قبل ثلاثة أعوام وضعت طفلتي فتغيرت كل أحوالي، ليس فقط بسبب التغيرات التي تفرضها الأمومة.
عندما وضعت طفلتي كان الأمر جلياً بالنسبة لي- وبعدها لاحظه الجميع- أن طفلتي ليست كالنمط الشائع من الأطفال، كل سوكياتها منذ اللحظة الأولى لولادتها تتسم بالحدة، جميع الأطفال يسهرون لكن طفلتي كانت لا تنام الليل تقريباً، وإن نامت فلا تزيد المدة على نصف ساعة بأي حال من الأحوال، ألقمها ثدي لترضع وبعد 10 دقائق من الانتهاء من الرضاعة تبكي طلباً للرضاعة مرة أخرى، ترفض تماماً أن يحملها أحد حتى أبيها، تطلب لمسي باستمرار ولا تنام إلا وأن أضمها إلى صدري.
استمر الوضع أكثر من شهرين وبدأت في التفكير في الأمر على أنه حالة مرضية تعاني منها، يؤكد جميع الأطباء أن الطفلة سليمة من الناحية العضوية.
كانت مواقع التواصل هي الملجأ وبعد سلسلة ليست قصيرة من البحث بدأت معرفتي بمصطلح "طفل كثير الاحتياجات" أو "طفل هاي نيد".
كانت تلك الكلمة التي عرفتها عبر إحدى المجموعات الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" هي الخطوة الأولى لفهمي لحالة ابنتي.
إن ابنتي طفلة كثيرة الاحتياجات
الطفل كثير الاحتياجات أو "هاي نيد High need" هو طفل متطلب باستمرار للاهتمام، يرضع بنسبة أكبر من أقرانه وينام أقل منهم، طفل حساس للغاية، مشاعره حادة، يبكي لساعات دون توقف ويغضب بكل ما أوتي من قوة، يصمم على شيء بعينه ويرفض المساومات، طفل صعب المراس ويصعب ترويضه ويكون سبباً دائماً في شعور الأم بالتقصير.
لذا فإنني أنقل لك كل ما توصلت إليه وما أعرفه عن الطفل الكثير الاحتياجات متداخلاً مع تجربتي الشخصية.
بعض العلامات التي تشير إلى أن طفلك كثير الاحتياجات
الطفل كثير الاحتياجات ليس حالة مرضية تتطلب التدخل العلاجي، ولكنه نمط سلوكي يولد به بعض الأطفال، يحتاج التدخل لتقويم بعض سلوكيات الطفل.
من علامات الطفل كثير الاحتياجات ما يلي:
- يود ألا ينام
وجدت الأبحاث أن الطفل حديث الولادة يحصل على نوم بين 14-17 ساعة يومياً تبدأ تقل بالتدريج إلا أن تصل إلى 12-15 ساعة عندما يتم عامه الأول، إلا أن الطفل كثير الاحتياجات لا ينام أكثر من 3 ساعات متواصلة، ولا يأخذ قيلولة تدوم أكثر من 30 دقيقة.
- يخاف الانفصال عن أمه
بالرغم من كون كل الأطفال حديثي الولادة في عامهم الأول يعانون من قلق الانفصال عن الأم، إلا أن الأمر يقل بالتدريج فيمكن للطفل أن يبقى مع الأب أو الجدة في حالة تلبية متطلباته الأساسية، إلا أن الطفل كثير الاحتياجات لا يتكيف سوى مع أمه، فهو متعلق بها لدرجة أكبر بكثير من أقرانه.
كما أن خوفه من الانفصال يجعله يرفض تماماً النوم بمفرده في غرفته المستقلة.
- يكره اللمس أو يحبه بشدة
استكمالاً لكونه طفلاً غير متوقع فمن الممكن وبنسبة أكبر أن يكون طفلك محباً للمس بصورة دائمة بحيث لا يمكنك فعل أي شيء دون حمله، ولكنه وفي حالات أقل يمكن أن يكره اللمس تماماً.. الأمر الذي يجعل بعض الأوقات كوقت الرضاعة مثلاً وقتاً ملحمياً من كثرة حركته ورغبته في عدم اللمس وشعوره بالجوع الذي يرغمه على البقاء بجانبك.
- غير قادر على تهدئة نفسه
دعنا نقُل إن الطفل الذي يمكنه أن يلهي نفسه هو نعمة كبيرة، لأن الطفل كثير الاحتياجات يتطلب دائماً تدخلاً مباشراً من الأم حتى يهدأ ويكف عن البكاء فلا لهاية الأطفال ولا تشتيت الانتباه يجدي معه.
- يكره ركوب السيارة
يكره الطفل "هاي نيد" ركوب السيارة لأنها تقوم بتقيد حركته وهو طفل معروف عنه حبه الدائم والمستمر للحركة.
- ليس لديه روتين يومي ثابت
وجود روتين يومي للطفل يجعل للأم متنفساً من الراحة ويمنحها بعض الشعور بالسيطرة على زمام الأمور، وهذا ما لا يوفره طفل كثير الاحتياجات، فالطفل ذو الاحتياجات العادية يأخذ قيلولته في وقت محدد يومياً ما يمنح الأم الفرصة في ترتيب شؤون حياتها، أما الطفل "هاي نيد" فلا يمكن التوقع بأي روتين له.
طرق التعامل مع الطفل كثير الاحتياجات
كما ذكرنا، فإن الأم لطفل كثير الاحتياجات هي أم في حالة تحدٍّ غير منتهٍ، طفل طول الوقت يطلب ويتذمر ويبكي ويصرخ ويطلب الحمل أو يرفضه تماماً… طفل مرهق. لذا فإن معرفة الطرق الصحيحة للتعامل معه وفهمه هي البداية لحياة هادئة بعض الشيء:
- لا تنس نصيبك من الحياة
تذكري دائماً أنك المحرك الأساسي لحياة طفلك في سنوات عمره الأولى وأنه يعتمد عليك اعتماداً كلياً، ولكنك بالنهاية بشر لا يمكنك أن تستمري في وضع العطاء بشكل متواصل، يمكنك اختيار نشاط واحد بعيداً عن الأمومة بعض الشيء وفي الوقت ذاته يشحن طاقتك، مثلاً تحسنت علاقتي بابنتي كثيراً عندما قررت العودة للعمل.
- معرفة ما يزعجه
لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يزعج الطفل كثير الاحتياجات إلا بالتجربة، فإن وجدت أن طفلك يكره الأرجوحة مثلاً فامتنعي عن وضعه فيها، إن لم يحب طعم شراب محدد فجربي أن تقومي بطهيه بطريقة مختلفة، لأن رد الفعل للطفل "الهاي نيد" لن يكون الرفض فقط بل من الممكن أن يدخل في نوبة بكاء تستمر لساعات.
- لا تشعري بالذنب لأنك لم تلبي كل احتياجاته
الطفل كثير الاحتياجات طفل متطلب بشكل متواصل، لذا لا يمكن لبشر أبداً أن يلبي كل احتياجاته، بالطبع نحن لا نحرّض على عدم تلبية احتياجات الطفل بشكل متعمد، لكن هناك بعض أوقات للتقصير غير المتعمد عليك أن تسامحي نفسك عنها ولا تشعري بالذنب تجاهها.
- عدم المقارنة
إن كانت المقارنة في كل الأحوال خطأ لكن محاولاتك المستمرة لمقارنة طفلك كثير الاحتياجات بغيره ستصيبك أنت بالإحباط الشديد ما يؤثر على علاقتك بطفلك.
- الكتابة العلاجية
الكتابة هنا ليس المقصود بها أن تمتهن الكتابة، لكن الكتابة لتخرج كل الطاقات السلبية ومشاعرك على الورق، كما أن الكتابة تساعدك على تذكر الجوانب الإيجابية في شخصية طفلك.
- اطلبي المساعدة
لا تترددي في طلب يد المساعدة ممن حولك، الأم أو الزوج أو الأهل.
- يجب أن يلعب الأب دوراً
بالرغم من الوضع القائم للأسف في الكثير من الدول العربية بأنه لا دور للأب في التربية، إلا أنه لا يمكن أن يستمر هذا المنوال مع طفل كثير الاحتياجات، اتركي طفلك مع أبيه ساعتين أسبوعياً واخرجي بمفردك لتتمكني من مواصلة تلبية احتياجات طفلك.
- تعامل على طفلك من منطلق أنه فريد من نوعه
بالنهاية، طفلك كثير الاحتياجات هو طفل مختلف وإن كانت بعض سلوكياته صعبة إلا أنه في الوقت ذاته يتميز بالعديد من الصفات الحسنة، منها أنه حنون وذكي ويحب الوصول لأهدافه، لذا يجب أن يكون الانطلاق في التعامل على أنه طفل مختلف وليس طفلاً به خطأ أو عيب.
- النوم أولوية
عندما كانت طفلتي تنام كنت أنظر من حولي، فأجد أكواماً من الأطباق التي عليّ جليها، وملابس يجب أن ترتب ومنزلاً يجب أن أنظفه، الخطأ الذي كنت أقع به هو أنني أقوم بتلك الأمور فعلاً، ما يجعلني في حالة مزاجية سيئة باستمرار لعدم الحصول على قدر من الراحة.
- أنت أيضاً "هاي نيد"
ليس طفلك وحده كثير الاحتياجات ولكنك أنت أيضاً "هاي نيد" لأنك تعملين بصورة متواصلة لتلبية احتياجات طفلك، لذا تذكري دائماً أن تقومي بشحن طاقتك وأن تقدري نفسك حتى لا يصيبك الإحباط.
- كل ما تمرّين به سيصبح ذكرى
مرحلة الرضاعة والسنوات الأولى من عمر الطفل هي سنوات شاقة بالفعل خاصة على أمهات الأطفال "هاي نيد"، لكن الحقيقة أن الأطفال يكبرون سريعاً، وفهم التجربة يمكنك من الوصول لطريقة تعامل جيدة مع طفلك.
متى يصبح الأمر أسهل؟
لا توجد ورقة بحثية إلى الآن تحدد المدة الزمنية التي تحدد العمر الذي يصبح فيه الطفل كثير الاحتياجات طفلاً ذا احتياجات طبيعية، لكن من تجربتي الشخصية أقول لك إن العام الأول في حياة ابنتي كان الأصعب اختفت الآن الكثير من الصفات المميزة لطفلتي "الهاي نيد" وإن استمر بعضها.
طفلتي إلى الآن تحب اللمس بصورة مستمرة حتى أنها لا تنام إلا وأنا أحتضنها، كذلك نوبات البكاء ما زالت مستمرة فإن غضبت صغيرتي ووصلت للبكاء فلا يوجد ما يوقفها، ولكن الواقع أن وصولها إلى نوبات الغضب أصبح أقل بكثير لأنني أصبحت أفهمها أكثر وأعرف طرق التعامل التي تجنبنا الوصول إلى تلك المرحلة.
لذا فإنني بالنهاية أود أن أحمل لك بعض البشرى بأن الطفل كثير الاحتياجات لا يظل كذلك للأبد، فلا شيء يدوم للأبد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.