صنعت الزيارة الأخيرة للرئيس عبد المجيد تبون لتركيا، والتي جاءت بطلب من نظيره التركي، الحدث بشكل كبير، خاصة بعد الحفاوة التي استقبل بها الرئيس تبون من طرف السلطات التركية، ناهيك عن الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين، والتي تخص العديد من المجالات، وبلغ عددها 15 اتفاقية، وهو دليل قوي على التقارب الذي تعيشه العلاقات الجزائرية التركية المصبوغة أصلاً بنكهة تاريخية خالصة تمتد إلى 500 عام، منذ قدوم الإخوة بربروس إلى شواطئ الجزائر سنة 1516م، منقذين الجزائر من براثن الغزو الإيبيري الظالم.
قال أردوغان في تصريح مهم للغاية، يعبر عن عمق هذه العلاقات التاريخية: إن تركيا والجزائر يتجهان إلى التعاون في مجال "الصناعات الدفاعية"، وأضاف قائلاً: تركيا والجزائر، اللتان تلعبان دوراً مهماً في ضمان السلام والاستقرار بالقارة الإفريقية، عازمتان على تعزيز تعاونهما في مجال الصناعات الدفاعية.
في حين ذكر أردوغان أنه، رغم الظروف الوبائية، ارتفع حجم التجارة بين البلدين بنسبة 35% مقارنة بالعام 2020، وبلغ مستوى 4.2 مليارات دولار، وأضاف أن البلدين وضعا هدفاً جديداً لحجم التبادل التجاري من 5 مليارات دولار في عام 2020، إلى 10 للفترة المقبلة.
ومن المتوقع أن ما يسمى بـ"اللوبي الفرنسي" سيكون أكبر الرافضين لهذا التقارب لعدة أسباب: كونه يرفض رفضاً باتاً أن يكون للجزائر حلفاء أقوياء، ليبقي الجزائر في منطق التابع بخلفية استعمارية قديمة مقيتة، ترسخ لكل ما هو فرنسي وكل ما هو مفرنس، وخاصة أن الضربات توالت على اللوبي الفرنسي بعد تراجع قيمة الاستثمارات بين البلدين بشكل لافت.
وهذا اللوبي ليس هدفه فقط الاقتصاد بقدر ما هدفه أن تكون الجزائر مبتورة من أية تشاركات فكرية وأيديولوجية مع قوى إقليمية كبرى مثل تركيا، فالعلاقة بين الجزائر والدولة العثمانية علاقة مبنية على التلاقي في العديد من الأمور تخص الفكر والعقيدة؛ كون الوجود العثماني في الجزائر لم يضطهد السكان ويحملهم على تعليم اللغة التركية "العثمانية"، والدليل أننا اليوم نتكلم العربية لا العثمانية، إضافة إلى أن العثمانيين لم يرغموا الجزائريين على اتباع المذهب الحنفي، وبقوا على مذهبهم المالكي إلى اليوم.
عكس فرنسا الاستعمارية التي سخّرت كل إمكاناتها لتجهيل الشعب الجزائري، وفرنسته وتبشيره من خلال الراهب شارل لافيجري، وابتزاز الجزائريين في بطونهم (خبز مقابل تبشير)، اللوبي الفرنسي والعقيدة الاستعمارية غيّرت أساليبها للنيل من الجزائر، ولكن لم تغير فكرها وأهدافها وخططها البائسة التي صارت مكشوفة الآن.
خاصة أن الرئيس عبد المجيد تبون قال من إسطنبول إن الجزائريين حاربوا الاستعمار الفرنسي بالتعليم، بداية بالشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، الذي كان بذرة الإصلاح الذي رافق مسار الحركة الوطنية الجزائرية، وكان مهد الشرارة الأولى لثورة نوفمبر المباركة، التي قبرت فرنسا وأتباعها كما ستقبر السياسة الجديدة لأبناء الجزائر كل من له التفكير الاستعماري.
ومنحت جامعة إسطنبول الدكتوراه الفخرية للرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة، في حين منح الرئيس أردوغان هدية تاريخية قيّمة ذات رمزية عالية تخص الأمير عبد القادر الجزائري، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والذي حارب الاستعمار إلى آخر نفس. فهل كانت هذه المبادرات ذات الرمزية الكبيرة موجعة للوبي الفرنسي في الجزائر؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.