قبل أيام فوجئ العالم -وقبلهم الباكستانيون- بخبر محاولة إلقاء القبض على عمران خان؛ ولم تكن المفاجأة تتعلق بمحاولة القبض عليه؛ بل بالسبب، إذ تم اتهام عمران خان بالإرهاب، خاصة أن الرجل معروف بشعبيته الطاغية، بل أقلق الخبر الأمم المتحدة إذ صرحت على لسان أمينها العام بقلقها إزاء الأخبار الصادرة من باكستان، وأنها تراقب الوضع عن كثب، داعية الجميع إلى ضبط النفس والهدوء، ومشددة على أن الحوار هو الحل الأمثل، وأن على الجميع الامتثال للقانون.
سبق خبر نية الشرطة اعتقال عمران خان أنها قامت باعتقال مستشاره شهباز غِل، إذ تم القبض عليه، وحينها وردت الأخبار بتعرضه للتعذيب والضرب، بل قال عمران خان في تغريدة له إن مستشاره تعرَّض لاعتداء جنسي عليه، ليبدأ حينها سجالاً في المحكمة عن سبب اعتقال شهباز غِل، ليأتي الرد بأنه كان يعمل على زعزعة استقرار الدولة وبث الفُرقة داخل المؤسسة العسكرية، وأن خطابه كان معادياً للجيش، المثير في الأمر أن اعتقال شهباز غِل تم إثر قانون تم تمريره في البرلمان أثناء فترة حكم عمران خان، يمنع الحديث عن المؤسسة العسكرية بسوء، حينها رفضت المعارضة آنذاك القانون، مبينة خطره على حرية التعبير في باكستان، كان عمران ينوي استعمال القانون ضد المعارضة آنذاك، بيد أن الوقت لم يسعفه، ليصبح كبير مستشاريه أول من يطبق عليه القانون ذاته.
ورغم تبرؤ حزب الإنصاف من تصريحات شهباز غِل، سواء تحت قبة البرلمان على لسان فيصل جاويد خان، أو حتى تصريحات فؤاد تشوهدري، أو حتى غيرهما؛ فإن كل هذا لم يُفد شهباز غِل، ولم يفد حزب الإنصاف، ولم يكن ذا فائدة لعمران خان، والذي بتصريحاته هو شخصياً أصبح تحت نيران الحكومة، وهذه المرة باتهام صاعق، وهو الإرهاب.
تعود أحداث القصة إلى يوم 22 من أغسطس/آب، وتحديداً في جلسة مدينة راولبندي، حينها وجَّه عمران خان تهديداً صريحاً للقاضية، زيبا تشوهدي، ومسؤولَين آخرين في شرطة إسلام آباد، متوعداً إياهم بإجراءات ضدهم، حينها توجهت الحكومة فوراً وسجلت محضراً ضد عمران خان تحت بند مكافحة الإرهاب، تمهيداً لاعتقاله والقبض عليه.
انتشرت في الليل أخبار عن نية الشرطة اعتقال عمران خان، ليهبّ أنصاره لحمايته، وخرجت المظاهرات في عموم باكستان في منتصف الليل، بل تظاهر الباكستانيون المقيمون في لندن أمام شقة نواز شريف، الأخ الأكبر لرئيس الوزراء شهباز شريف، والقائد الفعلي لحزب الرابطة الإسلامية – فصيل نواز شريف-، أما في بني غالا -مقر سكن عمران خان- فقد اعتصم المتظاهرون في الطرق المؤدية لبيت عمران خان، وهدد أعضاء حزب الإنصاف بأنه إن حصل شيء لعمران خان فإن الفوضى لن تنتهي في باكستان، وأصبح وسم (عمران خان خط أحمر) ترينداً في تويتر.
لكن الحقيقة تقول إنه لم تكن هناك نية لاعتقال عمران خان تلك الليلة تحديداً، بل كان استباقاً من حزب الإنصاف للأمور، وشحناً للعواطف، وتجهيزاً للجماهير لما هو آت في قادم الأيام.
في اليوم التالي ذهب محامو عمران خان إلى المحكمة العليا في إسلام آباد من أجل أخذ حكم من المحكمة بالإفراج عن عمران خان بكفالة، وأخبر المحامون أن عمران خان لا يمانع في المثول أمام محكمة مكافحة الإرهاب، لتصدر المحكمة حكمها بالإفراج عن عمران خان لمدة ثلاثة أيام بكفالة.
لم تكن هذه هي القضية الوحيدة، إذ يوم 23 تم تسجيل محضر آخر ضد عمران خان، وهذه المرة كانت التهمة ازدراء المحكمة.
توالت اجتماعات حزب الإنصاف إثر قرار المحكمة لدراسة الوضع، واتخاذ الخطوات المستقبلية، كذلك التقى حزب الرابطة الإسلامية – فصيل القائد الأعظم، وهو حليف لعمران خان- بعمران خان في مقر سكنه، وقال برويز إلهى، حليف عمران خان ورئيس وزراء إقليم البنجاب حين سؤاله عن نية الحكومة اعتقال عمران خان، بأنه يتحداهم أن يحاولوا المساس بشعرة من رأس عمران خان، حينها لن يجدوا مكاناً للاختباء فيه، ليس في باكستان فقط، بل في العالم كله.
السؤال هنا، هل تنوي الحكومة اعتقال عمران خان حقاً؟
الحقيقة، لا؛ ولكن الحكومة تبغي أن يصدر حكم على عمران خان يجعله غير أهل لخوض الانتخابات العامة – متى ما حصلت -، الأمر الآخر، هناك خلاف داخل الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة الحالية بخصوص اعتقال عمران خان، إذ يرفض حزب الشعب بقيادة آصف علي زرداري اعتقال عمران خان تماماً، بل طالب أصف زرداري بمنح عمران خان مزيداً من الحرية في الحديث وعدم التضييق عليه، في حين يبغي رئيس الوزراء، شهباز شريف، ورئيس جمعية علماء إسلام مولانا، فضل الرحمن، ووزير الداخلية رانا ثناء الله القبض على عمران خان.
قد يتساءل البعض عن موقف المؤسسة العسكرية من اعتقال عمران خان، حتى اللحظة ومن الناحية الرسمية فإن موقف المؤسسة هو الصمت و"الحياد"، في حين أن الواقع يقول إن المؤسسة العسكرية تدعم الحكومة الحالية من أجل بقائها واستكمال فترتها كاملة حتى أغسطس من العام المقبل، وقد تجلى هذا الدعم في اتصالات قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بقيادات الدول الخليجية، ما تمخض عنه تمديد المملكة العربية السعودية لوديعتها، البالغة ثلاثة مليارات دولار لدى البنك المركزي الباكستاني، إضافة إلى وديعة من قطر بقيمة ملياري دولار، ومليار دولار من الإمارات، وسبق كل هذا اتصال بين الجنرال والولايات المتحدة طالباً منها التوسط لدى صندوق النقد الدولي لمنح باكستان قرضا هي في أمس الحاجة إليه.
ولكن المؤسسة العسكرية تدعم الموجود على رأس هرم السلطة أياً كان، وقد دعمت عمران خان أثناء فترة حكمه دعماً لا نهائياً، وبل ساعدته في تسيير أمور باكستان طيلة فترة حكمه، حتى وصفته المعارضة آنذاك بأنه الابن المدلل للمؤسسة العسكرية، وهو وصف حقيقي لحقبة عمران خان. وهنا نقطة ينبغي أن تتم الإشارة إليها، وهي أن المؤسسة العسكرية لا تمانع في عودة عمران خان إلى الحكم، ولكن ينبغي عليه أن يخفف من حدة خطاباته، وهو ما لا يرغب عمران خان بفعله.
عودة إلى عمران خان، ومثوله أمام محكمة مكافحة الإرهاب، فمن الوارد أن يقدم عمران خان اعتذاراً عن تصريحاته، وأنه لم يكن يقصد ما تم فهمه، وأنه وطني مخلص ويخاف على باكستان، ومن المتوقع جداً أن تقبل المحكمة اعتذاره، وأن تحكم ببراءته، وهو حكم سيمنح عمران خان مزيداً من القوة أمام أنصاره. في حين تأمل الحكومة الحالية أن تحكم المحكمة ضده أو على الأقل أن تجعله غير أهل لخوض الانتخابات القادمة.
حتى اللحظة، كل المؤشرات تشير إلى أن عمران خان لن يدخل السجن، وأن بقاءه خارج السجن هو الأفضل لباكستان، خاصة أنه من غير الممكن التحكم في ردة فعل أنصاره المشحوذين مسبقاً بخطاباته، والمتهيئين -منذ الأخبار التي وردت بنية اعتقاله- للدفاع عنه ولو بأرواحهم ودمائهم. وكذلك دخول عمران خان للسجن سيزيد من شعبيته – وهي أصلاً في أعلى مراحلها- بل سيصوره مظلوماً أمام الجميع، وأن الجيش والقضاء والسلطات التنفيذية كلها ضده، وأنه يقاوم وحيداً من أجل الشعب الباكستاني، وهي أمور ليست في صالح الأحزاب الأخرى أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.