إن الحديث في التحفيز والتنمية والتطوير هو شكل من أشكال المصادرة على المطلوب في غالب الأمر، فهو عبارة عن تكرار نفس الآليات بصياغة لغوية تكاد لا تختلف، ونفس الغايات المادية بغلافها الروحاني، رغم اختلاف الأماكن والثقافات والظروف والأزمنة، رغم علمنا أن الإنسان ابن بيئته وليس ابناً للعالم.
المُصادِر على المطلوب هو المستفيد الوحيد من تكرار ما يزعزع الخواطر لدى الحالمين، فربما كرّر مقولاته تلك عقب كلّ صباحية ومساء، ومع مرور كل مجموعة وفريق، وربما شعر بالملل وكشّر عن أنيابه إذا ما ولّى وجهه شطر الحائط، وربما استهزأ كذلك من أسئلة وطلبات هؤلاء الناس بعد مغادرتهم، وقد يسبّ بعضهم في غيبتهم، هؤلاء "الملحون على النجاح"، وقد يجعل من حياة أو أجساد أو طريقة كلام البعض نكتة مع زملائه المدربين.
المدرب يعمل على تحفيز الناس وإقناعهم بأن للنجاح طُرقاً محددة يصفها لهم، فمن غير المعقول ألا يصف لهم شيئاً من عنده، فالثمن يكون مدفوعاً على ذلك "الاختلاف"، وإن كان اختلافاً في الصياغة، كما أسلفت الذكر.
ويسعى ذلك المدرب على الاختلاف حتى تعظُم ذاته في نفسه، حتى يتوهم أنه أفضل من جرّب وتحدّث في التجارب، وربّما وهِمَ حقاً أن الناس بحاجته دون غيره، وقد ينتقلون من رؤيته كشيخ طريقة في التطوير والتحفيز، إلى ربّ لا يخطئ، فيقصدونه في كل تفاصيل حياتهم، حتى تلك التي تتجاوز طلباتهم المادية المغلّفة براموسٍ نفسيّ.
ويتوّهم "المُتحفّزون والمتنمّون" أن مدرّبهم يملك الحلول لمشاكلهم، وأن المدرب والدٌ ومُرشد وطبيب نفسي، وبتوهّم المسكين أن مدرّبه يبادله نفس الاهتمام ونفس الخصوصية، وكذلك يعتقد هؤلاء جميعاً. فالمُتحفّز يعرف مدربّه، بينما مدربّه يعرفُ خلقاً من المُريدين. والعلاقة السامة بينهما تكمن في أنّ المدرّب يوهم مُتحفّزه أن له مكانةً خاصة في عقله وقلبه، بينما يستحيل أن تكون كذلك، بل تلك المودّة عادة تجارية على لسانه، لكن الغريق يتمسك بطرف قماش.
وقد يوهم تلميذه أن له شيئاً خاصّاً وطاقة متحجّرة ومُكنزة لم تخرج بعد، ولن تخرج إلى العلن حتى يدفع ثمن الدورة كاملةً، فروحانيّة المدرّب والتلميذ مرتبطة بالأجرة، فما لم يدفع ويُكمل الدورة فهو لن يفهم السر، وما لم يدفع لن تُفكّ عقدته. ويقول له إن عليه مواصلة العمل بجدّ، أي، مواصلة السماع للجمل والطرق التي تجعلك "فريداً" حتى لو لم تكن تملك الجينات المناسبة لما تريد فعله.
فهو لن يخبركَ بأن قِصر القامة بعد سنّ العشرين لا يسعفك بأن تكون لاعب كرة سلّة مُحترفاً، بل يُبقي فيك تلك الإرادة؛ لأن تفكير الحالم بواقعية خطر على كل مدرّب تنمية وتطوير وتحفيز.
فإذا ولجت مقراتهم، فاعلم أن الإضاءة والكراسي والميكروفون والشاشات وما يترتّب عليه من فاتورة كهرباء، هي ما تجعل ثمن دوراتهم غالية، وليس كلامهم الإنشائي، لكنهم يضربون عصفورين بحجر واحد، فالمبلغ كفيل بأن يوهم الحالم بأن الدورة غنية بالمعلومات، وكذا يكفي وزيادة ليغتنيَ المدرّب.
ولو عدنا إلى الأستاذية القديمة، فقد كان العلماء والفقهاء لا يحيدون عن منهج التعليم الحقيقي، فلا تعنيهم الأماكن، ولا المال، يل يعنيهم تكوين الطالب، وأما الربح، فهو آخر شيء، لذلك كانت تنزل البركة على الجميع. وقد كان الطالب قديماً يرى في أستاذه قدوة في العلم، بينما يرى حالم اليوم مدربه قدوة في الثراء والشهرة.
ومريدو التنمية والتطوير هم من المستاؤون الذين يريدون الانتقام من حياة الفقر والاستهزاء التي عانوا منها سابقاً، وتعويض قلة حكمتهم ونباهتهم بشراء نباهة وحكمة مطبوخة، علّهم ينجحون في التقليد كآخر الحلول. وما غرضهم سوى الانتقام من الحبيب الذي رفضهم لفقرهم، ومن زجر الناس لهم لنسبهم المتواضع، أو لعيبٍ خُلُقيّ ما. فقضيّة الباحث عن المناصب وعن سُبلها قضية نفسيّة نابعة عن استياء من نظرة الآخر، فهيهات أن تجد من يريد تقديم شيء لدينه وبلده ولأمته، وأن يضع ذاته جانباً.
وقد يستعملون الخطاب الوعظي الديني، فهو وسيلة لحمايتهم أخلاقياً ومعنوياً، ولكي يكون حديثهم مقبولاً غير مخيف، فانظر قول "الحمد لله" من طرف نجمٍ ما في مواقع التواصل، لتعرف أن الناس تخرّ ساجدة لمن يبيعها شيئاً من العاطفة الدينية. فالحالمون يطالبون مدربهم ببراءته الدينية، والناس تريد براءة بعضها "ظاهرياً" في ذلك أيضاً.
في الأخير، وكي لا أطيل، الكلام صار كالصورة، تستطيع أن توهم به من تشاء بما تشاء، كمن يعدّل صورته ليضعها في مكانٍ ما من الأرض. والباحث عن المناصب والمكانة والرفعة لن يبلغها إلا بتعلّم الوسائل المؤدية إلى (علوم الآلة) ثم بالإحاطة بكثير من العلوم، وذلك ما يضع ويُظهر الفوارق بين الناس لا غير، أما المناصب والمادّة فقد تكون بالوراثة دون جهد ولا عمل، وإن ضاعت بسبب جهل صاحبها بعلم الاقتصاد والاستثمار وغيرهما.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.