تابعت حادثة القتل البشعة التي أودت بحياة الطالبة الجامعية نيرة من مصر الشقيقة، والحادثة الأخرى التي أودت بحياة الطالبة الجامعية الأردنية إيمان رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.
وأياً كانت الدوافع وراء ارتكاب كلتا الجريمتين، فإن الجناة سوف ينالون العقاب الرادع لهما ولغيرهما ممن تسوِّل له نفسه المساس بالنفس البشرية التي حرَّم الله سبحانه وتعالى المساس بها، والعبث بأمن المجتمع واستقراره.
ولعل الألم النفسي الناشئ عن كلتا الجريمتين، الذي ساد عموم العالم العربي، أساسه الإحساس بالألم والقهر والظلم وعدم القدرة على تغيير الواقع البشع الذي نعيشه، ناهيك عن التعاطف بسبب مشاهد الألم والدموع التي اعتصرت كلتا العائلتين نتيجة فقدانهما أغلى ما يملك الإنسان، وأقصد هنا الأبناء والبنات.
ولعلي تابعت الموضوع من وجهة نظر إنسانية، شأني شأن الآخرين، غير أنني وبسبب عملي السابق كمدَّعٍ عام، فإنني قمت بمتابعة الموضوع من زاوية مهنية أيضاً، ما ساهم في فهم الموضوع من كافة جوانبه الإنسانية، والاجتماعية، والقانونية.
وسوف أقوم بالتركيز هنا على جريمة قتل الطالبة نيرة، كون المتهم أصبح في قبضة العدالة منذ ارتكاب الجريمة، وتم تحديد موعد لمحاكمته، عكس المتهم بقتل الطالبة إيمان، الذي لا يزال حراً طليقاً رغم جهود الأمن الأردني الحثيثة في ملاحقته، تمهيداً للقبض عليه وإحالته للمحاكمة، وهو ما أتوقع حدوثه خلال الأيام القادمة بإذن الله.
وقبل الحديث عن الجوانب القانونية ذات العلاقة، فإنني أود الحديث عن انتشار ظاهرة القتل داخل المجتمعات العربية لأسباب أقل ما يقال عنها أنها سخيفة، وغبية، وغير منطقية، مؤداها إزهاق روح إنسان، والتي انتشرت أيضاً في بعض الدول الغربية التي هاجر إليها بعض العرب للأسف، على الرغم من أن ديننا الحنيف يحث على عدم قتل النفس البشرية دون وجه حق.
ولعل جريمة قتل الطالبة نيرة كشفت عن الوجه القبيح وغير المرئي للعلاقات الإنسانية داخل بعض مجتمعاتنا العربية، والسطحية التي تغلب على تلك المجتمعات، خاصة بين الشبان والشابات منهم، حيث إن مجرد علاقة (عابرة) تؤدي إلى تفكير شاب في مقتبل العمر في قتل فتاة في مقتبل العمر أيضاً دون حساب لعواقب الأمور، أو لتأثير تلك الجريمة على المجتمع المصري بالخصوص والمجتمع العربي بالعموم.
ولو فكر ذلك الشاب ملياً لأيقن أن الأمر لا يستحق كل ذلك، وأن الأولى كان إرضاء والدته التي كانت تحتاجه نتيجة وفاة والده وعدم وجود إخوة له لمساندتها هي وشقيقاته. ولو كان لديه ذرة إيمان بالله تعالى لأيقن بفطرته أن الذين آمنوا أشد حباً لله ما كان حتماً سوف يمنعه من التفكير في ارتكاب تلك الجريمة البشعة بما تحملها من نتائج كارثية.
غير أنه من الواضح أن التربية السلبية وغير السوية لذلك الشاب هي التي دفعته بجانب الأسباب الأخرى سالفة الذكر إلى ارتكاب تلك الجريمة الشنيعة في وضح النهار، خاصة أنه كان مدللاً كونه وحيد والدته، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن ضرورة إعادة النظر في منظومة تربية الأولاد في عالمنا العربي، وعدم تعويدهم على إجابة طلباتهم في كل الحالات كأنها أوامر واجبة النفاذ.
وبالمقابل، يتعين على الفتيات، خاصة الطالبات الجامعيات، عدم الانفتاح الاجتماعي المبالغ فيه في علاقاتهن مع الطلاب، كون الطلاب بالخصوص، والذكور بالعموم في عالمنا العربي، يغلب على تفكيرهم السطحية فيما يتعلق بعلاقاتهم مع الفتيات، ومشاعرهم وعواطفهم التي قد يصعب السيطرة عليها أحياناً لأسباب نعلمها وأخرى لا نعلمها. ويتعين على الفتيات كذلك فهم التركيبة السيكولوجية للشبان، والرجال عموماً، حتى يحمين أنفسهن من أية ردة فعل غير محسوبة العواقب.
وبشأن الجانب القانوني، أود القول إن جريمة قتل الطالبة نيرة تعد جريمة مكتملة الأركان، ما معناه أن الجاني يستحق العقاب الرادع، خاصة أن تلك الجريمة اقترنت بسبق الإصرار والترصد حسب الاعترافات التي أدلى بها الجاني أمام النيابة العامة. وأركان الجريمة هي الركن الشرعي (القانوني) والركن المادي، والركن المعنوي. ويتمثل الركن القانوني في انطباق النص القانوني على الجريمة المرتكبة، ويتمثل الركن المادي في الفعل الجرمي المفضي إلى النتيجة، وهي الموت، ويتمثل الركن المعنوي في القصد الجنائي.
ويتضح لنا من خلال إسقاط تلك الأركان على الواقعة محل البحث أننا نقف أمام جريمة مكتملة الأركان، ما معناه أن الجاني سوف ينال العقوبة الأشد ما قد يطفئ نار الغضب التي سادت عموم العالم العربي، ومصر تحديداً، وهو ما قد نشهده خلال الأيام القليلة القادمة.
خلاصة القول، إن مقتل فتيات بريئات على يد أشخاص نصّبوا من أنفسهم قضاة وهم ليسوا بقضاة، فأطلقوا أحكامهم الجائرة وسكاكينهم الماضية ورصاصاتهم الغادرة ضد فتيات كان يفترض بمن قتلهن أن يوفر لهن الحماية كون ديننا الحنيف أوصى بالنساء خيراً. ولعل تلك الحوادث البشعة وغير الإنسانية تشير إلى الحالة التي تعيشها بعض المجتمعات العربية والظلم الذي يلحق بالنساء وهن اللاتي أنجبن الرجال. فكم من فتاة مظلومة ضُربت وتمت إهانتها وأُسكتت، وكم من فتاة جُرحت وعُنِّفت وصمتت، وكم من فتاة حُرمت حتى من أدنى حقوقها الشرعية وتغاضت. وأختم حديثي بالإشارة إلى الحديث النبوي الشريف: "لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.