يمتاز الصحفي المحترف بقدرته في الحصول على الأخبار الحصرية من مصادرها الأصلية عن طريق شبكة العلاقات التي يمتلكها أو التي تتيحها له المؤسسة التي يعمل بها، وكثيراً ما يلجأ الصحفي لإجراء مقابلات صحفية مع بعض الشخصيات المهمة أو المؤثرة على اختلافها في الأحداث، أو شهود العيان للحصول على المعلومات التي يحتاجها لاستكمال بناء القصة الخبرية التي يعمل عليها، ومن هذا يمكن تقسيم المقابلات الصحفية إلى نوعين من المقابلات بناء على الحدث:
النوع الأول: هو المقابلة المفاجئة أو العفوية، والتي تحصل دون تحضير تفصيلي مسبق، ومثالها أن تتصل القناة بالصحفي وتدفعه لتغطية حدث مفاجئ يحدث الآن في منطقة قريبة، فيغطي الحدث ويقوم ببعض المقابلات دون تحضير مسبق.
النوع الثاني: هو المقابلة التي تم الإعداد لها مسبقاً، وهو النوع المفضل غالباً، وذلك لأنه يسمح بالتحضير الجيد للأسئلة وتسلسلها، كما يسمح كذلك بفهم الضيف بشكل أكبر ومعرفة الطريقة المثلى للحصول على المعلومة منه، وهذا هو النوع الذي نركز عليه هنا.
قبل أن تطلب من ضيفك إجراء مقابلة معه، عليك أن تحدد المعلومات التي تحتاجها للمقابلة، وذلك بأن تقوم بالتأكد من اسم ولقب ضيفك ومنصبه ومسماه الوظيفي، خصوصا إن كان يشغل منصباً رسمياً، فأنت بالتأكيد لا تريد أن يؤدي خطأ هنا إلى موقف محرج، ثم قم بإعداد قائمة بنوعية المعلومات التي ستحتاجها في بحثك، والتي قد تكون شاملة لبعض الوقائع السابقة، أو تاريخاً معيناً، أو أسماء بعض الشخصيات، أو إحصاءات وأرقام معينة، أو كتابات سابقة للضيف، أو مقالات تحليلية، أو بعض مشاركات الضيف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهكذا.
كما يجب أن تحدد لماذا تريد معرفة هذه المعلومات؟ وما مدى أهمية هذه المعلومات لك؟ وهل هي رئيسة أم ثانوية لموضوعك؟ ثم يجب القيام بإعداد قائمة تحدد أكثر المعلومات أهمية في المقابلة، وكيف ستستخدم هذه المعلومات وأين مكانها في سياق المقابلة؟ وأي معلومة هي التي تعطيك السؤال الأكثر إثارة للانتباه؟ وأي من المعلومات ستستخدم في بداية المقابلة؟ وأيها في الختام؟ وأية معلومة ستكون الأهم للجمهور بحيث تواجه بها ضيفك؟
وهنا يجب التأكد من كم الوقت الذي لديك لإجراء البحث قبل المقابلة؟ بحيث يمكن أن يكون الضيف من خارج دولتك وتريد أن تستثمر وجوده أثناء زيارة يقوم بها، أو يمكن أن يكون قد تم تحديد موعد مقابلة مع شخصية مهمة في الوقت الذي يناسبها، فهل أمامك خمس دقائق، أو ربما خمسة أيام أو بضعة أشهر؟ فعليك دائماً أن تعرف الوقت المتاح لك للبحث قبل المقابلة، وذلك حتى تعرف ما هي المصادر التي يمكن لك استخدامها؟
أما البحث فيجب أن يكون بمراجعة المقالات الصحفية، والوثائق، والسجلات الرسمية، والمقابلات السابقة، وأية مصادر رئيسية وثانوية، مع سؤال المقربين من الضيف، أو أصدقائه، أو زملاء العمل الذين يمكن أن يذكروا عنه تفاصيل قد تهم في إجراء المقابلة، إضافة إلى البحث في كتاباته ومؤلفاته عما يمكن أن يضيف لك في تخطيطك للمقابلة، حيث إنك تسعى دوماً من خلال ما سبق إلى وضع يدك على السؤال المفتاحي للمقابلة، والذي تأمل أن يثير اهتمام ضيفك أثناء بحثك في المصادر المختلفة.
هذا ويجب البحث أيضاً بعمق في خلفيات وأبعاد الموضوع المطلوب أو المطروح لجعل المقابلة أكثر أهمية للجمهور؛ لأن الكثير من القراء أو المشاهدين قد يعرفون مسبقاً كثيراً مما يمكن أن يُذكر في أي مقابلة صحفية، خاصة مع وجود الوسائل الحديثة التي تنقل الأخبار بشكل فوري؛ لذا يجب البحث دوماً عما يمكن أن يثير انتباه الجمهور والمتابعين، لأن عدم بذل الجهد الكافي واللجوء للحلول السهلة والسريعة سيجعل المقابلة غير مثيرة للجمهور، كما يمكن أن تكون ناقصة أو تحوي معلومات غير دقيقة؛ لأن هنالك بعض التفاصيل التي يمكن إضافتها لموضوع المقابلة، والتي سوف تجعل المقابلة أكثر أهمية للجمهور، حيث يجب أن تجعل من نفسك (أمين مكتبة)، والذي قد لا يعلم كل ما يوجد في مكتبته، لكنه يعلم جيداً كيف يبحث، وأين يبحث في المكتبة.
أما أهم المراحل في عملية التخطيط للمقابلة فهو تحديد الهدف من المقابلة، حيث قد يكون الهدف هو الحصول على معلومة، أو الاطلاع على الآراء أو حتى أهداف أخرى، فيجب أن يجري تحديد الهدف أو لماذا نريد إجراء هذه المقابلة؟ سواء كانت المقابلة ستجري مع شخصية عامة أو خاصة، وما هي المعلومات التي نريد الحصول عليها من هذا الضيف؟ وهل الضيف هو محور القصة أم أنه مجرد فرد من أفراد آخرين جرى ذكرهم في الخبر؟ وعادة ما يكون الهدف من المقابلة واحداً أو أكثر من التالي:
– جمع الحقائق: إذا كان الهدف من المقابلة هو جمع الحقائق، فيجب أن نختار مصدراً موثوقاً للمعلومات بحيث نستطيع التأكد من حقيقة المعلومات التي يدلي أو يصرح بها؛ لأنه على سبيل المثال إذا كانت القضية اقتصادية، وسألت أحد المارة عنها، فربما تحصل على إجابة جيدة، لكنك بالتأكيد ستفقد تصديق المتابع لك، لأن مصدرك ليس شخصاً موثوقاً في هذا الموضوع، أما لو قمنا بإجراء المقابلة مع خبير اقتصادي فإن ثقة الجمهور ستكون أعلى، وبالطبع في هذه الحالة يجب التأكد من أن المختص لن يستعمل مصطلحات يصعب فهمها على الناس، وإذا استعملها، فإن تبسيط المصطلحات وإيصال المعلومات للمتابع يقع على كاهل المقدم.
– البحث عن الآراء: بعد جمع الحقائق الخاصة بالموضوع أو القصة، يجب علينا إضافة تصريحات للناس المتابعين (الجمهور)؛ لأنه سيكون مهماً للمقابلة أن يدلي الناس بآراء تخص الموضوع.
– البحث عن القصص النادرة: إن إضافة قصة مثيرة أو نادرة في موضوع ما يجذب اهتمام المتابعين، ويزيد من انتشار المقابلة، وذلك مع الحرص بالطبع على أن تكون القصة موثوقة.
– التأكد مما تعرفه من قبل: حينما تكتشف معلومة ما لكنك لست متأكداً منها، فمن المهم أن تقوم بالتأكد منها، وأن تعرف أياً من المصادر سيساعدك أن تتأكد من صدق تلك الرواية أو المعلومة.
– كثيراً ما تريد القناة أو الصحيفة إثبات تواجدها في مكان الحدث، وكي تثبت أنها كانت في مكان الحدث، فإنها تعرض لحظة وصولها لهذا المكان، وذلك بإجراء لقاء أو اثنين مع أحد شهود العيان أو الحاضرين في الحدث، فكثيراً ما تهم تلك الصورة لتلك المرأة العجوز أمام بيتها المهدم في غزة بعد ضربة لإسرائيل على بيتها، فهذه الصورة قد تأخذها من إحدى وكالات الأنباء، لكن تواجدك هناك لا شك أنه يضفي تلك القيمة الإنسانية التي تهم المتابع.
وهكذا فإن أهم ما يقوم به الصحفي هو أن يحدد الهدف من المقابلة، ويجمع المعلومات الكافية حول موضوع المقابلة والضيف، وأن يقوم بإعداد الأسئلة المناسبة التي يكسب بها ثقة الضيف، مع الاهتمام بطريقة الطرح، وتفاعل الضيف معها، بحيث يدفعه من خلالها للإدلاء بالمعلومات التي تحتاجها القصة الخبرية، فالفرق الرئيس بين مقابلة صحفية قوية ومهمة، تحدث صدى عند الجمهور، وبين أخرى ضعيفة، يكمن في طبيعة التحضيرات لكل ما سبق ذكره.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.