق، ولذلك لم يقم بترشيحه للمدير الفني للفريق الأول.
السبب الحقيقي لمغادرة شادي
تحدثت الكثير من المصادر أن السبب الحقيقي لابتعاد اللاعب عن صفوف الفريق أن اللاعب الذي كان منضماً لرابطة أولتراس أهلاوي التي عانت من تضييقات أمنية شديدة في ذلك الوقت وصدر قرار بحظرها واعتبارها جماعة إرهابية، تم اعتقاله بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية وانضمامه لأولتراس أهلاوي وظل لمدة ثمانية شهور في السجون المصرية قبل إخلاء سبيله، ولكن كان بالفعل قد قرر النادي الاستغناء عن خدمات اللاعب، وبعد محاولات ومحاولات ودخول في اختبارات أغلب الأندية المصرية كان الأمر صعباً بالنسبة لشادي أن يجد فريقاً؛ خصوصاً أن عمره لم يكن صغيراً في ذلك الوقت، وكان الأمر دائماً ما ينتهي برفضه، ولم يجد اللاعب أي فرصة للعودة إلى كرة القدم إلا إلى نادي سيراميكا كليوباترا الذي كان في الدرجة الثالثة في ذلك الوقت.
وبعد انتقاله لكليوباترا كان حلم شادي هو ما يحركه إلى الأمام، خصوصاً بعد أن وضعت إدارته حلم الصعود للممتاز كأحد أهداف الفريق، وهذا ما جذب أنظار اللاعب الطموح الجائع لإثبات نفسه أمام الجميع، فاستطاع إثبات صفته كمهاجم بالفطرة؛ ففي تصريحات لمديره الفني في الفريق في ذلك الوقت سعد فاروق أنه رغم افتقاده لمهارة اللعب الجماعي إلا أنه من نوعية اللاعبين الذين لا يحتاجون إلى وقتٍ طويل لكي يتطور، لذلك كان من السهل معالجة مشكلة اللعب الفردي؛ خصوصاً أنه لديه كل مواصفات المهاجم من سرعة ومهارة وقدرات ذهنية عالية.
شادي الذي توقع له مدربوه أنه سيكون المهاجم الأول في مصر كان حلم الأهلي ما زال يطارده رغم مرور الأعوام وازدياد سنه عاماً بعد عام، وفي عام 2018 وقبل صعود سيراميكا للدرجة الثانية قام المدير الفني للفريق في ذلك الوقت بترشيحه للنادي الأهلي، وأخبر إدارة الأهلي في ذلك الوقت أنه سيكون أفضل مهاجمٍ في مصر ولكن الأمور لم تتم.
ولكن شادي بتمسكه بحلمه استطاع قيادة سيراميكا حتى الوصول إلى الدوري الممتاز ليقترب حلمه مجدداً وتصبح لديه فرصة التواجد تحت الأضواء وأن يرى الجميع مستواه الحقيقي.
شادي تحت الأضواء أخيراً
في خلال موسمين لسيراميكا في الدوري الممتاز استطاع صاحب الـ29 عاماً المساهمة في 22 هدفاً بين الصناعة والإحراز خلال 66 مباراة للفريق في الدوري الممتاز، وخصوصاً في أول موسمٍ له مع الفريق في الممتاز استطاع تقديم مستويات قوية، وأصبح أحد أبرز الهدافين في الدوري المصري؛ مما جذب أنظار إدارة الأهلي ودفعها لتقديم عرضٍ رسمي للفريق وبعد موافقة إدارة فريق سيراميكا تراجع الأهلي في اللحظات الأخيرة وفضل حسام حسن مهاجم سموحة في ذلك الوقت.
يصف أمير توفيق مدير تعاقدات النادي الأهلي مكالمة حدث بينه وبين اللاعب بعد فشل المفاوضات، أن اللاعب تواصل معه باكياً ومترجياً أن يقوم بأي شيء لإنجاح المفاوضات إلا أن الأمر قد حُسم وفشل، لذلك كان الأمر أشبه بنهاية للحلم بالنسبة لشادي، خصوصاً أنه كان على وشك إتمام عامه الـ29 وأصبح حلم تواجده مع فريق أحلامه مستحيلاً نظرياً.
ولكن شادي استطاع إكمال الموسم التالي بنفس القوة واستطاع تقديم مستويات قوية جذبت أنظار الأهلي مجدداً ليحسم رسمياً وأخيراً صفقةً كانت ذات صدى كبير وقوبلت بحفاوة جماهيرية كبيرة.
وليست تلك نهاية القصة ولا الحلم، وهذا هو ما يجبُ على شادي الإيمان به وأن مثل تلك القصص لا بد لها من نهاية يحلم بها كل أهلاوي بل كل مشجعٍ لكرة القدم، خصوصاً أن المستديرة عوَّدتنا على تلك القصص التي تنتهي دائماً بتحول هؤلاء اللاعبين إلى أساطير لا تنسى مع فرقهم وتحطيمهم للأرقام والحصول على ألقابٍ مع الفريق.
ما ينتظره الأهلي من شادي حسين
ما ينتظره الأهلي من اللاعب هو ما افتقده الفريق خلال الفترة الماضية وهو روح الفريق أو ما يعرف بـ"روح الفانلة الحمرا" وهو ما يمتاز به الفريق طوال تاريخه، ومع فقدان الفريق تلك الروح كانت إدارة النادي دائماً ما تلجأ تاريخياً لمثل تلك الصفقات للاعبين الذين يحاربون من أجل الوصول إلى الفريق أمثال وليد سليمان الذي عاش مثل تلك التجربة في الدخول في حربٍ مع إدارة ناديه للموافقة على انضمامه لفريق أحلامه، فمثل تلك الصفقات وهؤلاء اللاعبين يعطون للفريق روحاً وإصراراً تشبه ضخ دماءٍ جديدة.
وعلى الجانب الفني فإن أكبر المراكز التي يحتاج الأهلي إلى تدعيماتٍ فيها هي مركز المهاجم، خصوصاً بعد المستويات المنخفضة التي قدمها حسام حسن مهاجم الفريق والتي لم تكن على قدر المنتظر منه، كما أن النادي أصبح يبحث عن التخلص من صلاح محسن، مما سيعطي فرصة كبيرة لشادي حسين لإثبات نفسه وأخذ مكانٍ في التشكيل الأساسي إذا استطاع إثبات قدراته داخل الملعب مع المدرب السويسري الجديد.
تلك القصص في كرة القدم والتي يأتي فيها اللاعبون من المصدر الحقيقي لمتعة اللعبة وهو الجمهور، دائماً ما تكون مميزة بالنسبة لعشاق الرياضة فالأمر أشبه باختيار ممثلٍ لهم واصطحابه من المدرجات إلى الملعب وارتدائه قميصاً مع اللاعبين ليشارك معهم بدلاً من تشجيعهم، وأمام تلك القصص التي تمتاز بالإصرار والتركيز على الأحلام دائماً ما تجعل الجميع يقف لها باحترام ويتمنى لها التوفيق، خالعاً رداء فريقه الأصلي ومتناسياً لانتمائه الحقيقي.. فأمام شادي حسين لا تملك إلا الوقوف وإعطاء التحية وأن تتمنى له التوفيق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.