قالت شيرين أبو عاقلة عبر البريد الإلكتروني لقناة الجزيرة في الساعة الـ6:13 صباح الأربعاء، إن "قوات الاحتلال تقتحم جنين وتحاصر منزلاً في حي الجابريات، في الطريق إلى هناك، سأوافيكم بالأخبار بمجرد أن تتضح الصورة"، ولكن لم تأتِ الأخبار، وقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أبو عاقلة بدم بارد، عندما توجهت لتغطية اقتحام مخيم للاجئين في جنين بالضفة الغربية المحتلة، وأطلقت عليها قوات الاحتلال النار في وجهها، دون مواجهة معها أو أي شكل من أشكال الاستفزاز، كانت السترة الزرقاء الواقية من الرصاص التي كانت ترتديها أبو عاقلة موسومة بوضوح بكلمة "صحافة".
يُظهر مقطع فيديو الحادث أبو عاقلة ملقاة على الأرض ووجهها ملطخ بالدماء -عانت من كسور في الجمجمة وتمزق في المخ- عندما تم إنقاذها من قِبل الفلسطينيين المحليين، في وقت لاحق، داهم الجيش الإسرائيلي منزلها، ربما كعمل لترهيب عائلتها وأصدقائها والمجتمع الفلسطيني الأكبر لإسكاتهم.
في حين أن هذا صدم العالم، إلا أنه لا يبدو أن له نفس التأثير على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي حاول في البداية إلحاق الضرر بالفلسطينيين، قائلاً إن إطلاق النار المتقطع منهم كان يمكن أن يتسبب في مقتل أبو عاقلة، وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على تويتر: "وفقاً للبيانات المتوفرة لدينا حالياً، هناك احتمال كبير بأن الفلسطينيين المسلحين، الذين أطلقوا النار بعنف، هم المتسببون في الوفاة المؤسفة للصحفية"، في وقت لاحق، على الرغم من ذلك، اضطروا إلى اللجوء إلى بيان عكسي مع قائد الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال أفيف كوخافي، قائلين إنهم لم يتمكنوا من معرفة من أطلق النار على أبو عاقلة.
وليس من المفاجئ أن تقول إسرائيل مثل هذا، ربما يكون هذا مجرد عمل كالمعتاد، لأن أبو عاقلة ليست أول صحفية فلسطينية تقتل على يد إسرائيل، ولن تكون الأخيرة، لسوء الحظ، وفقاً لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، منذ عام 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة، قُتل 86 صحفياً فلسطينياً، في العامين الماضيين فقط قتل ستة صحفيين فلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الآونة الأخيرة، قدم الاتحاد الدولي للصحفيين، ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، ومركز العدل الدولي للفلسطينيين شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن "الاستهداف الممنهج للصحفيين الفلسطينيين" من قبل القوات الإسرائيلية.
أشارت "مراسلون بلا حدود" إلى إصابة 144 صحفياً فلسطينياً بـ"الرصاص الحي أو الرصاص المطاطي أو القنابل الصوتية أو الغاز المسيل للدموع التي أطلقها جنود أو شرطة إسرائيليون" في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بداية مسيرة العودة الأسبوعية، ويمكن للمرء أن يتذكر قصف مكتب قناة الجزيرة وأسوشيتد برس (AP)، في مايو/أيار من العام الماضي في قطاع غزة المحاصر، خلال الهجوم الذي شنته إسرائيل على مدار 11 يوماً، كما أن عدم استجابة المجتمع الدولي المناسبة بعد كل حادث من هذا القبيل لا يؤدي إلا إلى زيادة جرأة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، ربما يكون لدى إسرائيل انطباع بأنها تستطيع الاستمرار في إطلاق العنان لأعمالها الوحشية على الفلسطينيين مع الإفلات من العقاب، ولن يكونوا مخطئين في التفكير بذلك، لأنه لا توجد على وجه الأرض منظمة تحاسبها على إرهابها.
في أعقاب مقتل أبو عاقلة، أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى، بيانات تدين القتل، بينما رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بلا خجل بالتحقيق الذي أعلنته إسرائيل -الجاني الذي يحقق فيما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا- قائلة إن نظام الفصل العنصري "لديه ما يكفي لإجراء تحقيق شامل". واقترحت عضو الكونغرس الأمريكي، رشيدة طليب، أن على الولايات المتحدة التحقيق في القتل، لكن الولايات المتحدة نفسها من أقوى الحلفاء للنظام الإجرامي، وتزودهم بالسلاح والموارد اللازمة لتنفيذ مثل هذه الجرائم البشعة. المفارقة في هذه التصريحات ذات الوجهين لا تغفل عن الناس، إذا كان هناك أي شيء، فإن الإدانات النموذجية والكلمات الجوفاء من المجتمع الدولي تكشف فقط عن نفاقهم.
لو كانت أبو عاقلة صحفية أوكرانية وارتكبت القوات الروسية نفس الجريمة، فهل سيكون رد فعل المجتمع الدولي واحداً؟! بالتأكيد لا، ستكون هناك اجتماعات فورية لمجلس الأمن الدولي، ومناقشات للناتو، ووابل من العقوبات وغيرها من الإجراءات المعمول بها الآن، على أقل تقدير، لكن إذا كان الصحفي فلسطينياً فربما يكفي بضع كلمات طائشة، ولا أحد يسأل إسرائيل: ما الذي كان يفعله جيشها في اقتحام الأراضي الفلسطينية؟ لقد أصبحت مثل هذه الأعمال غير القانونية من قبل إسرائيل أمراً طبيعياً، لأن المجتمع الدولي سمح لها بالإفلات من جرائم أسوأ -غزو أراضي دولة أخرى، والتطهير العرقي، والاستهزاء الصارخ بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأراضي وحقوق الإنسان- على مدى عقود.
لكن الناس يشاهدون من إسرائيل والعالم، ويراقبون محاولاتهم المستمرة والدموية -بشكل مباشر ومن خلال الدعم الضمني- لقمع الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير.
كانت شيرين أبو عاقلة صحفية، وكان ذنبها الوحيد أنها في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب، وتقوم بعملها المتمثل في كشف الحقيقة، بقتلها بعثت إسرائيل مرة أخرى برسالة إلى الصحفيين الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم لإعطاء صوت لفلسطين والفلسطينيين: يجب إجبارهم على البقاء بلا صوت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.