تخرج منه ابن خلدون وابن رشد، ويعتبر أقدم جامعة بالعالم.. ما سر الجدل حول جامع القرويين المغربي؟

عدد القراءات
505
عربي بوست
تم النشر: 2022/07/12 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/12 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
جامعة القرويين المغربية

تخرج منها ابن خلدون وابن رشد، وتعتبر أقدم جامعة بالعالم.. ما سر الجدل المستمر حول جامعة القرويين المغربية؟

داوود ابن إدريس أم فاطمة الفهرية.. ما سر الجدل حول مؤسس أقدم جامعة بالعالم الموجودة بالمغرب؟

كثيراً ما تغيب عنا الكثير من الحقائق التي تكشفها الأيام صدفة أو بعد بحث جهيد، قصتنا اليوم عن أقدم جامعة في العالم، جامعة القرويين في فاس، أحد معالم المغرب العريق وإحدى أهم منارات العلم في العالم، والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا.

كثيراً ما تطالعنا مقالات من هنا وهناك حول حقيقة جامعة القرويين وصاحب الفضل في بنائها، لكن هنا اليوم في مقالنا هذا ليس الغرض تشويه شخصية ما؛ بل الهدف هو إيضاح الحقيقة وكشف الحقائق ونسب الفضل لصاحبه.

جامعة القرويين 

يشار إلى أن الجامعة بنيت سنة 859 ميلادية في مدينة فاس في المغرب، على يد فاطمة الفهرية، وتعتبر هذه الجامعة هي أول صرح تعليمي عال في العالم، وأول جامعة تصدر شهادة الدكتوراه في الطب وأول جامعة اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة.

وتعاقب على الدراسة والتدريس فيها نخبة من أهم علماء العالم الإسلامي، من أمثال ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وابن البيطار، وابن زهر، وابن رشد، وابن البناء المراكشي عالم الرياضيات، والإدريسي عالم الخرائط والجغرافيا، وموسى بن ميمون طبيب وفيلسوف، ونيكولاس كلينايرتس والعديد من العلماء ورجال الدين والفكر والثقافة والسياسة، أمثال عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي.

جامعة القرويين المغربية
جامعة القرويين المغربية

من جامع إلى جامعة

أول ما تأسست جامعة القرويين فقد كانت في أول تأسيسها عبارة عن مسجد تقام فيه الصلوات الخمس، ويستثنى منها صلاة الجمعة لصغر مساحة المسجد، فكانت تقام صلاة الجمعة في مسجد الأشراف، وهو أحد أقدم مساجد مدينة فاس. 

ويشير العديد من المؤرخين إلى أن الجامع في أول بنائه كان مخصصاً للصلاة ودروس وحلقات الذكر وتعليم القرآن الكريم قبل أن يتم تحويله إلى جامعة في عهد المرابطين؛ لكن حتى هذا المعطى ظل محل جدل بين المؤرخين.

مؤسس جامعة القرويين

جامعة القرويين عرفت العديد من أشغال التوسعة والترميم وإضافة اقسام إلى البناء الأصلي؛ لذلك حصل خلاف كبير بين المؤرخين حول من بنى جامعة القرويين حتى وإن تقاسم كل هؤلاء الفضل في وجوده وبقائه إلى يومنا هذا.

أول ما ذكر أبو زرع الفاسي، في كتابه عن مدينة فاس، أن بناء جامع القرويين تم على يد السيدة فاطمة الفهرية رحمة الله عليها، لكن ما يجعل هذا التصريح محل جدل، هو أن أبا زرع لم يعاصر فترة بناء المسجد؛ إذ جاء أبو زرع بعد 4 قرون من بناء المسجد، وأن كتب التاريخ السابقة لم تذكر أي شيء عن بناء فاطمة الفهرية لجامع القرويين؛ بل تجاهل ذلك اعظم المؤرخين أمثال ابن العذارى واليعقوبي والبكري، ويمكن أن المقصود هو بناء فاطمة الفهرية لجامع أطلق عليه فيما بعد الأشراف نسبة إلى نسبها الشريف.

لكن وبالصدفة بعد مجموعة من أعمال الترميم التي شهدها صحن جامعة القرويين، عثر على دليل أركيولوجي ينسف رواية أبي زرع الفاسي، حيث عثر على لوح بطول أربعة أمتار من خشب الأرز كتب عليها بالخط الكوفي: 

"إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، شهد الله أن لا إله إلا هو، سبحان الله العظيم، بني هذا المسجد في ذي القعدة سنة ثلاث وستين ومئتي سنة، مما أمر به الإمام أعزه الله داوود بن إدريس أبقاه الله وأكرمه ونصره نصراً عزيزاً، وفتح له فتحاً مبيناً". 

هذا الدليل نسف كل ما كتبه أبو زرع وما نقله عنه أغلب المؤرخين، خاصة أن القياس التاريخي للوح المحفوظ حالياً في مركز الآثار الرئيسي في الرباط، يضعنا مع مجموعة من المعطيات الجديدة التي تستلزم البحث التاريخي والأركيولوجي في تاريخ الجامع.

داوود بن إدريس 

من يكون داوود بن إدريس الذي ذكر في اللوح، حسب أبحاث الأنساب وكتب المؤرخين فداوود هذا هو ابن إدريس الثاني مؤسس الدولة الإدريسية في المغرب، وقد كان والياً على مدينة تازة في عهد حكم أخيه محمد بن إدريس الثاني الذي تولى حكم الدولة الإدريسية بعد وفاة إدريس الثاني، ثم كان أميراً في وقت من الأوقات على عدوة القرويين في فاس، وتكاد تخلو كتب التاريخ من ذكر الأمير داوود بن إدريس الثاني سوى العثور على درهم نقش عليه اسم الإمام داوود بن إدريس، ولا يزال محتفظاً به في المكتبة الوطنية في باريس، وكتب المؤرخ اليعقوبي الذي ذكر أنه كان والياً لتازة في وقت من الأوقات وأميراً على عدوة فاس.

والاسم الكامل للإمام داوود هو: الإمام داوود بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب،  وفاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

مهما اختلفت الآراء والأدلة حول بناء جامع القرويين، فما قدمته جامعة القرويين للمسلمين والعالم والبشرية جمعاء، يبقى من أثر وفضل كل من ساهم في بنائه (فاطمة الفهرية وداوود بن إدريس) أو من لحقهم وتبعهم في توسيع الجامع وإضافة مرافق أخرى له في عهد المرابطين أو الموحدين أو المرينيين. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فيصل عنفار
أستاذ باحث في التاريخ و شؤون الحركات الإسلامية
أستاذ باحث في التاريخ و شؤون الحركات الإسلامية، له عدة إصدارات و بحوث أكاديمية على غرار دراسة استشرافية للوطن العربي، ثم كتاب الحركات
تحميل المزيد