تسودت اللغة العربية في مصر مع الوقت، وبعد أن زاحمت القبطية فزحمتها، وما كان للقبطية أن تصمد أمام لغة أصبحت هي اللغة الأولى في العالم، كما أوضحنا في الجزء الثاني من هذه الثلاثية، وأصبحت هي اللغة الرسمية والشعبية في كل العصور التالية، من أيوبية، ومملوكية، وإن اعتراها الكثير من الضعف، أثناء الاحتلال العثماني لمصر، الذي استخدم التركية في أمور السياسة، والدواوين الحكومية، وأهمل التعليم بشكل عام، حيث أهملوا بناء المدارس، وتركوا القائمة منها لعناية أهل البر، والذين قلت مساهمتهم مع الوقت، بسبب العُسرة الاقتصادية التي عانى منها الشعب عموماً، وكذلك جرى إلغاء ديوان الإنشاء، الذي كان بمثابة مجمع للغة العربية في العصور السابقة، وتدهورت أحوال الثقافة بشكل عام، وقل مستهلكو الأدب الرفيع، إلى أقل حد، فتدهورت أحوال اللغة العربية، في ذلك العهد، وربما لولا مكانتها الدينية لتلاشت هي الأخرى.
ومع ذلك لم تختفِ اللغة القبطية بشكل تام، حيث يقول المقريزي المؤرخ المصري المعروف في القرن الخامس عشر "والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي.. ونصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا القبطية الصعيدية".
اللغة القبطية تساعد في فك رموز الهيروغليفية
يذكر العلامة الفرنسي، شامبليون، في مذاكراته، أنه قد استعان بكاهن قبطي يدعى يوحنا الشفتشي، والذي كان ينتمي لعائلة من صياغ الذهب؛ لأن كلمة شفتشي، في اللغة العربية يستخدمها صائغ الذهب للدلالة على الخيوط الدقيقة المنقوشة في حيز مفرّغ من اللبة، ولا يراها الناظر، إلا في شفافية الضوء، ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج أن صياغة الذهب كانت حرفة متوارثة بين الأقباط منذ أقدم العصور، وذلك لمساعدته في فك رموز اللغة الهيروغليفية، بعد اكتشاف حجر رشيد الشهير، وذلك عن طريق ربطها بقواعد اللغة القبطية، حيث أمن شامبليون بأهمية اللغة القبطية، واعتبرها تطوراً للغة الهيروغليفية، لذا افترض أن معرفته للغة القبطية سوف تساعده في فك رموز اللغة الهيروغليفية، الأمر الذي كان صائباً بالفعل.
محاولات الإحياء
منذ القرن الـ12 الميلادي حاول علماء اللغويات الأقباط الحفاظ على اللغة القبطية، فقاموا بوضع ما سُمّي بالمقدمات، وهي بمثابة كتب القواعد أو النحو للغة القبطية، وكذلك ما سُمي بالسلالم، والتي تعد بمثابة معاجم وقواميس خاصة بمفردات القبطية.
يعود الفضل إلى البابا كيرلس الرابع، في محاولة إحياء اللغة القبطية، من جديد (1856 ـ 1861)، حيث أنشأ المدرسة القبطية بالبطريركية، وفتح مدرسة أخرى في حارة السقايين، وشدد على تعلم اللغة القبطية فيهما، وكذلك اشترى مطبعة كبيرة، طبع فيها عدة كتب كنسية.
وحديثاً قام البطريرك السابق للكنيسة المصرية "شنودة الثالث" بتشجيع القائمين على تدريس اللغة القبطية في الأماكن المخصصة لذلك، وخاصة الكلية اللاهوتية القبطية بالقاهرة Coptic Theological Seminary، على استبعاد التأثيرات اليونانية في اللغة القبطية، ومحاولة إعادتها إلى شكلها القديم بقدر الإمكان.
مؤخراً أُضيفت الأبجدية القبطية بشكل رسمي إلى لوحة المفاتيح الخاصة بشركة "جوجل" العالمية، ضمن التحديث الأخير الذي شمل إضافة 60 لغة أخرى.
كلمات قبطية في العامية المصرية
إن انهزام لغة ما أمام أخرى لا يعني اندثارها بالكامل، بل تظل مستعملة ولو في نطاقات محدودة. ولهذا يرجع البعض اختلاف العامية المصرية عن باقي البلاد العربية إلى وجود الكثير من المفردات التي تعود إلى القبطية، وامتزجت مع العربية بنفس أصواتها في القبطية. تشرح موسوعة تاريخ أقباط مصر، للمؤرخ عزت أندراوس، بعض تأثيرات اللغة القبطية على اللهجة العامية المصرية:
– مثل استخدام كلمة "اللي" التي تقابل في القبطية "أد" أو "أدا" والتي تصلح لأي جنس وأي عدد، ولا تستخدم الأسماء العربية الموصولة مثل الذي والتي.
– في بعض مناطق صعيد مصر تتحول السين إلى شين أو العكس مثل الشمس يقال لها السمس، وشجرة يقال لها سجرة، ومرسيدس يقال لها مرشيدس، وهذا لأن حرف السين والشين كانا يتبادلان ما بين الصعيدية والبحيرية في اللهجات القبطية، وفي بعض المناطق، تنطق الجيم دالاً مثل جرجا، يقال لها دردا.
– ملمح آخر يميز العامية المصرية، ويعود وفقاً للمتخصصين إلى تأثير القبطية، هو تقديم المشار إليه على اسم الإشارة مثل قولنا (البت دي) في حين أن قواعد اللغة العربية تقتضى تقديم اسم الإشارة على المشار إليه (هذه الفتاة).
– يختفي حرف الثاء في العامية المصرية لعدم وجوده في القبطية، ويستبدل به التاء، مثل (اثنين-اتنين) (كثير- كتير).
– إدخال حرف الباء على الفعل المضارع، لإيجاد صيغة المضارع المستمر، غير الموجود في اللغة العربية (بيشرب – بياكل).
– يختفي حرفا الذال والظاء في العامية المصرية، وذلك لعدم وجودهما في القبطية، وتتم الاستعاضة عنهما بالدال والضاد (ظهر – ضهر) (ذراع – دراع).
– تختفي الهمزات أو تستبدل بالياء مثل (دائم – دايم)، وذلك لقلة الهمزات في القبطية.
– يتحول حرف القاف، إلى جيم في الوجه القبلي، لعدم وجود القاف في القبطية (قال – جال) وإلى ألف مهموزة في الوجه البحري (قال – أل).
– استخدام أداة أمر في القبطية وهي (ما) قبل الفعل المبدوء بحرف التاء مثل (ما تاكل).
ومن كلمات العامية المصرية المتأثرة باللغة القبطية كما جاء بالموسوعة
– ولا، ياض، واد: للإشارة إلى صبي أو ولد.
– اديني: أعطني.
– إردب: مكيال للموازين الزراعية.
– أمبو: ماء.
– أمّر العيش: بمعنى سخن الخبز ومنها (قفاه يأمر عيش).
– أوطة: للإشارة إلى ثمرة الطماطم.
– أيوه: بمعنى نعم.
– ياباي: بمعنى يا خوفي.
– بح: بمعنى انتهى.
– بشبش: ومنها (يبشبش الطوبة اللي تحت دماغه) أي تصبح رطبة.
– بعبع: بمعنى عفريت.
– بلاص: بمعنى إناء.
– تاتا: تقال للصغار عند تعلم المشي.
– جلابية: بمعنى جلباب.
– شأشأ: للدلالة على ضوء الفجر.
– شبشب: حذاء للاستخدام المنزلي.
– ضبة: بمعنى قفل ومنها (بالضبة والمفتاح).
– كاني وماني: عسل وسمنة (بمعنى الخلط في الكلام).
– مدمس: مدفون ومنها الفول المدمس.
– واوا: تعني الألم والوجع.
– بخ: بمعنى عفريت.
– حتتك بتتك: لحم وعظم.
– سك: بمعنى اقفل.
– أوباش: بمعنى ناس عديمة الفائدة.
– مِيت: بمعنى طريق (ميت غمر، ميت عقبة…).
– هم: يبلع وتقال للأطفال للتشجيع على الأكل.
– مدشوش: مهروس.
– ورور: جديد (مورور يا فجل).
– حاتي باتي: حات (لحمة) بات (عظم) حاتي (جزار).
– زير: وعاء من الفخار لحفظ الماء.
– تنتون-تنتن: من التشابه، ويقال: (اتلم تنتون على تنتن).
– شيش بيش: عديم الفائدة.
– طايش: ضال.
– عبيط: شخص غبي.
– مايص: شخص أحمق وغير متزن.
– مدهول: مهمل.
– هبل: سذاجة.
– هجّاص: غير صادق.
– هلفوت: تافه.
– أخس: للتوبيخ.
– أوبه-أوباح: بمعنى يحمل (لتشجيع الطفل عند حمله).
– حا: بمعنى امشي.
– حمرأ (حمرق): رجع في كلامه.
– حومتي: خجلى أو عاري.
– خن: بمعنى بالداخل.
– دايخ: غير قادر على التركيز.
– ست: امرأة.
– يطنش: لا يستجيب.
– غندور: محب للدلع.
– فرتك: بدد.
– فط: هرب.
– قزعة (أزعة): قصير القامة.
– قيافة (إيافة): جمال (أنت النهاردة آخر قيافة).
– كشكش: بمعنى قصر الطول.
– كمان: مرة أخرى.
– لبط: مراوغ.
– مرمطة: وجع أو ألم.
– مش: بمعنى لا (مش لاعب: لن ألعب).
– نونو: بمعنى طفل صغير.
بعض الشتائم أيضاً في العامية المصرية تعود للقبطية مثل:
– جته شوطة تاخده: التمني أن يصيبه وباء.
– الست دي شلق: دلالة على سوقيتها.
– جاه خيبة بالويبة: الويبة وعاء للكيل وبالتالي يقصد جاته خيبة كبيرة.
– لو معملتش كذا هسويك: سوى في القبطية بمعنى تقطيع الأوصال، وبالتالي المعنى يكون هقطعك.
– يا ابن الإيه: الإيه بمعنى البقرة، وبالتالي يكون المعنى يا ابن البقرة.
– فلان ده بلط: بيلتي في القبطية بمعنى مقعد، أو قليل الحركة، وبالتالي يكون المعنى (فلان ده بطيء الحركة أو الفهم).
– أوباش: بمعنى عرايا أو صعاليك وليس لها مفرد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net