جعلت الهنود يأكلون الجثث، وملأت الأنهار بالموتى.. تاريخ شركة الهند الشرقية البريطانية

عدد القراءات
988
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/13 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/13 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
شركة الهند الشرقية البريطانية

توفيت الملكة إليزابيث الثانية، عن عمر 96 عاماً، في قلعة بالمورال في أسكتلندا، بعد أن تربعت على عرش بريطانيا لمدة 70 عاماً. بهذه الوفاة ينتهي فصل طويل من تاريخ بريطانيا.

وبهذه المناسبة، سنفتح في هذا المقال فصلاً من فصول التاريخ البريطاني المسكوت عنه، وهو ما أقدمت عليه المملكة الأوروبية واقترفت من جرائم بحق الهند.

شركة الهند الشرقية البريطانية

قصة الاستعمار البريطاني هي قصة ‎شركة الهند الشرقية البريطانية المقرونة بالتفوق العسكري البريطاني، والشهوة المتنامية لاستباحة الآخر ودهسه وطمسه، واتباع لسياسة فرق تسد، والمكر والخداع، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تراكم الثروة في بريطانيا وإفقار الهند.
كانت الثورة الصناعية وما نجم عنها من مصادر للتسليح العسكري لعنة على الشعوب المقهورة؛ إذ أوجدت نهماً شديدًا للمواد الأولية، ثم حاجة مماثلة للأسواق الضرورية لتصدير فائض الإنتاج، وهو ما ترتب عليه اجتياح أوروبي مسلح لقارات العالم.

كان هذا هو دافع الاحتلالات التي وقعت ما بعد الثورة الصناعية في القرون الماضية، في هذا التاريخ المر، تأتي الملكة إليزابيث الثانية لتكون هي آخر حلقة وصل في عصرنا الجاري والتاريخ الشنيع للاستعمار.
ولم يكن لبريطانيا أي حق فيما اقترفته، ولم تراعِ أية أخلاق في ممارساتها الاستعمارية، إذ نهبوا البلاد والعباد، ولم يرحلوا إلا بعدما دمروا المقومات الأساسية لنهضة الشعب الهندي، ودفعوه إلى أتون الموت والمجاعات والأوبئة والرزايا، مع نثر بذور الخلافات والشقاق.

لوحة لأحد رجال شركة الهند الشرقية البريطانية
لوحة لأحد رجال شركة الهند الشرقية البريطانية

34 مجاعة في الهند

تم إنشاء شركة الهند الشرقية البريطانية في عام 1600 للاستفادة من التجارة مع الهند، والتي كانت تمثل في ذلك الوقت أكثر من ربع إجمالي التجارة في العالم. ومع ذلك، سرعان ما أدركت بريطانيا أن طموحاتها ستتحقق بشكل أفضل مع وجود دائم في البلاد، ومنذ ذلك الحين انطلقت التجارة رفقة الاستعمار.

مع ازدهار الشركة، ذاع صيت رجالاتها، أولئك بدورهم بدأوا يحلمون بتوسيع أراضيهم ونطاق أعمالهم. كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تنظر إلى الهند، وفي القلب منها البنغال، على أنها عزبة ضخمة أو مزرعة كبيرة يجب الخروج بأرباحها وإيداعها في خزائن أوروبا، وإنجلترا في المقام الأول. واحتاج تحقيق هذه الغاية لتحویل ثلة التجار الذين يقتصر دورهم المعتاد على عمليات التبادل التجاري التقليدية المعروفة، إلى حكومة عسكرية مسلحة مخيفة في الهند.

تلك القوة المسلحة المتجبرة هي شركة الهند الشرقية البريطانية. 

تحت حكم الشركة الناهبة، عرفت الهند المجاعات التي ازدادت بشكل كبير، ثم تحت حكم التاج البريطاني، وراح نحو 10 ملايين نسمة ضحايا لمجاعة عام 1877 وحدها.
لقد وقعت 34 مجاعة في الهند، خلال الحكم البريطاني الذي دام لمدة 120 عاماً، مقارنة بـ17 مجاعة فقط على امتداد الألفيتين اللتين سبقتا الحكم البريطاني. وفي إحدى هذه المجاعات أكل الأحياء جثث الموتى، وملأت الجثث المنتفخة نهر هوجلي. ولم يشفع هذا الوضع الشنيع للباقين من الأحياء البائسين في إعفائهم من إرهاب الشركة وجيشها لدفع الضرائب المستحقة قهراً، واستغلت الشركة ورجالها المحنة فراحوا يتاجرون في الحبوب التي احتكروها ويرفعون أسعارها. 

تدمير الاقتصاد

في الحقيقة، تم تمويل التقدم الاقتصادي لبريطانيا من القرن الثامن عشر فصاعداً من خلال الاستغلال الاقتصادي للهند. ورأينا في صفحات التاريخ الآثار السلبية الأخرى للحكم الاستعماري على الهند، مثل المجاعات والمساهمة الإلزامية للهنود في المجهود الحربي البريطاني خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. أما الفوائد المفترضة للاستعمار البريطاني، مثل السكك الحديدية والديمقراطية، تم إنشاؤها إما لأغراض تعزيز الاستغلال الاقتصادي أو توظيفاً لابتكار وعمل الهنود أنفسهم. 

كتب شاشي تارور في كتابه المعنون عصر الظلام عن حصة الهند في الاقتصاد العالمي: في بداية الحكم البريطاني للهند، كانت حصة الهند من الاقتصاد العالمي 23%؛  عندما أصبحت الهند مستقلة عن الحكم البريطاني في عام 1947 انخفضت هذه الحصة إلى أقل من 4%. وتمتعت الهند بحصة 25% من التجارة العالمية في المنسوجات في أوائل القرن الثامن عشر. لكن هذا تم تدميره من قبل المحتلين.

ألماسة كوهينور

إليزابيث
الملكة الراحلة إليزابيث الثانية – Getty Images

توجد ألماسة كوهينور حالياً في التاج البلاتيني الذي كانت ترتديه الملكة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها كملكة إنجلترا. سيذهب هذا التاج المرصع بكوهينور إلى الملك التالي، أي الملك تشارلز الثالث، ابن الملكة الأكبر.

غالباً ما توصف كوهينور بأنها أثمن ألماسة في العالم؛ إذ تزن حوالي 105.6 قيراط. تم العثور على الألماس الثمين واستخراجه من مناجم جولكوندا في غونتور بولاية أندرا براديش في الهند في القرن الرابع عشر. ومنذ القرن الثامن عشر، قام الحكام البريطانيون بتهريب الأحجار الكريمة والشعاب المرجانية والرخام والتحف الفنية، كما الموارد الطبيعية من الهند إلى بريطانيا. وتم تسليم ألماسة كوهينور إلى الملكة فيكتوريا في عام 1849 بعد ضم البنجاب خلال حكم ديليب سينغ نجل المهراجا رانجيت سينغ. 

الشحن وبناء السفن

كانت السرقة صارخة لدرجة أنه حتى الإنجليز في ذلك الوقت اعترفوا بها، والأسوأ من ذلك أن الصناعة الهندية دمرت، وكذلك صناعة الشحن وبناء السفن الهندية. قبل وصول شركة الهند الشرقية البريطانية، كانت البنغال وسورات وموانئ مالابار في كاليكوت وكويلون تتمتع بصناعة بناء سفن مزدهرة، وكان الشحن الهندي حاضراً في بحر العرب وخليج البنغال.  كان المراتيون يديرون أسطولاً كبيراً في القرن السادس عشر، دافعت البحرية شيفاجي عن الساحل الغربي ضد التهديد البرتغالي، وفي الجنوب، دفعت براعة القائد المسلم كونجالي ماراكار في الملاحة البحرية زامورين في كاليكوت في منتصف القرن السادس عشر، إلى إصدار أمر بأن كل أسرة صياد في مملكته يجب أن تنجب ابناً واحداً كمسلم ليتم إدارة أسطوله البحري بأيدي المسلمين.

تضمن أسطول البنغال في أوائل القرن السابع عشر 4 آلاف إلى 5 آلاف سفينة بحمولة 400 إلى 500 طن لكل منها، تم بناؤها في البنغال وعملت هناك؛ ازدادت هذه الأرقام حتى منتصف القرن الثامن عشر، نظراً للإقبال الكبير على البضائع والمنتجات التي يحملونها.  ولكن قد تم كبح جماح صناعة الشحن وبناء السفن المزدهرة هذه بشكل كبير من قبل البريطانيين بعد وصول شركة الهند الشرقية البريطانية.

وهم المساهمة في الديمقراطية

خلال فترة حكمهم، لم يشكل البريطانيون أكثر من 0.05٪ من إجمالي سكان الهند. ومع ذلك، خلال معظم تلك الفترة، لم يُسمح لأي هندي بالانضمام إلى الخدمة المدنية الهندية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البريطانيين لم يتمكنوا من تحمل أوامر من رجل أسمر اللون.

في الواقع، لم تكن سياسة بريطانيا تتمثل في التوحد والاندماج مع الهنود، بل كانت سياسة فرق تسد. فنظام الطبقات الهندوسية أصبح أكثر صرامة في ظل حكم البريطانيين، وتعمقت الخطوط المجتمعية، ولا سيما بين الهندوس والمسلمين حتى قسم بها المستعمرون شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان وهم في طريقهم للخروج. فكيف نستطيع أن نقول إن بريطانيا وحدت الهند؟

هل أعطى البريطانيون الهند الديمقراطية وسيادة القانون كما يدعون؟

لا يمكن للديمقراطية أن تعمل دون صحافة حرة وقانون عادل، وهما ما لم يكونا موجودين في عهدهم.

صحيح كان البريطانيون أول من أنشأ الصحف في الهند، لكنها كانت تخدم نخبة صغيرة من المتعلمين باللغة الإنجليزية أولاً، وجماهير كبيرة باللغات المحلية في وقت لاحق. ومع ذلك، وبسبب القلق من انتشارها، أصدرت شركة الهند الشرقية البريطانية قانون الرقابة على الصحافة في عام 1779، وأخضعت جميع الصحف للرقابة قبل النشر، وفي عام 1807، تم إخضاع جميع أنواع المطبوعات الأخرى أيضاً لهذه القاعدة.

استقلال الهند

حكم البريطانيون الهند لما يقرب من 200 عام. كانت حياة كل هندي صعبة ومحبطة خلال الحكم الاستعماري البريطاني. كان الهنود يعاملون كعبيد لا يتمتعون بحرية التعبير. لم يكن الحكام الهنود أكثر من الدمى في أيدي الضباط البريطانيين. عومل المقاتلون الهنود بقسوة في المعسكرات البريطانية، وجوع المزارعون لأنهم لم يتمكنوا من زراعة المحاصيل، واضطروا إلى دفع ضرائب مرتفعة على الأرض. والمقاتلون من أجل حرية الهنود مثل المهاتما غاندي، ومولانا عبد الكلام آزاد، والدكتور أمبيدكار، وبهاغات سينغ، وشاندراشيخار آزاد، ونتاجي سوبهاس شاندرا بوس، وساردار فالابهبهاي باتيل، وغيرهم قد أطلقوا العديد من الحركات التي ساعدت في كسر قيود العبودية. 

في عام 1947، تم تحرير الهند من الحكم القمعي للإمبراطورية البريطانية. كان الكفاح من أجل الاستقلال طويلًا وصعباً، وروي الطريق بالأرواح الشجاعة.

مراجع:

  1. Illusions of empire: Amartya Sen
  2. An era of darkness: Shashi Tarur

The Corporation That Changed the World: Nick Robins

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد ذو النورين
كاتب ومحرر هندي
محرر تنفيذي لمجلة اللغة ومحرر لمجلة "اللغة للفنون"، حصل على البكالوريا من الجامعة الإسلامية كيرلا، والماجستير من جامعة عليجراه الإسلامية، والدكتوراه من جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية حيدر آباد.
تحميل المزيد