"بكرة رح آجي أحكي معك وإذا ما قبلتي رح اقتلك مثل ما المصري قتل البنت" لم تكن الطالبة الأردنية إيمان مؤيد رشيد تتوقع أبداً أن هذا التهديد حقيقي، ولهذا ذهبت في اليوم التالي إلى كلية التمريض بجامعة العلوم التطبيقية حتى تتلقى دروسها، ولكنها عوضاً عن ذلك تلقت 6 طلقات في أنحاء متفرقة من جسدها، واحدة منها أصابت رأسها إصابة مباشرة، لتواجه إيمان نفس المصير المؤلم الذي واجهته قبلها الطالبة المصرية نيرة أشرف، والتي ذُبحت على يد شاب أمام جامعة المنصورة بمحافظة الدقهلية.
وقد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والبلدان العربية موجة غضب عارمة، وبدأ الجميع يتساءل عن أسباب انتشار ثقافة العنف ضد المرأة في البلدان العربية، وبدأت أصابع الاتهام تتوجه بشكل محدد نحو ثلاثة متهمين، وهم: الفن والسوشيال ميديا والخطاب الديني المحرِّض ضد المرأة، فهل هؤلاء هم المتهمون حقاً؟
"عشان تبقي تقولي لأ": الفن متهم أول في انتشار العنف ضد المرأة
تتوجه أصابع الاتهام دوماً إلى الفن في كل مرة تحدث فيها جريمة بشعة في المجتمع؛ إذ يرى البعض أن الأعمال الفنية الحالية تحتوي على الكثير جداً من مشاهد الترويج للعنف، وعادة ما يستشهد الجميع بأعمال الممثل المصري محمد رمضان، حيث قدَّم وحده سلسلة طويلة من الأفلام السينمائية التي تروي لنا قصة البطل الشعبي الذي تمزج شخصيته بين البلطجة والرغبة في تحقيق العدالة المجتمعية.
وفيما يخص العنف ضد المرأة بصفة خاصة، نتذكر في هذا المجال العديد من الأعمال السينمائية التي رأينا فيها البطل يطارد البطلة، بل قد يمارس ضدها العنف إذا رفضته مثل فيلم "أولاد رزق 2″، حين ضرب الممثل أحمد عز زوجته التي أدت دورها نسرين أمين، حين طلبت منه الطلاق ورد عليها قائلاً "طلاق مين يا بنت الموبوءة هو أنتي فاكرة نفسك متجوزة مدرب باليه".
وفي السياق نفسه لا يمكن أن ننسى أبداً أغنية "سالمونيلا" أو الأغنية التي عُرفت باسم "عشان تبقي تقولي لأ"، وتحكي كلمات الأغنية عن شاب قرر الانتقام من فتاة؛ لأنها رفضته وقالت له "لأ"، ورغم أن الأغنية كانت كوميدية بالأساس، فإنها تحملت دوماً السباب والشتايم وأصابع الاتهام بأنها السبب في كل حادثة عنف تخص المرأة، فهل بالفعل لعب الفن دوراً في انتشار العنف ضد المرأة؟ الإجابة قد لا تكون بهذه البساطة والسطحية، ولكن في المجمل الفنون لا تحرِّض على العنف حتى لو كانت عنيفة؛ لنفرض أن أحدهم يحب مشاهدة أفلام القتلة المتسلسلين، هل سيصبح قاتلاً متسلسلاً؟ لن يصبح كذلك.
في النهاية الجرائم قديمة قدم التاريخ، وحدثت قبل الأعمال السينمائية، وستظل تحدث في كل مكان؛ قد يقتبس الفيلم من الواقع، وهذا ما حدث مع أعمال محمد رمضان وغيره، ولكنه لم ينتج ذلك الواقع، فالفن لا يعلِّم الناس الجريمة، ولكن الجريمة لها أسباب أخرى.
نيرة أشرف ثم إيمان رشيد: وسائل التواصل الاجتماعي متهم ثانٍ مسؤول عن انتشار العنف
بعد أن ذُبحت نيرة أشرف أمام باب جامعتها في المنصورة؛ لأنها رفضت حب شاب لها، تكررت الحادثة في الأردن حين قُتلت إيمان للسبب نفسه، وهنا ربط الناس بين الحادثتين وأجمعوا أن وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب، فانتشار أخبار القتل على كل المنصات قد يتسبب في تكرارها، وفي هذا السياق تقول أستاذة الطب النفسي المصرية، الدكتورة أميرة الأدهم، أن العلاقة بين انتشار حوادث القتل على منصات التواصل الاجتماعي وتكرارها في الواقع الفعلي ما زال قيد الدراسة والبحث.
وأضافت الدكتورة أن المتخصصين في علم النفس انقسموا فريقين: الأول يرى أن انتشار أخبار القتل على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي بالفعل إلى تكرارها، ويزيد من احتمالية ارتكابها، في حين يرى الفريق الآخر أن انتشار أخبار الجرائم والعنف لن تؤدي إلى تكرار تلك الجرائم كل ما سيحدث هو حالة من الإحباط السلوكي والذعر والخوف المجتمعي.
اخرجي من بيتك زي القفة: الخطاب الديني بصفته المتهم الثالث عن العنف
بعد حادثة قتل نيرة أشرف، فتاة المنصورة، خرج علينا الدكتور مبروك عطية في فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ترحم على الفتاة المغدورة في الجزء الأول من حديثه، ثم وجَّه حديثه بعد ذلك إلى باقي الفتيات "لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك زي القفة"، فيما معناه ضرورة أن تلتزم الفتيات بالزي الشرعي، ولا ترتدي الملابس الضيقة حتى لا تتعرض للتحرش والقتل.
والحقيقة أن كلام الدكتور مبروك عطية ليس جديداً علينا، ففي نفس السياق يطل علينا عبد الله رشدي من وقت لآخر ليؤكد لنا أن ملابس الفتاة لها دور كبير في تعرُّضها للتحرش وطوال سنوات ظل خطاب عبد الله رشدي مفعماً بالكراهية ومحرضاً للعنف ضد المرأة، ففي تغريدة له قبل سنوات كتب قائلاً "ممكن يشوهك عادي ويحرمك من جمالك، ممكن يكتفك ويذلك، ممكن يستعبدك، هو الأقوى وطبيعي يفرتكك".
والسؤال هنا، هل الخطاب الديني الحالي محرِّض ضد المرأة؟ في بعض الأحيان نعم الخطاب الديني محرض بشكل كبير ويحمِّل المرأة مسؤولية كل ما تتعرض له في الشارع، ولكن الخطاب الديني لا يقف وحيداً في قفص الاتهام، هناك متهم آخر أكبر.
هشام طلعت مصطفى ومحمد عادل: ما أشبه الليلة بالبارحة
في 28 يوليو/تموز 2008 وُجدت الفنانة اللبنانية سوزان تميم مقتولة في شقتها بدبي، وفي وقت لاحق أثبتت التحقيقات أن الذي قتلها هو ضابط أمن الدولة السابق، محسن السكري، بتحريض من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، جدير بالذكر أن هشام طلعت مصطفى كان قد طلب الزواج من سوزان تميم، ولكنها رفضته وبعد فترة هربت من مصر إلى دبي، وهناك ارتبطت بالملاكم العراقي رياض العزاوي، ولكن رجل الأعمال المصري لم يترك سوزان وظل يلح عليها ويُقال إنه عرض عليها 50 مليون دولار في مقابل عودتها إليه، ولكنها رفضت، ليرسل إليها من يقتلها ذبحاً في دبي.
بعد ذلك صدر حكم بالإعدام ضد كل من هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، ولكن الحكم خُفف إلى 15 عاماً لمصطفى و25 عاماً للسكري، وخلال عام 2017 أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بالعفو الرئاسي عن هشام طلعت مصطفى، وفي مايو 2020 صدر قرار آخر بالعفو عن محسن السكري الذي خرج من السجن وعاد إليه مرة أخرى خلال عام 2021 بعد أن اتهم بارتكاب جريمة غسيل أموال بقيمة مليون و990 ألف دولار.
حين قتل هشام طلعت مصطفى سوزان تميم لم تكن قد انتشرت بعد الأفلام السينمائية التي تحرض على العنف؛ ولم يكن محمد رمضان وقتها قد تغلغل في عمق الشارع المصري، ومع ذلك فقد حدثت الجريمة، ولم يأخذ الجناة عقابهم الذي يستحقونه، فقد خرج الاثنان بقرار من الدولة، وحالياً يملك هشام طلعت مصطفى شركة كبرى للتطوير العقاري، ليس هذا فحسب، ولكن مؤخراً هناك مشروع عمراني كبير قائم بالأساس على التعاون بين هشام طلعت مصطفى ووزارة الإسكان؛ حيث اتفق الطرفان على تدشين مدينة نور، القريبة من العاصمة الإدارية الجديدة.
لماذا تعد الدولة هي المتهم الرئيسي في انتشار حوادث العنف؟
"ذاب الإنسان المقهور في عالم المتسلط بالتقرب من أسلوبه الحياتي وتبني قيمه ومثله العليا، وهو يرى من خلال هذا التقرب وهذا التبني حلاً لمأزقه الوجودي، وارتقاء لكيانه إلى مرتبة ترضيه، وتبث في نفسه الكبرياء". مصطفى حجازي من كتاب "التخلف الاجتماعي"
العنف ظاهرة شديدة التعقيد والتركيب، ولا يمكن تفسيرها بعامل واحد أو متغير واحد، فهناك العديد من العوامل التي تتداخل معاً وتتشابك وتؤثر بعضها في بعض، ومع ذلك لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتغافل عن دور الدولة، إذا طبقت الدولة القانون لن تتكرر هذه الجرائم، وبالنسبة للخطاب الديني يمكن للدولة كذلك أن تتدخل وتمنع ظهور المحرضين على الفضائيات، ولكنها لا تفعل ذلك؛ لأن وجود هؤلاء ضروري لوجودها، المطلوب هو أن يتعارك الجميع مع بعضهم البعض، تصارع الحلقات الأضعف دوماً في المجتمعات السلطوية ويطالها النصيب الأكبر من العنف، ولهذا فمشكلة انتشار العنف حلها مع الدولة فقط، وفي هذا السياق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننسى أن نيرة أشرف تقدمت بالكثير من البلاغات إلى قسم الشرطة، وحررت محاضر بعدم التعرض، ولكن جميعنا يعلم أن هذه المحاضر لا أهمية لها، ومع ذلك لو كانت أًُخذت على محمل الجد قليلاً، ربما كانت نيرة لا تزال حية ترزق الآن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.