تم تحديد موعد عقد القمة العربية الـ31 في الأول والثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بالجزائر، وتعود آخر قمة عربية نظمتها الجزائر إلى عام 2005 تحت عنوان "إصلاح الجامعة العربية".
سبق للجزائر أن نظمت قمماً عربية على غرار قمة 1973 التي نظمت في أجواء سياسية واقتصادية عصيبة، عرفت المنطقة العربية بعدها تغيرات جيوسياسية مهمة على الصعيد الإقليمي والدولي؛ في وضع لا يختلف كثيراً عن السياق الإقليمي والدولي الراهن. وكذلك استضافت الجزائر القمة العربية عام 1987، وعرفت هذه القمة نجاحاً كبيراً، وكان عنوانها "الانتفاضة وإعادة ترتيب البيت العربي".
3 سنوات بعد قمة تونس، تأتي قمة الجزائر بعد العودة القوية للجزائر في السنتين الأخيرتين على الساحة الإقليمية والدولية بفضل العقيدة الجديدة للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وضع مبادئ قوية لسياسة خارجية نشطة واستباقية، ما جعل الجزائر تسترجع مجد العصر الذهبي لدبلوماسيتها المتوازنة تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
الرمزية والاستدراك
على صعيد القمة العربية المرتقبة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المتزامن مع تاريخ اندلاع ثورة التحرير الجزائرية المباركة (1954-1962)، انسال الكثير من الحبر حولها، وعن رمزيتها التي تعد بمثابة قمة "الاستدراك" إن صح التعبير.
سوف تتناول القمة ملفات سياسية ساخنة كعادتها؛ جمع الشمل العربي وحالة الوطن العربي عموماً! وملفات اقتصادية أيضاً كالتكامل الاقتصادي العربي بعد جائحة "كوفید- 19″، والأزمة الغذائية والطاقوية الحالية، ودعم الاقتصاديات العربية المتضررة، وتفعيل الاستثمارات العربية البينية والأمن الغذائي العربي في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
حيث بدأ المسؤولون الجزائريون، وعلى رأسهم مهندس العقيدة الجديدة للدبلوماسية الجزائرية وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، بالزيارات واللقاءات المكوكية لتسليم الدعوات الرسمية لرؤساء وملوك وأمراء الدول العربية، وعلى رأسهم دولة فلسطين المحتلة ودولة مصر العربية ودولة الكويت ودولة قطر ودولة الإمارات، والمملكة المغربية بعد قطيعة دبلوماسية بين البلدين.
تداولت بعض وسائل الإعلام المقربة من النظام المغربي خبر مشاركة الملك المغربي محمد السادس في قمة الجزائر، هذا ما ورد على موقع أسبوعية "Jeune Afrique" الناطقة بالفرنسية، وبعدها تناولت أسبوعية الشرق الأوسط الخبر نفسه، كما علّق مؤسس يومية موقع "Mondafrique" على أن خبر حضور الملك شخصياً في القمة كان مفاجئاً لجميع من في مبنى وزارة الشؤون الخارجية المغربية.
إن خبر "حضور" الملك المغربي لقمة الجزائر يخفي خبر عدم مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة، هذا بعد كلام طويل خلال الأشهر الماضية على مشاركة الجمهورية العربية السورية في قمة الجزائر، وعودة سوريا للبيت العربي المهدوم، واسترجاع مقعدها بالجامعة الذي لا يزال شاغراً منذ 2011 كانت الجامعة العربية قد علقت مقعدها بسبب قمع النظام السوري للثورة السورية، وعدم استجابته للمبادرة العربية.
صحوة دبلوماسية جزائرية
منذ شهور بدأت الجزائر تسعى بإلحاح إلى مشاركة سوريا واسترجاع مقعدها بالجامعة، لكن هذا السعي بدأ بشبه فشل كاد أن يحرج الجزائر؛ كونها البلد المضيف للقمة والساعي لترتيب كل البيت العربي. وصرّح وزير الخارجية الجزائري أن غياب سوريا عن الجامعة العربية يضر بالعمل العربي المشترك.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، فإن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أكد لنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، أن النظام يفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعد سوريا بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك "حرصاً على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي". حسب قوله.
تساءل الكثير من المحللين في الشأن العربي حول موضوع إصرار الجزائر على عودة سوريا للبيت العربي.
تنظر الجزائر لسوريا من باب العلاقات التاريخية بين البلدين التى تعود جذورها حين اختار مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة القائد الأمير عبد القادر الشام منفى له، بعد إقامته الجبرية القصيرة بفرنسا، ثم انتقل إلى مدينة بورصا بتركيا وأخيراً اختار الشام مكان عيش واستقرار؛ عاش وتوفي ودفن بها، وفي عام 1963، بعد استقلال الجزائر، استرجعت السلطات الجزائرية رفات القائد الأمير عبد القادر من سوريا، وهو الآن مدفون بمقبرة الشهداء بالعالية بالجزائر العاصمة.
أيضاً تعتبر الجزائر سوريا بلداً شقيقاً ساند شعبه ونخبه وسلطاته في ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي. هناك أيضاً اعتبارات ذاتية أخرى ربطت الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة مع عائلة الأسد؛ كون الرئيس حافظ الأسد كان أول من فتح بيته للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لما غادر الجزائر "كرهاً" في بداية ثمانينيات القرن الماضي.
كما كان للجزائر موقف مغاير، البعض يقول محايد، تجاه الموجة الأولى للثورات العربية في عام 2011. أخذت الجزائر موقفاً واضحاً هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الشقيقة، هذه الثورات التي غيرّت مشهد الخريطة السياسية والأمنية والتركيبة الاجتماعية للعديد من الدول العربية منها سوريا. حيث كانت ترى الجزائر في تلك الثورات مأساة أليمة على المنطقة. قد مرّت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بفترة عنف وعدم استقرار سياسي بعد إلغاء مسار الإصلاح السياسي الأول في العالم العربي عام 1992. وبالتالي انتقد الكثير من النخب العربية والسورية خصوصاً موقف الجزائر تجاه الموجة الأولى للثورات العربية. الجزائر هي الأخرى عاشت الموجة الثانية للثورات العربية في عام 2019، حيث شهدت حراكاً شعبياً سلمياً أطاح بمنظومة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في شهر أبريل/نيسان 2019.
اليوم الجزائر تريد أن تطوي صفحة الانقسامات، وتفتح صفحة المصالحة والإصلاحات؛ علماً أن مسار انتفاضة الشعب السوري السلمية ضد النظام السوري خرج من يد السوريين وهي في طريقها إلى التأميم كما أممت باقي الانتفاضات والثورات من قبلها في العالم العربي.
تحوّل الموقف التركي الأخير من المسألة السوريا له أكثر من دلالة، فسّره البعض لأسباب داخلية محضة تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة.. استقبال رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم من قبل نظيره القطري تعزيزاً للعلاقات الكروية بين البلدين الشقيقين، بلغة فن الدبلوماسية: تطبيع ضمني!
كما تحدث البعض عن موقف إصرار الجزائر لعودة سوريا للمشهد العربي التكاملي بسبب علاقاتها الوثيقة مع روسيا، ومدى تأثير الموقف الروسي على الجزائر. باتت الجزائر في الوضع الإقليمي الراهن في موقع تحسد عليه من العديد من الدول في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية، خاصة الطاقوية، على دول الاتحاد الأوروبي.
الجزائر عرفت كيف تتحكم في الملف الروسي الأوكراني، بل ذهب البعض إلى ترشيحها كوسيط موثوق لحلحلة أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وإنقاذ الرئيس بوتين من المستنقع الأوكراني.
وزار وفد كبير من وزراء الدول العربية موسكو وكييف في بداية الحرب الروسية الأوكرانية بمساعٍ لإيجاد طرق دبلوماسية لحل الأزمة، وتضمن هذا الوفد وزراء خارجية الأردن، والجزائر، والسودان، والعراق، ومصر.
بالمقابل، تتجه السياسة الجزائرية نحو موسكو المبنية على تنويع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ودرجة الثقة والاحترام المتبادل على أساس المصلحة بين الشريكين.
التحديات والتناقضات
بغض النظر عما قيل وكتب عن انعقاد هذه القمة وشروط بعض ملوك وأمراء ورؤساء الدول لحضور القمة، تعد قمة نوفمبر/تشرين الثاني قمة جمع الشمل وإعادة بعث الثقة للشعوب العربية، التى طالما عانت من ويلات الحروب والانقسام والفقر والفساد، بكلمة أخرى الظلم.
وفي حين نتحدث عن القمة العربية للقادة العرب ولم الشمل العربي، مئات الشباب العربي تبحر يومياً على قوارب الموت بحثاً عن حياة أفضل في الدول الأوروبية شعارها: الحرڤة ولا الحڤرة (الهروب ولا الظلم). حتى الدول الأوروبية لم تبق تلك الدول السخية بسبب صعود اليمين المتطرف وخطاب الكراهية ضد العرب والمسلمين والأزمة الاقتصادية. فالنموذج التكاملي الأوروبي هو الآخر أصبح مهدداً بسبب التداعيات الاقتصادية والأمنية على دول الاتحاد الأوروبي غير المتجانسة عرقياً ودينياً (مذهبياً) وثقافياً.
تبقى القمة القادمة المنعقدة في الجزائر قمة التحديات والتناقضات، تعيش المنطقة العربية تحدياً أمنياً يهدد الأمن القومي العربي المشترك، هناك دول عربية تدعو إلى إنشاء تحالف عسكري على غرار الناتو، بوجود دولة الكيان عضواً مؤسساً فيه تحت رعاية أمريكية، بحجة تهديد الخطر الإيراني، هذا التهديد الذي بدأ هلالاً وانتهى قمراً مكتملاً على المنطقة العربية.
باتت ليبيا مقسمة بين حكومتين: واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، واليمن في الطريق إلى التقسيم مرة أخرى، وسوريا محتلة، والعراق تحوّل إلى دولة فاشلة، والسودان انقسم بين الشمال والجنوب، والصومال مهدد بالمجاعة من جديد، ومصر منتهكة اقتصادياً وعسكرياً، وتونس تائهة بين الشرعية الدستورية والأزمة الاقتصادية، والمغرب يغرّد خارج السرب العربي، والجزائر بات أمنها القومي مهدداً من جميع الجبهات، ودول الخليج تبحث عن أمنها ومصالحها.
ختاماً، 6 دول عربية مطبِّعة، منها في كامب ديفيد وأخرى مع الحملة الـ"إبراهيمية"، غايتها دفن القضية الفلسطينية، قضية احتضنها الشعب الفلسطيني الأعزل هو الآخر بين قيادتين واحدة في القطاع والأخرى في غزة تقاوم عدواً عنصرياً محتلاً. عندها نتساءل: كيف للجزائر أن تستطيع أن تتموضع في سياق مشحون بالخلافات تحاول حلحلة كل هذه المشاكل العربية العربية، رغم التطبيع العربي العربي الأخير، وزيارة الرئيس المصري اليوم لقطر تدخل في هذا الإطار.
جاء منتدى وهران الأخير، منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك كقيمة مضافة لمخرجات القمة العربية المرتقبة بالجزائر في تسوية الخلافات وتعزيز العمل العربي المشترك في غياب تام للشعوب العربية التي أرهقها التهميش ومحيط إقليمي ودولي مضطربين، وغياب إستراتيجية عربية مشتركة تزيد بالتأكيد في تعقيد معادلة لعبة القوى التي يفرضها واقع دولي وإقليمي للأسف سوف يكون في غياب موقف عربي مشترك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.