فشلٌ وراء فشلٍ، وغياب السياسات التي من شأنها أن تنقذ لبنان من الواقع المرير الذي وصل إليه الشعب اللبناني في ظل تغلغل حزب الله في مفاصل الدولة اللبنانية، واستنزاف مقدرات البلد الضعيفة نسبياً بسبب انعدام المصادر المستدامة- كان وراء إعلان الحكومة إفلاس لبنان ومصرفه المركزي.
الحالة العراقية والحالة اللبنانية
لا يختلف الوضع في العراق كثيراً، فالفرق الوحيد أن العراق لديه موارد تصدير النفط وهي ما تحول حالياً دون إعلان إفلاسه؛ فالعراق بوصفه دولة مصدرة للبترول أعلن قبل أيام أنه جمع أكثر من 11 مليار دولار كعائدات من بيع النفط العراقي في شهر مارس/آذار الماضي فقط، وهي الأكبر منذ عام 1972، حسب إعلان شركة "سومو" صاحبة الامتياز في تسويق النفط العراقي؛ مما يعني استفادة العراق بشكل كبير من الأزمة الأوكرانية والعقوبات التي فُرضت على روسيا بسببها، وقد يكون النفط هو الفارق الوحيد بين لبنان والعراق وهذا ما يؤجل عملية الإفلاس طالما أن أسعار النفط مرتفعة في الأسواق العالمية.
لكن دعونا نعد قليلاً للوراء، إلى أزمة كورونا وانخفاض الطلب على البترول وهبوط أسعار العقود الآجلة إلى الصفر أحياناً، وكيف أن الحكومة العراقية عجزت عن توفير رواتب موظفيها واضطرت للاقتراض من عدة دول واقترضت أيضاً من الداخل لغرض توزيع رواتب الموظفين، وهذه الحالة يمكن أن تتكرر مع دخول فصل الصيف وانخفاض الطلب على النفط أو التوصل إلى حلٍّ فيما يخص الأزمة الأوكرانية أو حتى رفع العقوبات عن إيران وتوقيع الاتفاق النووي معها، وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية؛ إذ لا يمكن ربط مصير بلد بإنتاجه من النفط والاعتماد عليه بشكلٍ كلي لتوفير الواردات للبلد.
الإفلاس السياسي وغياب الحلول
للعراق موارد لا يمكن حصرها لو تم استغلالها بالشكل الصحيح وسياسة الأحزاب الحاكمة وسيطرة إيران من خلال هذه الأحزاب على القرار العراقي أوصل العراق إلى ما وصل إليه اليوم وجعل منه بلداً استهلاكيّاً لا ينتج حتى غذاء شعبه في الوقت الذي تحاول فيه كل الدول تقليل الاستيراد؛ ولذلك أمثلة كثيرة من أهمها الغاز الطبيعي؛ فالعراق يمتلك احتياطيّاً لا بأس به من الغاز الطبيعي ومن الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط، وللأسف فهذا الغاز يتم حرقه دون الاستفادة منه، والمضحك المبكي في الأمر أن العراق يحرق من الغاز أكثر مما يستورد، وهذا يعني أنه قادر على سد حاجته من الغاز الطبيعي لو تم إنشاء مشروعات، وبنى تحتية بالشكل الصحيح، والسبب يعود بالأساس إلى من يحكم العراق منذ 2003 وحتى الآن، فهذه الأحزاب لا يوجد لديها أي برامج تطوير أو بناء، وهمها الأول والأخير هو مصالح إيران، ومستعدة لتدمير العراق كليّاً إرضاءً للولي الفقيه.
وكمثال آخر، فأغلب الأحزاب الحاكمة لم تتمكن من حل مشكلة الكهرباء المستعصية منذ 19 عاماً، رغم أن العراق صرف أكثر من 90 مليار دولار عليها، والسبب طبعاً المحافظة على عقود تصدير الكهرباء الإيرانية للعراق والفساد وسيطرة الأحزاب وميليشياتها على وزارة الكهرباء وباقي الوزارات التي تعاني هي الأخرى من الآفات نفسها.
إن المصير المؤسف الذي وصل إليه لبنان سيكون ذاته مصير العراق، وستعجز الحكومة عن تسديد ما بذمتها من التزامات تجاه موظفيها بمجرد انخفاض أسعار النفط، وهذا ما تعمل عليه الدول الغربية بجهود حثيثة، قد يكون العراق ثمناً لها فيما لو اضطرت إلى رفع العقوبات عن إيران وتوقيع الاتفاق النووي معها رغم اشتراط إيران رفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية وهو ما سيعود بالضرر على الوضع الأمني في العراق واستفحال الميليشيات داخله بشكلٍ أكبر مما يسرع في عملية انهيار العراق بالكامل.
ما أكتبه هنا ليست قصةً من قصص الخيال؛ لكنه واقع مؤلم يعيشه الشعب العراقي في ظل وجود هذه الأحزاب، وانعدام الولاء الحقيقي للوطن وتغليب مصلحة إيران على مصلحة العراق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.