منذ الإعلان عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 وهي تؤكد أنه حدث عربي، وكان ذلك وما زال على المستويين الرسمي والمتمثل بالدولة والشعبي على كل الأصعدة، وهذا التوجه يجب الإشادة به.
لا شكَّ أن تنظيم قطر كأول بلد عربي للبطولة الكبيرة شرف عظيم، كما لا شك أن هذا الحدث الكروي يشكل فرصة كبيرة لإغلاق الكثير من الجراح العربية، والتي تعمقت وازدادت خلال العقد المنصرم.
فلا يخفى على أحد دور الدوحة الريادي في عمليات السلام في العديد من المناطق، والتي شهدنا آخرها في الدوحة؛ حيث وقع 40 فصيلاً يتحاربون على أرض التشاد على تفاهم كبداية لعملية صلح وإحلال السلام بالبلد الذي يغلي منذ فترة ويعج بالتوترات منذ اغتيال رئيسه.
إن مصاب الأمة العربية خلال العقد الأخير مصاب جلل؛ بل ربما هو الأشد في تاريخها من انقسامات وسفك دماء هنا وهناك، وهو ما أضعف الكيان العربي بشكل كبير، وسهل على الكثير من القوى الخارجية الاستقواء على الكيان العربي بشكل عام، وقد حان لهذا الضعف أن يتوقف وكي يتوقف، فلا بدَّ من أن يحل محله عملية إعادة بناء وإعادة تأهيل للجسد العربي المثخن بالجراح.
تملك قطر من الآليات الكثير التي يمكن تسخيرها، سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الاجتماعي، كونها اليوم تشكل مركز ثقل ثقافي ورياضي معاً؛ ما يُمكِنها من لعب دور فعَّال بالأزمات العربية، والتي يأتي على رأسها معاناة شعوب اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا.. إلخ
فالموقف العربي ما زال لليوم مختلفاً على سوريا واليمن، ونوعاً ما ليبيا؛ ما انعكس على شعوب تلك الدول؛ إذ يحيا الشعب اليمني في حالة تمثل أسوأ كارثة إنسانية بالكوكب من عدة سنوات، وما زالت مستمرة حتى اليوم؛ حيث تؤكد الأمم المتحدة أن ثلاثة أرباع الشعب الذي هو أصل العرب يحيا بشبح المجاعة، وهذا الحال بذاته هو أشد تهديد للأمن القومي العربي، كما أن حال الشعب السوري والذي تم تهجير الملايين من أبنائه، فضلاً عن فقدان الملايين مساكنهم بفعل العمليات العسكرية طوال السنوات الماضية يحتاج لوقفة عربية صادقة وصارمة معاً، كذلك تعثر العملية السياسية في ليبيا، والتي أثبتت السنوات استحالة حلها أو حسمها عسكرياً.
ليس في هذا الكلام ما يمس بدور الجامعة العربية، لكن علينا أن نستوعب أن مبدأ اشتراط إجماع الدول الأعضاء على أي قرار لاعتماده، يعيق عمل المنظمة بشكل كبير ويجعلها مكبلة الأيدي تجاه معظم القضايا العربية، ومن هنا يجب إيجاد حلول كالتي تقترحها هذه السطور.
تشكل الرياضة والثقافة معاً أكثر العوامل جذباً للشعوب، وبالتالي يمكن أن يصبحوا الأكثر تأثيراً بالقرار، ولأن قطر تملك ثقلاً كبيراً، فمن الممكن على سبيل المثال جمع المثقفين من الجزائر والمغرب بحلقات نقاشية بمكتبة قطر، ما سيصب بمصلحة الشعبين الشقيقين، كما يمكن طرح بعض الآليات لعمل حكومي على مستوى الدول العربية؛ لتخفيف مأساة شعوب اليمن وسوريا وليبيا، علماً أن الدول المشاركة ببرنامج كهذا يمكن أن تدخله من باب الاستثمار بإعادة الإعمار؛ حيث تملك بعض الدول العربية كدول الخليج رؤوس المال، كما تملك دول أخرى اليد العاملة، وبهذا يمكن ضرب عصفورين بحجر واحد؛ أولاً تخفيف معاناة الشعوب العربية، وثانياً الاستثمار المالي وتوظيف عمالة عربية، بدلاً عن الشركات الأجنبية التي تتربص الآن فتح باب إعادة إعمار الدول العربية المنكوبة لتنقض عليها.
إن الحاجة اليوم للعمل العربي المشترك لم تعد مجرد شعارات فضفاضة كما كانت طوال العقود الماضية، بل ضرورة قصوى للأمن القومي العربي؛ بل ولا مبالغة في القول للوجود العربي ذاته في ضوء التدخلات بالكيان العربي، وقضم أراضيه من الدول المجاورة، وسقوط الدول العربية فريسة للصراعات الداخلية، والذي أفسح المجال لإسرائيل للاستقواء وتقدم الصفوف، فالعرب اليوم يتعرضون لتهديد وجودي لم يعد يخفى على أحد إذا ما استمر هذا التقدم الإسرائيلي، الذي أصبح يأخذ صوراً مختلفة ربما أخطرها هو الاتفاقات الإبراهيمية وما تشكله من تهديد وجودي للعرب، إذ العرب مرتبطون بالإسلام وجوداً وعدماً، حتى غير المسلمين منهم، فإن هويتهم عربية، وهذا ما رأيناه وتجسد بالكثير من المثقفين والمفكرين العرب من غير المسلمين، والأمثلة على ذلك لا تُعد، ما يجعلهم بحاجة ماسة للعمل العربي المشترك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.