راودتني أسئلة وهواجس وأفكار تطوقت لمعرفة إجابتها، فنفسي حدثتني سائلة.. إذا سألك أحد يدين بديانة أخرى غير الإسلام.. وقال لك ما هو الإسلام؟.. فماذا ستكون إجابتك حينها؟.. هل فكرت في ذلك من قبل؟.. هل السؤال صعب لهذه الدرجة؟!.. ما الإسلام؟!.. هل الإسلام دين حرب، أم سلم؟
أسئلة تدور وتدور في العقول.. أنتبرأ منها ونهرب كالجبناء الجهلاء، أم نهجم عليها ونثق بديننا، ونعلم أن الأجوبة جميعها بلا استثناء صوب الأعين أمام أسئلة المستشرقين الخبيثة التي تهز قلوب قليلي العلم؟ إننا نحتاج للتدبر والتفكر، وليس التفكر والتدبر فقط ما يجب أن نسعى إليه، بل نسأل أصحاب الثقة والعقل والعلم الشرعي، ونقرأ الكتب الموثوقة لنهتدي للأجوبة التي طالما طمحنا إليها، فما توصلت إليه من أجوبة سآتي بها في السطور القادمة..
ما هو مصطلح الإسلام؟
أن يُسَلم العبد روحه وجسده لما أمر الله به من طاعات ونواهٍ تسليماً كاملاً لا شك فيه، وأن يستيقن بأنه خُلق للعبادة وإعمار الأرض، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فلنأتِ للقصة التي رواها لنا سيدنا عمر بن الخطاب عن تعريف الإسلام:
عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبته إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: "يا محمد أخبرني عن الإسلام"، فقال له: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، قال: "صدقت"، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: "أخبرني عن الإيمان" قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، قال: "صدقت"، قال: "فأخبرني عن الإحسان"، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، قال: "فأخبرني عن الساعة"، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)، قال: "فأخبرني عن أماراتها"، قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان)، ثم انطلق فلبث ملياً، ثم قال: (يا عمر، أتدري من السائل؟)، قلت: "الله ورسوله أعلم"، قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). رواه مسلم .
السؤال هنا الذي نضع تحته عدة خطوط عريضة.. الإسلام دين حرب، أم سلم؟
الإسلام ليس هذا أو ذاك، بل هو خليط بين الأمرين، بما أن الأمر كذلك سنقسم الإسلام إلى قسمين منفصلين:
أولاً- دين سٍلم:
فالإسلام دين السلام ودين الرحمة والعاطفة الجياشة، ومما لا شك فيه ولا مراء أن النبي (ًصلى الله عليه وسلم) أُرسل بالرحمة قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وأن النبي الصادق الأمين جاء بالأخلاق "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فإذا جاء النبي بالرحمة والأخلاق، فهل ينتج عن ذلك إلا السلام!
ثانياً- دين حرب:
الإسلام ليس دين حرب بالمعنى الحرفي الذي يروّجه لنا المستشرقون، ولكن هو أيضاً ليس ديناً يُعلّم أتباعه الخنوع والجبن للظلم والقهر والسكوت على أي اعتداء غاشم على أفراده، في بعض الأحيان يكون الحرب هو المصدر الوحيد للسلام والبُعد عن أي آثار جانبية قاتلة للنفس البشرية، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، لجأ لإقامة الحروب والغزوات بسبب اعتداء المشركين على المسلمين أو تعليم المشركين درساً عظيماً كغزوة بدر، وليقيم دولة مؤمنة مسلمة سالمة على أراضي المدينة، واقتدى بذلك الخلفاء الراشدون من بعده بفتح البلاد الإسلامية التي يُقام عليها الظلم الديني العقائدي والجسدي كاعتداء الروم على الشعب القبطي المصري، لتقام جميع الأديان بحرية وسلام، ولا يعتدي دين على آخر حتى ولو كان الإسلام هو دين الدولة الأساسي، فالمسلم مُطالَب بألا يعتدي على من هم مختلفون عنه في الدين في موطنه ما دام لم يكن هناك اعتداء من الطرف الآخر، فالإسلام دين عدل وقيم ومحبة، لكنه ليس ديناً ضعيفاً يقبل الوهن والذل، فهو دين آت من الله عز وجل، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
وهناك قواعد مهمة نص عليها الرسول، صلى الله عليه وسلم، إذا أُجبر المسلمون لممارسة الحروب ودخول أوطان أخرى، وأوصى النبي المسلمين بالعمل بها بعده، وبالتالي أوصى الخلفاء جيوشهم بها، وكان أول خليفة أقر ذلك الأمر هو الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) عندما وصى الجنود قبل فتح بلاد الشام في 12 هجرية:
قال: يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر، فاحفظوها عنى: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليه. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم، وتركوا حولها مثل العصائب، فاخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله، أفناكم الله بالطعن والطاعون.
فالإسلام دين سلام ورحمة، حتى ولو هناك حروب وقتال؛ لأن القتال يكون هدفه ليس القتل أو العداوة من الأساس، بل يكون هدفه نشر العدل وإلغاء الظلم عن أي مستضعف، ونشر حرية العقيدة ولا يجبرك على عقيدة محددة حتى وإن كان إعتقاد المسلم أنه يدين بدين الحق الآتي من الله، سبحانه وتعالى، فيترك اليهود والمسحيون أو أي ديانة أخرى يختارون طريقهم ودينهم بحرية تامة دون أي ضغوطات، ما علينا فقط أن نفهم ديننا جيداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.