"كبرتِ يا بُنيّتي وأصبحتِ عَروساً، متى سنفرح بعُرسكِ؟".. تلك العبارة اللعينة التي تتردد على مسامع الفتيات حين يبلُغن العشرين، وكأنها بلغت من الحياة ما تود أن تبرح به لينتهي الأمر بالزواج، ففي أغلب الدول العربية عندما تكون الفتاة على مشارف العقد الثاني من عمرها تشرع الأم في بداية ما يُسمى بـ"جهاز العروس"، وكأن الأسواق ستخلو من الأواني والمناشف، ويبدأ التجويد في اختيار أثمنها بالنسبة لبعض الطبقات المرفهة، وما يزعجك في الأمر يا رفيقي أن أغلبها سيُوضع في "النيش"، هذا الوضيع الذي يأخذ أغلب اهتمام الأمهات وخوفهن عليه، وكأنه الابن المدلل لهُن!
الأمر يبدو أنه مُعقد، فبين وجهة نظر بعض جيلي وجيل أمهاتنا مئات الأميال حتى يتم التلاقي والتفاهم.
والموضوع من وجهة نظر من هُنّ يتفقن معي، في فكرة أن للفتاة بعض الأهداف عليها تحقيقها، ولها كيان لا بد أن تُتم بناءه وليس جزءاً منه، وترضى بالتنازل عن الباقي، نعم أنا مع أن المرأة خُلقت لتأدية مهمة تنشئة جيل سوي، لكن هذا لا يعارض كونها تود أن تكون لها كينونتها الخاصة بها.
دعنا من قضية تحرر المرأة، والتغني دون جدوى بالانفراد بكيانها، ولْنبق في لعنة "الصيني والنيش"، هذا الكابوس الذي يطارد كل أُم في ليلها منذ أن تنجب فتاة، من أين ستبدأ بالادخار؟ متى ستكبر تلك الصغيرة البائسة وتطمئن عليها مع زوجها؟ وغيرها من الأسئلة التي تُصيبك بالاكتئاب يا مؤمن، وكأن الفتاة تلك لن تكبُر وتتشكل لها شخصية ومدارك خاصة إلى أن تسأل نفسها ما قيمتي في تلك الحياة؟
كثيراً ما تراودني تساؤلات: لمَ لا آخذ هذه الأموال وأتمم دراستي بالخارج، أو مثلاً أشتري بعض السلاسل الأدبية الغالية الثمن لأزين بها عقلي؟ فأنا لا أعلم إن كنت سأحيا لذلك الأجل البعيد لاستخدام هذا العبث، أم سأمجده وأضعه في دولاب الغوالي "النيش"، لا أعلم إن كنت سأتزوج أم لا، فالواقع بائس، لا يشجع على أن نتكاثر لنأتي بأطفال نورثهم بؤسنا.
وعندما أنظر متأملةً أجد أنه لم يرِد في أيِّ دين نصٌ يحثّ على أهمية الصيني، والنصوص التاريخية القديمة جداً لا أجد بها ما يُرضي فضولي العابث، ولكني وجدت أنهم قديماً كانوا يهتمون بطاقم الأواني النحاس والحصير و"البابور"، هذا حال محدودي الدخل، أما عن اليوم فتتنافس الأمهات في الشراء، حتى تظهر البنت بصورة مشرفة أمام أهل الزوج، وكأن عقلها وأدبها وفكرها لا تفي بالغرض.
أما عن صديقات أمي والقريبات الفضليات وسؤالهن المحبوب: "متى سنفرح بعرسك؟"، وأخرى: "ألم يئِن الوقت لتكوني ببيت من يستحقك؟"… وهكذا دواليك، تلك الأسئلة التي تجعل أي فتاة تتمنى صاعقةً من السماء تصعقها لتستريح من أصواتهن المتكررة في سمعها.
الموضوع أن للبعض خارطة، بها عدة أهداف، يجتازها ثم يفكر بشأن كيان يلتحم بكيانه.
يقول أنيس منصور: "وُلد الناس أحراراً، لكن بعضهم تزوج".
أنا على يقين تام أن الزواج ليس بهذا الحد من السوء، لكن عليَّ أن أكون ناضجة حتى أكون على قدر من المسؤولية كزوجة وصديقة لشريك الحياة، ثم كأم، حتى لا يكون قيدي ضيقاً، بل خانقاً يصل بي إلى حد الانهيار.
لحظات أتخيل ابنتي المستقبلية وأنا أجرها خلفي جرّاً، كما تفعل أمهات اليوم، أتنفس الصعداء قائلة: لن أفعل، لن أفعل!
قديماً كانت تولد الفتاة بحلم الفارس وفرسه الأبيض الطائر، فكانت مُهيأة لتكون زوجة وأُماً، وتظل تحلم تلك الأميرة بالمملكة، وتحلم كيف ستكون، وكيف ستُزينها، وكم ستبدو جميلة؟
لكن اليوم من خلال محيطي، منّا من تحلم بأن تأتي ببعض الموسوعات الأدبية، وأخرى تصير خبيرة بمجالات الطاقة وغيرها، نادراً ما يكون حديثنا عن الزواج، أو لنكن أكثر دقة، كلما نتحدث نقول الأمر ليس محطات، لو وُجد من يؤيد الفكر، وتسكُن له النفس فلِمَ لا؟
لو شئنا سادتي تبسيط الأمر لكن الوضع أسهل، لكن يبدو ستبقى العادات والتقاليد حكاماً لا مبدد لحكمها إلا لمن أراد، فسحقاً للنيش، والويل لي من أُمي!.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.