تتغنّى الدول الغربية بدعمها للحرية والمفاهيم المرتبطة بها، ولَطالما اعتبر بعض قومنا هذا مصدر فخر واعتزاز بالحضارة الغربية، وبه قيّموا الإسلام على أنه ضد الإنسان لكبحه الحريات.
لكني أعتقد أن كورونا فضحت زيف الشعارات الغربية، وأظهرت بشكل واضح أن المفاهيم التي تتغنى بها هي حبر على ورق، أو فلنقُل مسألة وقت، فحين اشتدت الأوضاع الاقتصادية واختلت الموازين كشّرت الأنظمة الغربية المستبدة عن أنيابها، وكشفت معدنها الحقيقي، وليس يكشف الناس غير الأيام الصعاب والمحن، وهم في غيرها أهل حرية ومساواة.
هكذا إذاً وجدنا الحكومات الغربية تفرض قيوداً على مواطنيها، وتُمعن في ضرب الحقوق المدنية، مفسحة المجال للملاحقات والاعتقالات التعسفية لأشخاص عبَّروا عن رفضهم الإجراءات التي اعتبروها استبدادية.
وكان بالإمكان تفهّم تخوف هؤلاء من السعار الذي أصاب الحكومات الغربية وغيرها، إلا أن هذا لم يحدث، فقد شهدت أستراليا مثلاً أحداثاً مؤلمة تذكّرنا بالمصارعة الحرة، فالشرطة لم تتوانَ في سحل المتظاهرين، غير آبهةٍ لوجود الأطفال أو النساء، فقد كانت التعليمات التي تلقتها واضحة "نسف الرأي المعارض".
أما عن سرقة الأدوية من بعضها البعض، ورفض إرسال المساعدات الإنسانية لبعض الدول فحدّث ولا حرج، وهذا الموضوع كفيل بإسقاط صنم الغرب.
فلا مجال لمعارضة منظمة الصحة العالمية والحكومات، حتى في الدول التي صدعوا رؤوسنا بها وبالقيم التي ادعوا أنها تتبناها!
لقد كشفت لنا الأيام أن الحكومات الغربية ليست عادلة، ولا تطبق العدل إلا حين تريد، وبالطريقة التي تراها مناسبة، والحرية في نظرها ما تراه حرية، والحق كذلك.
تقول العرب "الشيء بالشيء يذكر"، ففي سياق حديثنا عن الغرب وعن الحرية والعدالة الغربية، أردت الوقوف على حادثة وقعت في الدوري الفرنسي، تُظهر لنا وبجلاء العقلية المسيطرة في هذه البقعة الشمالية.
قبل أيام لعب فريق باريس سان جيرمان إحدى المباريات، مع أرقام قمصان تحمل علم المثليين الجنسيين، وكلنا يعلم أن الأمر لا يدخل في إطار الموضة، لكنه في إطار القوة الناعمة.
تسعى الحكومات الغربية بكل قوة لفرض تصورها على العالم في شتى المجالات، ومنها قضية المثليين.
فنرى بوضوح تغييب الرأي الآخر، واستحضار المفاهيم الغربية، ففي السياسة كما في الاقتصاد والمجتمع لا وجود إلا لما يراه الرجل الأبيض المتحضر، وكأن من دونه فراغ أو جماد لا فكر له، وأحسن الله إلى "المفكر الإيراني حميد دباشي"، الذي ألّف كتابه المعنون "هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟".
عودة للمباراة، فقد رفض اللاعب السنغالي "إدريسا غانا غي" المشاركة في المباراة لأسباب شخصية، فلاعب الوسط في عقده الثالث، مسلم ومتشبث بدينه، رفض ارتداء قميص يتنافى وما يعتنقه، وليس في الأمر إلى حد الساعة أي إشكال، فالمسألة مسألة حرية، وإدريسا لاعب محترف في دوري يمثل دولة الحرية "فرنسا الأنوار".
لكن، وكما أشرنا أعلاه، وتحدثنا في الكثير من المقالات، تم استدعاء إدريسا للمثول أمام لجنة الانضباط أو لجنة الأخلاق، لشرح سبب غيابه عن المباراة!
هم يعرفون السبب، وكان بالإمكان التغاضي عن ذلك، أو ترك المسألة بين اللاعب وإدارة فريقه، إلا أنهم أصروا على استدعائه، وسيكثفون من حملتهم ضده، ويحاولون تشويه صورته وربطه بالتطرف والكراهية وهلم جراً.
لكنهم أبداً لن يحاولوا استخدام المنطق، والوقوف على حرية اللاعب في تقبل أو رفض التسويق للمثلية الجنسية ودعمها، سواء بارتداء قميص الفريق أو تصرف آخر.
إلا أن الفكر الغربي المتطرف يحنّ لأيام محاكم التفتيش، فلا صوت يعلو فوق صوت الحكومة (الكنيسة سابقاً)، فيمعن في اضطهاد أولئك الذين يختلفون معه، ويرفض أن يعترف بمبادئهم وتعاليمهم، ويُنكرها جملةً وتفصيلاً، فاعتبار الإسلام المثليةَ حراماً وإحدى الكبائر يراه الغربي تطرفاً، وهكذا.
ما يتعرض له اليوم إدريسا سيأتي يوم نعيشه جميعاً مسلمين وغير مسلمين، قد يبدو الطرح بعيداً، لكنه أقرب مما نعتقد، فعما قريب ستصبح المثلية الجنسية محمية بشكل كامل، بل ستُفرض على الناس فرضاً.
سيحاول هذا النظام العالمي فرض رؤية موحدة للعالم (العولمة) بطرق استبدادية لم نعهدها، وسنجد أنفسنا أمام نسخة كربونية من مجتمع أوريل، في ملحمة "1984"، ولن تكون هناك مستقبلاً الحاجة للرأي الآخر، فأصحاب الرأي الآخر سيختفون أو سيتم إخفاؤهم.
أكتب اليوم وأعلن تضامني المطلق مع إدريسا غي، ومع كل المعارضين للنظام الاستبدادي الدولي، وأحذّر المتخاذلين والداعمين لموقف الرابطة الفرنسية، سيأتي اليوم الذي تفرض عليك الحكومة قبول تحويل ابنك إلى فتاة، أو ابنتك إلى ولد، وساعتها ارفع شعارات الحرية والمساواة والعلمانية هي الحل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.