"أريد لابني أن يكون الأول على صفه"، "على ابني ألا يخطئ أبداً في الإملاء"، "عليه أن يقرأ درس الإنجليزي بلكنة طالب بريطاني"، "لا أسمح لابنتي أن تُخطئ في أي امتحان من امتحانات الرياضيات"، "يجب أن تكون هي الفائزة في مباريات التنس بلا منازع"، "بعد الثانوية العامة سأدخل ابني تخصص هندسة الكهرباء الذي أُعِدُّه له منذ الآن"… إلخ من طموحات الأهل وأحلامهم التي تصطدم بعدم تحقيق الابن ما كان الأهل يصبون إليه.
نلاحظ أن عدداً لا يُستهان به من الأمهات يحرمن أطفالهن اللعب وبعض الترفيه يومياً، وتقف الواحدة منهن أمامهم مثل شرطي المرور، الذي لا يسمح بأي تجاوز أو تهاون، حجتهن في ذلك هي أن عليهم أن يستذكروا دروسهم، ويحفظوها ويتمرنوا عليها جيداً، والوقت أضيق من أن يتسع للعب وأداء تلك المهام مع مناهج كثيفة وصعبة، وحاجة الأبناء للتكرار مرات عديدة لتتمكن عقولهم من المعلومات.
يحاصر الآباء أبناءهم (ذكوراً وإناثاً) ويتوقعون منهم أن يحققوا لهم ما لم يحققوه هم في صغرهم، فإذا كان الأب مزارعاً أو عاملاً أو أمِّياً… إلخ، فلماذا لا يصبح ابنه طبيباً وهو يوفر له كل ما يحتاج، ولا يبخل عليه بأي شيء يطلبه؟!، هل ابن فلان (الجار أو القريب) الذي أصبح طبيباً أفضل من ابنه؟!، هل مِن سبب يقف يحول أن يصبح ابنه عَلماً يُشار إليه بالبنان؟!
آمال كثيرة يعقدها الأهل على أبنائهم، دون أن يأخذوا في حسبانهم رغبات أبنائهم، وكم من والد أحب لابنه أن يكون مهندساً ودفعه إلى الهندسة فكان سبباً في فشله، وكم من أم استماتت في سبيل تزويج ابنتها بأحدهم فكانت سبباً في تعاستها وتدمير حياتها، ونلاحظ كثيراً التضارب الواضح بين رغبات الآباء والأبناء، قديماً كانت قمة رغبات الأبناء تَنصبُّ على أن يصبح الواحد منهم طبيباً أو مهندساً أو شرطياً أو صيدلانياً أو معلماً… أما في أيامنا هذه فغدت قمة آمال الأبناء تكاد تنحصر في أن يصبحوا نجوم كرة قدم، و"يوتيوبرز"، وعارضات أزياء، وممثلات دعائيات… إلخ، حتى إن الحصول على شهادات دراسية عليا خرج من حسابات وقوائم كثير من الأبناء في وقتنا الحالي، أصبح الثراء والنجومية والشهرة الحلم والطموح الذي بات في متناول اليد، بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتوافر الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
ولا ننسى أيضاً في خضم معركة أحلامنا وآمالنا المتعلقة بمستقبل أبنائنا قدرات كل منهم، علينا أن نكون صادقين أمام أنفسنا، فنعترف بأن لكل منا قدرات تمكِّنه من الوصول لما يصبو إليه، وتتباين هذه القدرات بين الناس بوضوح كباراً وصغاراً، فليس بالضرورة أن يكون جميع الأبناء داخل الأسرة الواحدة متشابهين في القدرات، فأن تقول أم: "أبنائي لا يدرسون إلا في الفرع العلمي، ليس أبنائي من يذهبون إلى الفروع الأخرى"، في هذه النظرة القاصرة ظلم كبير للأبناء، فإذا كانت البنت البكر قد درست في الفرع العلمي فهذا لا يعني بالضرورة أن جميع الأبناء في الأسرة لديهم القدرات ذاتها.
لذا، يقع على عاتق الأهل معرفة توجهات كل فرد في الأسرة، وتمييز قدراته، ومساعدته على تنمية قدراته واختيار ما يناسبه.
وليس معنى ما أقول أن نتخلى عن أبنائنا بحجة أن قدراتهم ضعيفة وليس لديهم طموح أو رغبة، بل على العكس من ذلك، علينا أن نوجههم، ونشجعهم، وندعمهم، ونعينهم على تطوير أنفسهم، واكتشاف مواهبهم وقدراتهم، ويجب ألا يغيب عن بالنا أهمية تعليم الطفل أن يكون صاحب طموح وهمة عالية، لديه القدرة على تحدي نفسه منذ صغره، صاحب عزيمة لا تلين وصبر لا يتزعزع، ولكن دون أن نفرض عليه رغباتنا ونجبره على تنفيذ ما نريد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.