من جديد تعود ذكرى نكبة فلسطين وقد مر عليها أربعة وسبعون عاماً مع حالة معنوية وعملية مختلفة عما سبق، من حيث تزايد قوة إرادة الشعب الفلسطيني وتطور المقاومة، مقابل انتشار فضائح إجرام الاحتلال الإسرائيلي عالمياً، خصوصاً مع قَتلِه بدم بارد، أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة، واعتدائه الهمجي على جنازتها على مرأى من العالم أجمع، والذي شاهد الحدث الهمجي بدون التزييف التقليدي الذي تفبركه لوسائل الإعلام العالمية المحكومة من اللوبي الصهيوني.
ورغم الانحياز الدائم من الدول الأوروبية وأمريكا إلى رواية المحتل الإسرائيلي، فقد صدرت العديد من التصريحات من قِبَلها تؤكد انتصار فلسطين في المعركة الإعلامية في توثيق حقيقة مقتل شيرين أبو عاقلة، التي أفنت حياتها في مقاومة الاحتلال من خلال رسالتها الإعلامية الشريفة.
نستذكر في الخامس عشر من كل عامٍ ذكرى النكبة، التي حدثت عام 1948 والمأساة المستمرة منذ ذلك العام من المجموعات المسلحة للعصابات الصهيونية؛ من جرائم القتل والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني، من أجل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بناءً على وعد بلفور المشؤوم من الحكومة البريطانية عن طريق وزير خارجيتها آرثر بلفور إلى اللورد اليهودي ليونيل روتشيلد عام 1917.
أربعة وسبعون عاماً وما زالت فلسطين محتلة وقد أقام اليهود كيانهم المزعوم، ولكن شتان ما بين الماضي والحاضر، فقد حدثت العديد من المتغيرات سواء على الشعب الفلسطيني صاحب الأرض أو المحتل الإسرائيلي. فعلى مدار أربعة وسبعين عاماً وعصابات اليهود المدعومة من الدول الغربية وأمريكا، تمارس كل أساليب الإجرام ضد الفلسطينيين؛ من أجل نزع فلسطين من صدورهم وعقولهم، وقد قالها بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني: "الكبار يموتون والصغار يَنسون"، ولكن كل تلك الجهود فشلت، بل إن أحفاد الفلسطينيين أصبحوا هم الأقوى في معركة الإرادة من الاحتلال.
إرادة الشعب الفلسطيني التي نتحدث عنها وتشكل النسيج الوطني الفلسطيني، تتكون من ثلاثة محاور رئيسية وهي: فلسطينيو الداخل، وأهل الضفة وغزة، وفلسطينيو الشتات.
وفلسطينيو الداخل في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 والأعوام القليلة اللاحقة ويعتبرهم الاحتلال "شكلياً" مواطنين في دولته بينما يمارس بحقهم كل أشكال الفصل العنصري، قد أعلنوا عن انتمائهم الحقيقي إلى فلسطين في عدة مواقف بالسنوات الأخيرة، وقد كان لهم دور رئيس في أحداث حي الشيخ جراح في العام الماضي، وقد رفضوا السماح بحدوث نكبة جديدة في حي الشيخ جرّاح بدون وجه حق.
أما جيل التحرير من أهل الضفة الغربية وغزة الصمود حَمَلَة راية التحرير، فقد أصبح واضحاً للعيان حجم ثقتهم وعزيمتهم الكبيرة وقدراتهم في حرب التحرير القادمة، وقد وثقت أحداث المسجد الأقصى مؤخراً العديد من الشواهد على ذلك.
غزة الصمود والبطولة والتي تمنَّى زوالها المقتولُ إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، عام 1992، قائلاً: "أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، فقد أصبحت رمزاً للصمود في العالم ومحور الاهتمام، من خلال صمودها أولاً ومن ثم قدراتها العسكرية التي تطورت وأصبحت تحمل راية التحرير بمعنى الكلمة.
هذا التجانس الفلسطيني الشعبي من الشمال إلى الجنوب مروراً بمدن الوسط، والشتات، رغم كل العوائق التي أحدثها الاحتلال داخل فلسطين وصعوبات التنقل، هو أبرز مكتسبات الأحداث الحالية التي تدور ذروتها الرئيسية بالقدس وتجسدت في جنازة شيرين، من حيث الإيمان الشعبي الفلسطيني بأنهم تعلَّموا من التجارب السابقة ولا ينتظرون كثيراً النصرة من غيرهم، ويعتمدون على أنفسهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
إن الاحتلال الإسرائيلي أصبح هشاً أكثر من أي وقت مضى، وحالة الرعب من جثة شيرين ورؤية علم فلسطين مُحلِّقاً بسماء القدس في جنازتها ليست سوى شاهد على ذلك، وقد فشلت قياداته بكل ما توفَّر لها من إمكانات، في تكوين مجتمع يهودي متجانس من قوميات متعددة، أغلبها تعاني من الفقر والاضطهاد وقد جاؤوا أغلبهم إلى فلسطين؛ من أجل البحث عن مكتسبات مادية وحياة أفضل، ليس ذلك فحسب، فقد قام الكيان على مبادئ الفصل العنصري بين اليهود أنفسهم حسب أصولهم الشرقية والغربية.
في أحداث الأقصى العام الماضي تحدث الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، قائلاً: "بيانات العرب والسلطة الفلسطينية وغيرهم من التنديد والشجب والتعبير عن القلق لا تسمن ولا تغني من جوع، وعلينا أن نعتمد على أنفسنا بعد الله سبحانه وتعالى"، وهذا هو التغير الحقيقي في الشعب الفلسطيني الذي أصبح حقيقة على أرض الواقع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.