بينما تتواصل الحرب بالوكالة على أرض أوكرانيا، وسط شرق أوروبا، بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة أخرى، ويتقلص التركيز عليها في وسائل الإعلام، وخاصة المتحكَّم فيها من قِبل الغرب، يتجدد بروز بؤرة توتر أخرى في شرق آسيا حول جزيرة تايوان، بين بكين وواشنطن.
هذه الأزمة تزداد حدة وتهدد بنشوب نزاع مسلح، ربما يفوق في خطورته الحرب الدائرة في أوكرانيا، لأن واشنطن أكدت خلال شهر مايو/أيار 2022، وعلى لسان رئيسها بايدن، أنها ستتدخل إلى جانب تايوان لمنع الصين من إعادة توحيد الجزيرة المتمردة منذ سنة 1949 على الوطن الأم.
المواجهة الأمريكية- الصينية ليست وليدة اليوم، تعود جذورها إلى عقود طويلة إلى الخلف، إلى زمن التوسع الاستعماري الغربي في جنوب وشرق آسيا، والحروب الغربية التي قادتها بريطانيا على الصين لمواصلة تجارة الأفيون وفرض الهيمنة البريطانية.
حرب الأفيون
حرب الأفيون، هما حربان سُميتا بحرب الأفيون، قامتا بين الصين، الإمبراطورية المحكومة آنذاك من قبل سلالة تشينغ، وبريطانيا. وفي الثانية انضمت فرنسا عسكرياً إلى جانب بريطانيا، وكان السبب هو محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، ما حدا ببريطانيا أن تقف في وجهها، بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها لندن من تجارة الأفيون.
قامت حرب الأفيون في عام 1839، وكان من نتائجها أن أصبحت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية، ولاحقاً ضمّت البرتغال منطقة ماكاو إلى قائمة مستعمراتها. ارتكبت في هذه الحروب مجازر وحشية من جانب البريطانيين وحلفائهم، وخالفوا كل القيم الدينية والبشرية، وعملوا على نشر تعاطي الأفيون بين الشعب الصيني، استمر هذا الداء مستشرياً في الصين حتى مطلع القرن العشرين، حتى قُضي على تعاطيه نهائياً في عهد الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تدخلت الولايات المتحدة وبريطانيا أساساً لدعم حزب "الكومينتانغ"، الموالي للغرب، ومنع الحزب الشيوعي الصيني من السيطرة على الحكم، ونشبت حرب أهلية شاملة في البلاد في عام 1946. وتوقفت العمليات العسكرية الكبرى بعد أربع سنوات، حيث سيطرت قوات جمهورية الصين الشعبية المؤسسة على بر الصين الرئيسي، بما في ذلك هاينان، واقتصر وجود جمهورية الصين الموالية للغرب تحت حزب "الكومينتانغ" على تايوان، بنغو، كيموي، ماتسو والعديد من الجزر النائية.
بعد الانتصار الشيوعي في بر الصين الرئيسي خاضت بكين نزاعاً مسلحاً كبيراً مع التحالف الغربي في الحرب الكورية، ونجحت في منع سقوط كوريا الشمالية. طوال عقود عملت واشنطن وبعض أنصارها على منع دول العالم من الاعتراف بحكومة بكين ممثلاً شرعياً للصين.
في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1971، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين القرار رقم 2758، الذي ينص على إعادة كافة الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، والاعتراف بممثل حكومتها، باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين في المجتمع الدولي. هذا القرار الذي تقدمت بمشروعه ثلاث وعشرون دولة، صدر بأغلبية 76 صوتاً واعتراض 35 صوتاً وامتناع 17 عن التصويت. بعد اثنتين وعشرين سنة من إبعادها من الأمم المتحدة، عادت الصين إلى موقعها الشرعي في لحظة تاريخية.
بعد حرب سرية أمريكية غير ناجحة ضد بكين، وظهور دلائل هزيمة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وبعد غياب للعلاقات لمدة 25 عاماً، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للصين في عام 1972، ليبدأ مسلسل جديد من التفاعل بين القوتين.
لكن توترت العلاقات الأمريكية الصينية مجدداً، في ظل استراتيجية الرئيس باراك أوباما المحورية في آسيا، ثم استمر التصعيد خلال فترة حكم الرئيس ترامب، وفي الوقت الحاضر مع إدارة بايدن.
واشنطن رأت أن الصين مع روسيا تهدد النظام العالمي القائم على محور القطب الواحد، كما أصبح البيت الأبيض يسعى بكل الطرق لمنع بكين من أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، والخلاف حول تايوان هو أحد الأسلحة في هذا التنافس، كما كانت أوكرانيا أداة في المواجهة مع الكرملين.
الغموض الاستراتيجي
سلَّطت تصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الأخيرة بشأن إمكانية أن ترد الولايات المتحدة عسكرياً للدفاع عن تايوان إذا حاولت الصين الاستيلاء عليها بالقوة الضوءَ على تاريخ طويل للسياسة الخارجية الأمريكية مع هذا الملف، وموقف واشنطن من تايوان الذي يوصف بالغموض، قبل أن يُظهر بايدن قدراً من التحول، ثم محاولة مساعديه شرح هذا الموقف.
وتعود جذور القضية إلى عام 1949، عندما فر تشانغ كاي شيك، زعيم حزب "الكومينتانغ"، إلى تايوان، وشكَّل حكومة منفصلة بعدما خسر الحرب لصالح القوات الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ.
ومن هناك، واصل تشيانغ المطالبة بكامل الصين، في مقابل مطالبة البر الرئيسي الصيني بتايوان كجزء من أراضيها، وعدم استبعاد استخدام القوة لاستعادتها.
وظل الاسم الرسمي لتايوان هو "جمهورية الصين"، في حين أن البر الرئيسي أُطلق عليه "جمهورية الصين الشعبية".
وعلى مدى عقود من فرار تشيانغ إلى الجزيرة اعتبرت واشنطن قادة تايبيه، عاصمة تايوان، حكومة الصين الشرعية، ولم تكن هناك علاقات رسمية مع بكين قبل أن يتغير هذا الموقف في عام 1979.
وفي عام 1992، اتفقت الحكومة التايوانية بقيادة حزب "الكومينتانغ" مع البر الصيني الرئيسي، على أن هناك "صين واحدة" من دون تغيير الواقع على الأرض.
لكن منذ أواخر التسعينيات، ظهرت هوية تايوانية مميزة تدعو للاستقلال.
وفي حين يؤيد التايوانيون التقارب مع الصين القارية، بشكل خاص في مجال التجارة، يرفض معظمهم "الوحدة" معها، لكن ذلك حسب المصادر الغربية.
ويعتبر الحزب الحاكم الحالي، بقيادة الرئيسة تساي إنغ ون، تايوان دولة ذات سيادة، وليست جزءاً من الصين. في عام 1979، ألغت الولايات المتحدة برئاسة جيمي كارتر الاعتراف بـ"جمهورية الصين"، وأقرت بحكومة بكين كممثل وحيد للصين، ومع ذلك رفضت الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان. ويعني هذا أن واشنطن لا توافق على مطالبة بكين بالسيادة، ولا تتفق مع تايبيه على أن "جمهورية الصين" دولة مستقلة وذات سيادة.
حصان طروادة
هكذا، احتفظت الولايات المتحدة بعلاقات رسمية مع "جمهورية الصين الشعبية"، وبعلاقات غير رسمية مع تايوان. وأكدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على سياسة "الصين الواحدة"، أي الإقرار بأن تايوان جزء من الصين، دون سيادة بكين عليها، وهو ما مكّن من الحفاظ على الاستقرار في مضيق تايوان، وترك للجانبين العمل على حل دون استخدام القوة لتغيير الوضع، وفق فرانس برس.
وأصبح البر الرئيسي شريكاً تجارياً رئيسياً للولايات المتحدة، لكن في الوقت ذاته حافظت الولايات المتحدة على دعم تايوان بوسائل عدة.
وعلى إثر الاعتراف بالصين الشعبية، أقر الكونغرس الأمريكي "قانون العلاقات مع تايوان"، الذي نظّم العلاقات مع الجزيرة والمصالح الأمنية والتجارية للولايات المتحدة.
وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن تايوان "كدولة ديمقراطية رائدة وقوة تكنولوجية تعد شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وبموجب هذا القانون، يتعين على الولايات المتحدة بيع الإمدادات العسكرية لتايوان، لضمان دفاعها عن النفس ضد القوات المسلحة الأكبر حجماً في بكين.
وتدعم الولايات المتحدة تايوان في الحصول على عضوية المنظمات الدولية عندما لا يكون إنشاء الدولة متطلباً، وفق الوزارة.
ومن الناحية النظرية لا توجد سفارة رسمية للولايات المتحدة في تايبيه، لكن واشنطن تدير هناك مركزاً يسمى المعهد الأمريكي في تايوان (AIT)، الذي يؤدي خدمات قنصلية، وهو وفق الخارجية الأمريكية "منظمة غير حكومية مفوضة بتنفيذ العلاقات غير الرسمية للولايات المتحدة مع تايوان".
وتقول وزارة الخارجية الأمريكية، إنه رغم عدم وجود تمثيل دبلوماسي "نتمتع بعلاقة غير رسمية قوية، بالإضافة إلى مصلحة دائمة في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان".
ولدى تايوان ما يسمى "مكتب تايبيه للتمثيل الاقتصادي والثقافي (TECRO)" في واشنطن، ولديه فروع في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وتربط الولايات المتحدة وتايوان علاقات تجارية ومالية "عميقة ومتنامية"، وتايوان ثامن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، والأخيرة ثاني أكبر شريك تجاري لتايوان. وقد بلغ الاستثمار التايواني في الولايات المتحدة ما يقرب من 137 مليار دولار عام 2020.
وأبقت واشنطن طيلة العقود الماضية على ما يسمى "الغموض الاستراتيجي"، بشأن ما إذا كانت ستتدخل عسكرياً في الجزيرة، وهي سياسة مصممة لدرء الغزو الصيني، وثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسمياً.
وحسب وكالة "فرانس برس"، فإن هناك نقاشاً متزايداً بين الحزبين الكبيرين في واشنطن، بشأن ما إذا كان التحول إلى "الوضوح الاستراتيجي" هو الأفضل حالياً، بالنظر إلى نهج بكين العدائي المتزايد تجاه تايوان في السنوات الأخيرة.
وعندما سئل بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً، رداً على غزو صيني لتايوان، أجاب: "نعم، هذا هو الالتزام الذي قطعناه".
وذكر مسؤول في البيت الأبيض في وقت لاحق أن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير، وأن بايدن "كرّر التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان، بتزويد تايوان بالوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها".
وفي محاولة لتوضيح موقف بايدن، قال وزير الدفاع، لويد أوستن، إن تعليق بايدن الأخير "سلط الضوء على التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان، للمساعدة في تزويدها بالوسائل للدفاع عن نفسها".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، الثلاثاء 24 مايو/أيار: "الرئيس بايدن لم يعلن أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه تايوان".
وتقول محطة "إيه بي سي" الأمريكية، إن هذا "الارتباك" هو تذكير بموقف واشنطن من "الغموض الاستراتيجي" عندما يتعلق الأمر بتايوان، وهو يهدف إلى "ترك الصين تخمّن ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بالضبط، إذا كان هناك غزو".
وهذه هي المرة الثالثة التي يثير فيها بايدن ضجة كبيرة بتعليقاته بشأن حماية تايوان، فقد ذكر في مقابلة، في أغسطس/آب 2021، أن علاقة الولايات المتحدة معها تشبه التزام واشنطن تجاه "حلف الناتو"، الخاص بالدفاع عن أعضائه ضد أي هجوم. وقال بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2021: "لدينا التزام" بالدفاع عن تايوان.
وبينما حاول مسؤولو البيت الأبيض التخفيف من تصريحاته في المرتين، عاود بايدن التصريح بذلك، لكن هذه المرة من مسافة قريبة من الصين وتايوان، حين كان يزور اليابان.
حصار على الصين
تصريحات بايدن جاءت في الوقت الذي تم فيه إعلان الإطار الاقتصادي الآسيوي لمواجهة نفوذ الصين، وبعد تحالف "أوكوس" العسكري بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، والمخطط لتوسيعه، والهادف لفرض حصار عسكري حول الصين مشابه لحلف الناتو في أوروبا.
وكان بايدن قد اعترف بأن المنافسة مع الصين والتفوق عليها اقتصادياً هي أهم أهدافه في السياسة الخارجية، وأنه يعمل على حشد الحلفاء في ممارسة الضغط على بكين.
وانتقدت الولايات المتحدة أيضاً علاقات بكين الدافئة مع روسيا، الأمر الذي يخشى فيه المسؤولون الأمريكيون من التعامل مع احتمال مواجهة خصمين رئيسيين في وقت واحد، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ويقول محللون إن الهدف من زيارة بايدن إلى آسيا هو إظهار أن واشنطن لا تزال تركز على مواجهة الصين، بينما يحظى هجوم روسيا على أوكرانيا بمزيد من الاهتمام العام.
يمثل "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ"، الذي أعلن عنه الإثنين 23 مايو/أيار، المحاولة الأكثر طموحاً لإدارة بايدن لبناء علاقات اقتصادية مع الدول الآسيوية، بعد انسحاب الولايات المتحدة في عهد الرئيس آنذاك، دونالد ترامب، من الشراكة عبر المحيط الهادئ في عام 2017.
وسيركز الإطار على التعاون في القضايا العالمية، مثل سلاسل التوريد والطاقة النظيفة والقواعد الرقمية، لكنه لا يتضمن خططاً للتفاوض على تعريفات جمركية أقل، أو خطوات واسعة لإزالة الحواجز التي تحول دون الوصول إلى الأسواق.
وكانت اليابان حليفة الولايات المتحدة، التي ابتعدت لفترة طويلة عن الالتزامات العسكرية في المنطقة، في الآونة الأخيرة، في طليعة موقف أكثر حزماً بشأن تايوان، ما يجعل موقع تعليقات بايدن مهماً، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، وهو يقف إلى جانب بايدن رداً على سؤال بشأن تايوان، إنه سيعمل مع الولايات المتحدة لضمان ألا يتمكن أحد في شرق آسيا من تقليد ما فعلته روسيا بأوكرانيا، وأضاف: "سنعزز جيشنا بشكل كبير".
ومع وجود تايوان على بعد 65 ميلاً فقط من يوناغوني، الجزيرة اليابانية الأكثر سكاناً في الغرب، فإن الحرب مع الصين تحمل عواقب محتملة هائلة على اليابان، التي تخلت عن الصراع المسلح منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن ناروشيجي ميشيشيتا، نائب رئيس المعهد الوطني للدراسات العليا للدراسات السياسية في طوكيو، قوله إنه "في حين أن كيشيدا لن يكون صريحاً مثل بايدن، فإن إدارته تهدف إلى زيادة ميزانية الدفاع، بينما تناقش خططاً للحصول على أسلحة قادرة على ضرب مواقع إطلاق الصواريخ في أراضي العدو، وإجراء المزيد من التدريبات مع القوات الأمريكية".
وذكر ميشيشيتا: "يجب على المخططين الصينيين أن يأخذوا في الاعتبار إمكانية تورط اليابان عندما يخططون، وعندما يقررون ما إذا كانوا سيهاجمون تايوان أم لا".
وأضاف أن إجبار الصين على النظر في احتمال مواجهة القوات الأمريكية واليابانية، من شأنه في نهاية المطاف "تعزيز إمكانية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان".
ثمن لا يطاق
في بكين، حذرت الخارجية الصينية الولايات المتحدة من أنها ستدفع "ثمناً لا يطاق"، إذا واصلت السير في "الطريق الخطأ" بشأن قضية تايوان.
وصرّح المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ وين بين، في إفادة صحفية يوم الثلاثاء 24 مايو/أيار، "تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها في التلاعب بالكلمات بشأن مبدأ "الصين الواحدة"، لكني أريد أن أذكر الجانب الأمريكي بأنه لا توجد قوة في أي من أنحاء العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة نفسها، يمكنها تجنيب الداعين إلى استقلال تايوان الهزيمة".
وأضاف أن الولايات المتحدة أخلّت بالوعود التي قطعتها بشأن قضية تايوان، وقوّضت ودمرت مبدأ "الصين الواحدة"، وحرّضت سراً وعلناً ودعمت الأنشطة الانفصالية التي تهدف إلى "استقلال تايوان".
وتابع: "إذا استمرت الولايات المتحدة في المسار الخطأ فلن يؤدي ذلك إلى عواقب لا رجعة فيها للعلاقات الصينية الأمريكية فحسب، بل سيجعل الولايات المتحدة في النهاية تدفع ثمناً لا يطاق".
وأكد وانغ أن الصين لديها "الثقة الكاملة والقدرة والاستعداد لاحتواء الأنشطة الانفصالية، الهادفة إلى استقلال تايوان بحزم، ومنع التدخل الخارجي بحزم، والدفاع بحزم عن السيادة الوطنية وسلامة الأراضي".
وخلص بالقول: "أنصح الولايات المتحدة بالاستماع إلى أغنية صينية قديمة مشهورة، تقول إنه عندما يأتي صديق يتم الترحيب به بنبيذ جيد، وعندما يأتي ابن آوى يرحب به ببندقية الصيد".
وكان المتحدث باسم الخارجية الصينية قد صرّح قبل ذلك، وبتاريخ 5 مايو/أيار 2021، تعليقاً على احتجاجات واشنطن على علاقات بكين الوثيقة مع موسكو: العلاقة بين بكين وموسكو "نموذج جديد" للعالم، إن "التعاون في هذا المجال يلبي المصالح الأساسية للجانبين، ويُسهم في الاستقرار والتنمية الإقليميين"، مشدداً على أن "التعاون العسكري بين روسيا والصين هو أيضاً ضامن مهم للتوازن الاستراتيجي الدولي".
وأضاف: "الصين تولي أهمية كبيرة للتعاون مع روسيا في هذا المجال، وستعمل مع الجانب الروسي لتعزيز التعاون العسكري التقني على مستوى أعلى وعلى نطاق أوسع".
وتابع: "التعاون العسكري التقني الصيني الروسي يتماشى مع المصالح الأساسية لكلا الجانبين، ويتم تنفيذه على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة، وليس موجهاً ضد أطراف ثالثة".
من جهته، قال وزير الدفاع الصيني وي فنغ، في أغسطس/آب 2021، إن "جيشي الصين وروسيا سيعززان التعاون العسكري لحماية السلام"، مشيراً إلى الاتفاق بين وزارتي الدفاع لكلا البلدين على "تكثيف التدريبات العسكرية الاستراتيجية المشتركة والدوريات".
المواجهة المؤجلة
بشأن مخاطر وقوع حرب أمريكية صينية، تحدث مدير معهد بلدان آسيا وإفريقيا بجامعة موسكو الحكومية، البروفيسور أليكسي ماسلوف، لـ"موسكوفسكي كومسوموليتس" فقال: من الواضح أن تصرفات الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تدفع الصين بالفعل لإثبات قوتها، لأن كثيرين يعبرون عن شكوكهم حول قدرتها على تنفيذ عملية عسكرية، ويعيرون الصين بالضعف. تتمثل مهمة الولايات المتحدة في جر الصين إلى صراع طويل الأمد وتوريطها فيه، في الوقت نفسه من المستبعد جداً أن تقرر الولايات المتحدة إرسال أي وحدات عسكرية تابعة لها إلى تايوان".
ووفقاً لماسلوف، من المستبعد أيضاً أن تقبل الصين بموقف الضعف رغم تبادل التصريحات المتشددة. وقال: "بشكل عام، بدأت بكين، على العكس من ذلك، في اتباع نهج أكثر واقعية تجاه مشكلة تايوان، وبدأت مناقشة إمكانية التوصل إلى حل عسكري للصراع في مرات أقل مما كانت عليه قبل شهر ونصف الشهر على سبيل المثال. هذا يرجع إلى حقيقة أن الصين، أولاً، لا تريد أن تخضع للعقوبات على الإطلاق. لأنها في مثل هذه الحالة سوف تضطر إلى إعادة بناء اقتصاد البلاد بالكامل، الصين مستعدة للقيام بذلك، لكن ليس الآن، وثانياً لا ترغب جمهورية الصين الشعبية في فقدان صورتها كدولة "تتعالى على النزال" دائماً، وتحل المشكلات حصرياً من خلال المفاوضات".
وأكد ماسلوف أن تايوان من بين جميع المشاركين في المواجهة هي الأقل مصلحة في عمل عسكري حقيقي، لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار اقتصادها.
الاستخبارات الأمريكية
أكدت مديرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، أفريل هينز، خلال الثلث الأول من شهر مايو/أيار 2022، أن السلطات الصينية تعمل على بناء قوات عسكرية قادرة على الاستيلاء بحرب خاطفة على جزيرة تايوان، بحلول عام 2030.
وقالت هينز في تصريحات خلال استضافتها في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ "من وجهة نظرنا هم يعملون بجد لوضع أنفسهم بشكل فعال في موقف يكون فيه جيشهم قادراً على السيطرة على تايوان"، التي يقطنها زهاء 23 مليون نسمة، مضيفة أن "التهديد لتايوان حاد من الآن وحتى عام 2030".
ويراقب الخبراء والمسؤولون الغربيون الصين عن كثب منذ تدخل روسيا في أوكرانيا، في فبراير/شباط، على أمل معرفة ما إذا كانت ردة الفعل العربية والعقوبات ضد موسكو قد تردع بكين عن القيام بعمل مماثل في تايوان، وفقاً لموقع "بزنس إنسايدر".
وأكدت هينز أن "من الصعب التكهن بمدى تأثر الجدول الزمني الذي وضعته الصين بالأزمة في أوكرانيا، ومدى تعلم بكين من الدروس التي خلفها الغزو الروسي".
وذكر موقع "بزنس إنسايدر" أن كبار المسؤولين التايوانيين يخشون من أن الصين تتجه نحو الغزو، خاصة أن "شعار اليوم أوكرانيا، غداً تايوان"، انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي التايوانية، بعد الهجوم الروسي.
وكان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" بيل بيرنز، قد قال مطلع مايو/أيار، إن من الواضح أن الأزمة الأوكرانية لم تؤثر كثيراً على مساعي الصين للسيطرة على تايوان، "لكنني أعتقد أن هذا الأمر يؤثر على حساباتهم حول كيف ومتى يفعلون ذلك".
وجاءت التحذيرات من هينز وبيرنز بعد أيام فقط من تصريحات أدلى بها رئيس القيادة الاستراتيجية الأمريكية، الأدميرال تشارلز ريتشارد، قال خلالها إن الصين تنوي "الاستيلاء على تايوان بحلول عام 2027".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.