أكتب هذا المقال تعقيباً على القصة التي حدثت أمس الإثنين 6 حزيران/يونيو 2022 مساءً في مصر، أثناء الاجتماع لعقد قران عروس مصرية اسمها أمنية طارق، حيث رأت العروس أن تخبر خطيبها بشروطها قبل أن توقع على الورق معلنة موافقتها النهائية، وإذا بصديقتها تصور هذا المشهد وتنشره من دون إذنها أو حتى إعلامها، وحقق الفيديو مليون مشاهدة على وسائل التواصل، في أقل من 24 ساعة، واشتهرت أمنية وهي لا تدري! حيث وجدت نفسها فجأة وقد أصبحت وسماً "عروس الصباع" (لأنها كانت تحرك إصبعها وهي تتكلم) وللأسف كان الكثير من التعليقات سلبياً.
وهذه الحادثة فيها ثلاثة أمور ينبغي التنبيه لها:
الأولى: بعض التصرفات يظنها الناس هيّنة، وبسيطة، وعادية، وهي غير لائقة وليست من المروءة، وتتسبب بأذى، وهذا الأذى قد يمتد ويكبر، حتى ليتسبب بكارثة هائلة.
فالعروس كانت غافلة، مشغولة بعقدها، لتفاجأ بأن صورتها وصوتها أصبحا في كل مكان، ولتجد بعضهم يصف الفيديو بأنه مستفز، أو أنه تحدٍّ، أو فيه إساءة لزوج المستقبل وصاحبته بريئة من كل هذه التهم، حيث كانت تتصرف بوحي شخصيتها في جلسة ودية، مع أقرب إنسان إليها، فلا دخل لأي أحد بينهما.
وهذه الفعلة جعلت العروس في موضع النقد والاتهام، حتى اضطرت لتقييد التعليقات على حسابها الشخصي في فيسبوك والذي يتابعها عليه أكثر من 2000 شخص عقب الهجوم عليها.
والفكرة:
أيها الناس، أيها المسلمون المجالس أمانة، ولا يحق لأي أحد تصوير أي شيء، فضلاً عن نشره إلا بإذن.
والتصوير ليس مثل الحقيقة، ومن شهد الواقعة قد يجدها جميلة وطبيعية، وفيها احترام لزوجها وحرص على والديها وحميها، وأما اقتطاع جزء منها، فهذا فيه حيف وظلم، وتشويه للحقيقة.
الثانية: إثارة الفضول، ونشر الشائعات، وتخبيب الزوج.
فالعريس -كما يبدو- كان حقاً راضياً. وأكدت الفتاة في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنها لم تخطئ أبداً فيما فعلت.
ولكن كثيراً من الناس يحبون الإثارة، ويسعدون بالأخبار الغريبة، ويستمتعون بالنقد والسخرية، ويسارعون لنشر ما يقع بين أيديهم، قبل التأكد من صحته، وإن العواصف هذه حين تبدأ لا تتوقف، فلم يهدأ الجدل حتى بعد أن أوضحت العروس وبَيَّنت أن عريسها لم ينزعج من كلامها أبداً، بل اعتبره حقاً من حقوق زوجته المستقبلية.
ويبدو أن كلام الناس أثر فيه فيما بعد، وخاصة ادعاؤهم بأنها تتسلط عليه وتهدده بحركة إصبعها فغضب بفعل تعليقاتهم المحرضة، والرافضة لسلوكها، وغضب العريس بعدما انتشر الفيديو وسبب فضيحة عائلية.
وبسبب المقطع المصور انتشرت إشاعات عن طلاقها، واضطرت العروس للخروج عن صمتها ونفت الأمر تماماً. وما زال الناس يشكون ويتساءلون، وما أكثر الفضوليين!
الثالثة: من حق أمنية شرعاً الاشتراط، وهو من حق أي امرأة، ومن غير أن تبدي الأسباب، ولكن أمنية كانت واضحة، وقالت: "أنا وحيدة أهلي والموضوع مش سهل عليا".
وكانت أمنية في منتهى الرقي، حين بدأت أولاً بنفسها، ووعدت بأنها ستكون بارة وفية لأهل زوجها، ثم طلبت منه المماثلة بالمعاملة، وأن يكون مع أهلها كما يحب الله ويرضى، فطلبت منه احترام أهلها وأقاربها وأوصته بأمها. وقالت: "أنا واثقة في ربنا وفيك إنك حتكون خير الزوج والسند والصاحب، ومندمتش في يوم أني اخترتك، بالعكس كنت أعظم وأفضل انتصاراتي في الحياة.. هطلب منك طلب، زي ما هشيل أهلك في عيني هتشيل أهلي في عينك، والصغير في عيلتي قبل الكبير، ومع احترامي لكل أهلي، أمي ثم أمي ثم أمي".
وإن أمنية لم تطلب مالاً ولا متاعاً ولا عرضاً من الحياة الدنيا، وإنما طلبت ما يؤدي للسلام وللحياة المستقرة الآمنة، حين يحفظ كل من الزوجين حقوق الآخر، ويهتم لمشاعره.
فما أروعه من طلب، وليت الأزواج جميعاً يهتمون للعشرة بالمعروف، ويحققون المودة والمرحمة بينهما.
وأما "الاشتراط" في العقد فهو مشروع وحلال، وأنصح به من تحتاجه من الفتيات، كأن تشترط أموراً معنوية كما فعلت "عروس الصباع"، أو أموراً مادية تهمها (كإتمام دراستها، أو بقائها في وظيفتها).
وقد اعتبر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر عبد الحميد الأطرش أن من حق الفتاة ما دامت بالغة عاقلة أن تشترط على خاطبها ما شاءت قبل عقد القران، وللزوج الحرية بالقبول أو الرفض (ولها بناءً عليه إتمام الزواج أو التوقف)، فإذا وافق الزوج أصبح ملزماً بتنفيذ كل ما وافق عليه، ويجب تسجيل هذه الشروط بالعقد، حتى لا يقع الخلاف فيما بعد، وينسى أحدهما ما سبق وتعهّد به.
وحسب رأي الفقهاء، فإن الشروط في النكاح تنقسم لثلاثة أقسام:
1- شروط باطلة في ذاتها وتنسحب على عقد الزواج الذي اشتمل عليها بالبطلان، كاشتراط مدة معينة للزواج ينتهي بعدها، فيعد وكأنه "زواج متعةٍ" مؤقتٍ، وهذا باطلٍ ومُحرَّمٍ؛ وثبت عن المصطفى أنه نهى عن مُتعةِ النِّساءِ يومَ خَيبرَ، بحديث متفق عليه.
2- شروط باطلة لأنها تنافي الهدف من الزواج (كاشتراط الرجل ألَّا يُعطي المرأةَ مهراً، أو ألَّا يكون لها نفقة، أو كاشتراط المرأة ألَّا يطأها زوجها)، فهذه الشروط لا يجب الوفاء بها ولا تُعدُّ شيئاً، ويبقى عقد الزواج صحيحاً.
3- ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، قال ابن قدامة: "إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح (المغني 9/483)".
ويروى هذا عن مجموعة من الكرام (عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص. وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق) ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما وفيتم به من الشروط، ما استحللتم به الفروج"، وفي لفظ: "إن أحق الشروط أن توفوا بها، ما استحللتم به الفروج" متفق عليه، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"؛ ولأنه قول من سمّينا من الصحابة.
وقال ابن القيم : "يجب الوفاء بهذه الشروط التي هي أحق أن يوفيها، وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح؛ فإن المرأة لم ترضَ ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به؛ لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزاماً بما لم يلزمها الله به ورسوله (الملخص الفقهي (2/345، 346).
وهكذا إذا أخلّ الزوج بشرطه، فإنه يحقّ للزوجة فسخ النكاح، وأما إن رضيت بالبقاء، فالنكاح باق على صحته. ولكن إذا كان المقصود بالشرط تعليق طلاق الزوجة بالشرط فيقع طلاقها، وتأخذ حقوقها كاملة في كلا الحالين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.