استفتاء المواطن المصري حول قضايا الحوار الوطني

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/08 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/08 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش

مع بدء جلسات الحوار الوطني، بعقد مجلس أمناء الحوار لأولى جلساته، يوم 5 يوليو/تموز 2022، بالأكاديمية الوطنية للتدريب، سردت الأمانة الفنية التابعة لمجلس الأمناء ما هو إحصاء لردود أفعال المواطنين المصريين كأفراد ومؤسسات تجاه الحوار، وذلك في ضوء ما تلقته الأمانة الفنية من ردود أفعال من هؤلاء، والتي قدرت أعدادها بـ96532 رسالة، بعض من تلك الرسائل كان عبارة عن رغبة في المشاركة في الحوار الوطني بشكل مباشر، من أفراد ومؤسسات في كافة محافظات الجمهورية، وكان ضمن هؤلاء من قدموا مقترحات محددة وبلغ عددهم 298 مقترحاً، قدم المواطنون منها 110 مقترحات، ثم الأحزاب السياسية 60 مقترحاً، فالشخصيات العامة 65 مقترحاً، فـ38 مقترحاً قدمتها منظمات المجتمع المدني، و17 مقترحاً قدمها برلمانيون، و11 من النقابات، و5 من الوزارات والهيئات العامة.

الأمانة الفنية للحوار صنفت المدخلات التي تعبر عن مقترحات الحوار في 3 محاور رئيسة، المحور السياسي تقدم بشأنه 37,2% من المقترحات، والمحور الاجتماعي وتقدم بشأنه 33.1% من المقترحات، وأخيراً المحور الاقتصادي 29.7% من المقترحات.

وبالخوض في اهتمامات المواطنين في كل محور؛ اشتملت مقترحات المحور السياسي على الترتيب ما يلي: المسائل المتصلة بالأحزاب السياسية، فحقوق الإنسان والحريات العامة، فالمحليات، فالإصلاح التشريعي، فالأمن القومي والسياسة الخارجية. 

أما المحور الاجتماعي، فقد كان ترتيب القضايا التي استقبلتها الأمانة الفنية من الجهات المختلفة كالتالي: قضايا التعليم، فالصحة، فالحماية الاجتماعية، فالزيادة السكانية، فالمجتمع المدني، فالأسرة. 

وأخيراً بشأن المحور الاقتصادي، فكان الاهتمام الأكبر بالصناعة والاستثمار، فالأمن الغذائي، فتخفيف آثار برامج الإصلاح الاقتصادي، فخفض الدين العام وعجز الموازنة.

تلك الإحصاءات دلت على الكثير من الأمور المهمة:  

فأولاً: كانت التوقعات (كما جرت العادة في تلك المناسبات) قد اتجهت إلى أن الاقتراحات ستتصل بأوضاع المواطنين الحياتية واليومية، خاصة في كل ما يهم معيشتهم، والمصاعب التي يتعرضون إليها خلال يومهم. كارتفاع الأسعار، والبطالة، وانخفاض الدخول والأجور، والأعباء المتصلة بتعليم الأبناء وأوضاع الصحة والعلاج… إلخ. 

وهذا التوقع ذاته هو ما كان يظن أنه هو القائم مما استقبلته الأمانة الفنية، لا سيما أن أغلب المقترحات قد وردت من المواطنين كما أسلفت الإحصاءات (110 مقترحاً). 

بعبارة أخرى، فإن الأرقام والنسب السابقة جاءت عكس التوقعات التي لم تترجمها إحصاءات أو أرقام دقيقة من قبل، بل كانت نتيجة آراء وانطباعات وتكهنات في الأغلب الأعم، وهي آراء عكست الرؤي التي كانت تذكر دوماً أن المصريين لا يهتمون بالسياسة، إما بسبب الخوف من العواقب أو لأسباب أخرى.  

ثانياً: تبين الإحصاءات السابقة والمغايرة لما كان متعارفاً عليه، درجة كبيرة من وعي المواطن المصري، الذي منح لشأنه السياسي الدرجة الأكبر، وعبر عن ذلك في ثلة المقترحات المقدمة، مقارنة بالمحورين الاجتماعي والاقتصادي. 

ثالثاً: تعكس الأرقام والنسب السابقة عدم صدق عديد من الخبراء والمحللين الرسميين، وبعض القوى الصامتة أو ما يسمى إعلامياً بحزب (الكنبة)، بأن الاهتمام بالشأن السياسي هو أمر نخبوي، بمعنى أن من يهتمون به هم فئة المثقفين، خاصة أولئك المنتمين للتيارات المنغمسة في الشأن السياسي مثل قادة الرأي في المجتمع وقوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية والجماعات الحقوقية والدفاعية وبعض النخب المنتمية للجامعات كأعضاء هيئة التدريس بالجامعات بشكل رئيس. 

رابعاً: عبرت الأرقام السابقة عن دراية وإدراك مهم من قبل المرسلين لمقترحاتهم بأن المسائل السياسية ربما تكون هي الأعقد، وأن حلها قد يعطي قدراً من الاتساع لحلحلة القضايا الاجتماعية والاقتصادية على السواء. 

خذ مثلاً، افتراض الناس، وهذا صحيح إلى حد كبير، وجود علاقة إيجابية بين سيادة مناخ ديمقراطي في النظام السياسي، وطبيعة الإدارة من حيث لا مركزيتها في قيادة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وما يرتبط ذلك من وجود محليات مشكلة بالانتخاب، وقادرة على الرقابة على المسؤولين في مستوى المحافظات أو الأقضية أو الألوية وما أقل منها، بما يضمن لتلك المؤسسات التحتية تحقيق التنمية البشرية، والقضاء على البيروقراطية المقيتة والمعطلة والمجهضة لكل كفاءة أو تطور. 

خذ كذلك، افتراض المواطن سليم الرؤية والفكر أن الديمقراطية تتناسب تناسباً طردياً مع سيادة مناخ من حرية مؤسسات التنشئة السياسية التي تؤثر فيه وفي أبنائه، وبالأخص مؤسسة التعليم الرسمي، من حيث وجود كل من: مناهج تتسم بالرقي، وتنشئة جيل جديد بشكل سوي من خلال وجود هوية وطنية مدنية حقيقية.

خذ أيضاً، رؤية المواطن المثقف لأثر النظام السياسي وطبيعة النظام الاقتصادي، ومدى القدرة على وضع البدائل ودراسات الجدوى، بما يشتمل على قدرة الدولة على ضمان الملكية الفكرية، والملكية الخاصة، ومواجهة البطالة، دون أن يعني ذلك على الإطلاق تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي في تحقيق المساواة، ورفع الأعباء عن الفقراء، وتحقيق الضمان الاجتماعي، والرعاية والتأمين الصحي، والتعليم المناسب.

إذا سلمت النوايا، على مناخ واضح وشفاف، وقادر على تحقيق قدر معتبر من التطور والتنمية، يستطيع بالفعل أن ينتقل بمصر إلى مناخ أرحب، في مواجهة الضغوط والأزمات الدولية الراهنة.

خذ أيضاً، إدراك المواطن لأهمية الحريات العامة، فمن خلال طبيعة أو مناخ الحريات القائم في المجتمع (أي مجتمع) يستطيع المستثمر الأجنبي القدوم للاستثمار في الدولة. بعبارة أخرى، فإن المستثمر الأجنبي، وهو يدرس فرص الاستثمار في دولة ما، فإنه رغم بحثه في مدى مقدرة الدولة المستقبلة لاستثماراته على توفير الطرق ووسائل النقل والمواصلات، فإن ما يهمه أيضاً هو مناخ الحريات العامة، كأن ينظر إلى الدولة هل تحكم بالقوانين الطبيعية أم بالمراسيم العرفية أو قوانين الطوارئ؟ وهل يتمتع فيها القضاء بالاستقلال الكفيل بإنقاذه حال خلافه مع بيروقراطية الدولة المستقبلة لاستثماراته؟ أم سيلجأ إلى التحكيم الدولي لحل منازعات هو في غنى عنها؟ وهل الدولة المعنية بها أحزاب سياسية تمارس نشاطها بحرية كاملة وبرلمان قوي أم أن لديها برلماناً تمريرياً وأحزاباً هشة؟ وهكذا فإن المستثمر يهمه المناخ السياسي بقدر اهتمامه بالمناخ الاقتصادي نفسه. 

هكذا كانت ردود أفعال المصريين (أفراداً ومؤسسات) وهي تشكل تغيراً واضحاً عما مردت عليه التحليلات السياسية. كل ما سبق يشير إلى أننا بالفعل مقبلون في مصر، إذا سلمت النوايا، على مناخ واضح وشفاف، وقادر على تحقيق قدر معتبر من التطور والتنمية، يستطيع بالفعل أن ينتقل بمصر إلى مناخ أرحب، في مواجهة الضغوط والأزمات الدولية الراهنة.      

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمرو هاشم ربيع
نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
تحميل المزيد