يربط الناس عادة البدايات الجديدة بوقائع كبيرة مثل بداية العام، تاريخ معين، أو مناسبة ما، أو حدث مهم في حياتهم، لكن ليس بالضرورة، فالبداية الجديدة تبدأ كل لحظة من عمر الإنسان إذا قرر ذلك.
قد تصحو باكراً تنظر إلى الشمس، تأخذ نفَساً عميقاً وتتأمل ماضيك وحاضرك، يعز عليك الاستمرار دون وجهة جديدة، تتمنى لو أن الماضي كان بدايات لخطوات لو استمررت عليها كانت ستسعدك الآن، فتعيد نظرتك وترتيب علاقاتك، كان من اللازم إغلاق أبواب علاقات، ودرء أشخاص اتخذتهم أصدقاء ولم يكونوا أهلاً لذلك من البداية، ولكنك حاولت مع الأشخاص الخطأ، تقول لنفسك كان عليَّ التوقف، ستحمل الحنين والشوق وتتمنى لو أنك طائر بجناحين تحلق إلى موطن الشوق، وتضمه حتى ترتوي منه وتبقيه معك أطول فترة ممكنة، قد تلوم نفسك وتقول لو كنت أدرك كذا وكذا لما تصرفت بما أسلفت، ثم تأتيك بقوة حقيقة أنها سُنَّة الحياة، لكل بداية نهاية وكل لقاء آخره فراق، نحن نأخذ العبرة، وهناك أماكن أخرى تتمنى لو أنها رُسمت بقلم رصاص فتمحوها أو تستطيع مسحها بالكامل كما لو أنها لم تكن موجودة، فتتعلم تقبل الأمر والتعايش مع نتائجه، فتتقبل وتشعر بالرضا.
تعيد ترتيب حياتك وكأنك وُلدت من جديد، فداخل حياتك حيوات كثيرة تبدأ وتنتهي متى قررت، لا ترتبط بعمر ولا بذاكرة ولا بزمن، إنه فقط قرار متى ستبدأ، كما لو أنك بدأت لعبة شطرنج، أعدت ترتيب الأحجار، ورسمت الخطة، عاقداً النية على الفوز والخروج هذه المرة بأقل الخسائر وأسعد اللحظات، كما يقول مارك فيكتور هانسن: "لا تنتظر حتى تصبح الأمور مثالية لكي تبدأ، ذلك لأنها لن تكون مثالية، لذا ابدأ الآن".
في تلك اللحظة ستتفهم أخطاءك وترتب الأولويات والأهداف والأشخاص في حياتك وتضع خططاً للمستقبل، تغير طريقة تفكيرك وأسلوبك في الحياة، ذلك التغيير وتلك البداية لا ترتبط بتاريخ ولا مناسبة، إنها ولادة جديدة تقول فيها كفى، لا لمزيد من تضييع الوقت وهدره، نية جديدة، تضع خطة جديدة لمدة زمنية معينة، المهم فيها إيمانك بأنك ستتغير للأفضل، احمل شعار في حياتك: "الإيمان هو أن تخطو الخطوة الأولى حتى لو لم تستطع رؤية الدرجات كلها" مارتن لوثر.
عند البداية ستلمس هالة من النور، لا يعني خلو الأمر من الأخطاء والعقبات والصعوبات، إنما قدرة التحمل والمواجهة ستطور، السعي لتطوير المهارات وبذل الجهد الأكبر لتحقيق السعادة، ولا يكون الإنسان سعيداً إلا بالإنجازات حتى لو كانت هذه الإنجازات بسيطة في نظر الغير، فهي عظيمة عندك، مثلاً سأبدأ بداية جديدة لتقوية ثقتي بنفسي، أو سأبذل جهداً للحد من رقة طبعي ورهافة إحساسي، فتلك بداية قد تبدو سخيفة للغير، لكنها عظيمة بالنسبة لك، كذلك بداية جديدة لتطوير لغتي وتعلم لغة جديدة، أو البدء بعمل تطوعي يصقل قدرتي على التعامل مع الناس، وتقوية علاقاتي وتقديم ما عندي من مهارات، والكثير الكثير من البدايات الجديدة التي تعني شيئاً مميزاً لك، عندما تبدأ لا تخبر أحداً اجعلها بينك وبين الله، فالناس يفسدون البدايات ويقللون حماستك، لا تقارن نفسك بغيرك، اتخذ قدوة، ولا ضير إن دخلت في منافسة أولاً مع نفسك، وتالياً مع غيرك ممن يستحق.
البداية أو البدء بشيء يعني أن تنظر لعينيك في المرآة، انظر لعينيك وتأملهمها جرب أن تضحك بفخر لنفسك، وجرب أن تحزن على وقت ضيعته سدى، انظر لعينيك كأنك تبحث فيهما عن الحب والقوة، ادعُ الله – عز وجل – كثيراً أن يمنحك الثبات والقدرة ويهيء لك القدر، ضم ذراعيك واحتضن روحك، خذ نفَساً عميقاً، هدئ نفسك، احنُ على مواطن ضعفك، وخبئها حتى تقويها، لا تنتظر من مخلوق شيئاً، فالسر يكمن فيك، أنت بعد الله السند لنفسك وحياتك ملكك، ماعليك إلا أن تقرر متى تبدأ، فابدأ الآن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.