في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن مجلس الوزراء المصري أنه يبحث وثيقة لتمكين القطاع الخاص، ودور الدولة بالاقتصاد في تحديد القطاعات التي ستستمر بها الدولة والقطاعات التي ستتخارج منها، وأعاد تأكيد ذلك في اجتماع له أواخر شهر مارس/آذار من العام الحالي، ثم طالب الجنرال المصري مجلس الوزراء بتعزيز دور القطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي، خلال ما يُسمى حفل "إفطار الأسرة المصرية" بالسابع والعشرين من أبريل/نيسان.
وعقب انتهاء إجازة عيد الفطر تحدد موعد لمؤتمر صحفي لرئيس الوزراء لإعلان رؤية الدولة لدور القطاع الخاص، ثم جرى تأجيل الموعد أسبوعاً إلى منتصف مايو/أيار الحالي، لكن رئيس الوزراء ذكر خلال المؤتمر الذي تم قبل أيام أن إعلان رؤية الدولة لدور القطاع الخاص سيتم خلال أيام وقبل نهاية الشهر، رغم مرور ستة أشهر على طرح مجلس الوزراء للقضية. والتي ارتبط طرحها في رأينا بنقص العملات الأجنبية لدى الحكومة، وحاجتها لدور القطاع الخاص للتخفيف عنها بتقليل الواردات، والذي يؤكده زيادة الدين الخارجي "8.1 مليار دولار" خلال الربع الأخير من العام الماضي.
وانتهز رئيس الوزراء المؤتمر الصحفي لتبرير زيادات الأسعار التي يعاني منها المصريون، بأن الأمر مرتبط بالتضخم العالمي وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وطَرَح عدداً من ملامح التغيير المقبل لتعظيم دور القطاع الخاص وتوطين الصناعات محلياً، لتقليل الاستيراد والحفاظ على الأرصدة من العملات الأجنبية لتخفيف الضغط على سعر الصرف، الذي جرى تعويمه مرة ثانية في مارس/آذار الماضي.
غموض موقف سعر صرف الجنيه
ومن ذلك حوافز ضريبية للمشروعات التي ستقام بمدن الجيل الرابع، أي المدن الجديدة التي أقيمت بعهد النظام الحالي، ومنح الأراضي للمشروعات الصناعية بنظام حق الانتفاع بدلاً من البيع، كي يوجه أصحاب المشروعات فروق تلك المبالغ لشراء الآلات والمعدات، وإصدار الرخصة الذهبية للمشروعات من خلال موافقة واحدة للمشروع، يصدرها رئيس الوزراء، تجبّ كافة الموافقات المطلوبة من الجهات الأخرى.
إلى جانب تيسيرات لأصحاب المشروعات التكنولوجية الناشئة بتأسيس تلك الشركات، أو غلقها من خلال الإخطار الإلكتروني وإعفائها من الضرائب.
ورغم أهمية تلك القرارات للقطاع الصناعي والقطاع الخاص عموماً، والذي يقوم بتشغيل غالب العمالة بالبلاد، فقد ظهرت صحف الصباح بعناوين ممتدة بعرض الصفحة الأولى، تتصدرها صورة لقاء الجنرال بوزير الاتصالات، للإعلان عن التيسيرات للمشروعات التكنولوجية الناشئة، بينما جاءت تغطية المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء أسفل ذلك وعلى مساحة محدودة.
رغم أن أبجديات العمل المهني تتطلب تغليب وقائع مؤتمر رئيس الوزراء على لقاء الجنرال بوزير لعرض تيسيرات بجزء من قطاع واحد، بينما حفل لقاء رئيس الوزراء بتيسيرات للعديد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك من رسائل منها غياب الحرية الإعلامية، وتأكيد الجنرال لتفرده، وأنه صاحب القرارات وليس رئيس الوزراء، رغم أن رئيس الوزراء يكاد لم يذكر أي قرار جديد إلا وذكر أنه تم بناء على توجيهات الجنرال.
وفي ضوء التعتيم الإعلامي على النواحي الاقتصادية في ظل إعلام الصوت الواحد، فقد كان مؤتمر رئيس الوزراء فرصة لتقليل حالة الغموض بالأسواق، خاصة فيما يخص توقعات تغير سعر الصرف، بعد أن أصبحت الكثير من الشركات تتعامل على أساس أعلى سعر له، والتي كانت موضوع أحد الأسئلة له، خاصة بعد عودة السوق السوداء للدولار خلال الأسابيع الأخيرة، لكنه لم يعقّب على السؤال، حيث إن العرف قد جرى على ابتعاد رئيس الوزراء عن الحديث عما يتعلق بعدد من الجهات، منها البنك المركزي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية.
مفاجأة إخضاع الموانئ الكبيرة
رغم أن قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر عام 2020 أعطاه العديد من الصلاحيات خلال تسع مواد بالقانون، منها رئاسته للجنة الاستقرار المالي بالمادة 49، التي تهدف للحفاظ على استقرار النظام المالي للدولة، ويكون محافظ البنك المركزي نائباً له باللجنة، كذلك رئاسته للجنة الخاصة بالعلاقة بين البنك المركزي ووزارة المالية حسب المادة 51. رغم ذلك فلم يعقب رئيس الوزراء على التساؤل حول الاتجاه لرفع سعر الفائدة بعد رفعها من قبل الفيدرالي الأمريكي وعدد من الدول، كذلك تجنب ذكر رقم الدين العام الداخلي، والذي تُحجم السلطات المصرية عن ذكره منذ منتصف عام 2020 وحتى الآن، حيث إنه كان يتحدث من "شفافات" معدة مسبقاً، بحيث لا يخرج عنها ولو بالتوضيح إلا فيما ندر، حيث ذكر أنه خبير عمراني، أي ليس متخصصاً بالأمور الاقتصادية.
ولعل من أهم ما جاء على لسان رئيس الوزراء أنه سيتم دمج أكبر سبعة موانئ مصرية تحت شركة واحدة، ثم طرح نسبة منها للبيع، ونفس الأمر لدمج عدد من الفنادق المملوكة للدولة في شركة واحدة، ثم طرح نسب منها للبيع، دون أن يذكر أسماء أي من الموانئ أو الفنادق.
وفي ضوء تصريحه بخروج رؤوس أموال ساخنة بحوالي 20 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، وتعويض دول خليجية ذلك من خلال ما ضخته من عملات أجنبية لمصر، ثم تصريحه عن الاتجاه لتحويل جانب من الودائع الخليجية إلى استثمارات، وكون السعودية كانت قد قدمت وديعة بقيمة 5 مليارات دولار، وإعلان وكالة فيتش عن وديعة إماراتية بقيمة 3 مليارات دولار، مع عدم صدور بيانات عن باقي الأموال التي حصلت عليها مصر لتعويض خروج الأموال الساخنة.
ومن هنا نتوقع أن يكون سيناريو بيع نسب من الأصول المملوكة للدولة مشابهاً لما حدث من بيع نسب في خمس شركات مصرية لشركة قابضة، تمثل أحد صناديق أبوظبي السيادية، في أبريل/نيسان الماضي، هو السيناريو الذي سيتم تكراره مع جهات إماراتية وسعودية وربما قطرية أيضاً، لتقليل الضغط على تصاعُد الدين الخارجي، ومجاملة تلك الدول على مساندتها للنظام الحاكم منذ بداية قدومه، وخلال الأزمات التي تعرض لها، وآخرها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
شكوك حول تشجيع القطاع الخاص المحلي
وهو ما يجعل البعض يرجح أن استراتيجية الدولة لتحديد القطاعات التي سيتم السماح للقطاع الخاص العمل بها، مقصود بها القطاع الخاص الأجنبي والعربي، ولأن الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً يخرج من البلدان، كما ذكر رئيس الوزراء، تبقى الاستثمارات الخليجية، وليس العربية، لأن باقي الدول العربية تعاني من تداعيات أزمتي كورونا والحرب الروسية.
أما عن مدى استفادة القطاع الخاص من تلك التوجهات الجديدة لتشجيع القطاع الخاص، فسوف تقتصر على عدد محدود من الشركات، خاصة الشركات الخمس التي تقوم بالعمل بالمشروعات القومية، وتشكو باقي شركات المقاولات من استحواذها على النصيب الأكبر من تلك المشروعات، خاصة أن القطاع الخاص يعاني منذ سنوات من العديد من المشكلات، كما أنه يؤثر السلامة بهدوء الحركة خشية أن يصيبه ما أصاب صاحب شركة جهينة وابنه، وصاحب محلات التوحيد والنور، وغيرهم من رجال الأعمال.
ولقد كشف رئيس الوزراء عن الأولويات لدى الحكومة في معرض رده على سؤال يتعلق بالتضييق على الشركات، من خلال إيقاف العمل بأسلوب مستندات التحصيل لتمويل الواردات، في فبراير/شباط، والاقتصار على طريقة الاعتمادات المستندية، التي أخرت وصول المواد الخام والسلع الوسيطة حتى توقفت بعض المصانع.
حيث برّر ذلك بأن الأولوية في تدبير النقد الأجنبي كانت لأصحاب رؤوس الأموال الساخنة الراغبين في الخروج من مصر، وبعد خروج هؤلاء وضخ دول خليجية ما يعوض خروجها، تم إيقاف أسلوب الاعتمادات المستندية لاستيراد المواد الخام والسلع الوسيطة، مع بقائه لباقي السلع.
كما ذكر رئيس الوزراء أن إصدار الرخصة الذهبية، التي تجبّ الحصول على موافقات من باقي الجهات الحكومية، ستبدأ بقطاعات الهيدروجين الأخضر والمركبات الكهربائية وتحلية مياه البحر، وهي مجالات تحتاج لرؤوس أموال كبيرة، تتناسب مع الأجانب والخليجيين والشركات المصرية الكبيرة فقط.
ولقد أثار ما ذكره رئيس الوزراء من مبررات لتأخير استيراد القطاع الصناعي للمواد الخام والسلع الوسيطة، الشك فيما ذكره من سعي الدولة لرفع نسبة مشاركة القطاع الخاص بالاستثمارات من نسبة 30% حالياً إلى 65% خلال ثلاث سنوات، حيث إن النسبة الرسمية التي ذكرتها وزارة التخطيط كانت 26% وليس 30%.
وهي النسبة التي يرى رجال أعمال أنها مغالى فيها، في ظل استمرار حالة الركود وتراجع القوى الشرائية وارتفاع تكاليف التمويل، وغيرها من المشاكل التي يعاني منها القطاع الخاص، إلا إذا كان رئيس الوزراء يقصد القطاع الخاص الأجنبي مع بيع حصص حاكمة من الشركات له.
حيث ذكرت وسائل إعلام اقتصادية تفاهمات مع جهات خليجية، لشراء ما سيتم طرحه بالشركتين اللتين ستخرجان عن ولاية الجيش، وهما صافي ووطنية، وزاد من احتمالات ذلك ما أعلنته وزيرة التخطيط، التي ترأس الصندوق السيادي المصري، عن قيام الصندوق السيادي خلال فترة قصيرة قادمة بإنشاء صندوق فرعي لتولي مهمة بيع الشركات، التي سيتم طرحها للبيع من قبل الحكومة، والتي ستبدأ بعشر شركات تابعة للحكومة وقطاع الأعمال العام، وشركتين للجيش، بالتعاون مع الصناديق السيادية الدولية والخليجية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.