قال الله في كتابه العزيز: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (سورة البقرة: الآية 183)، وهناك آيات أخرى تتكلم عن أفضلية شهر رمضان، وأحاديث نبوية تصب في نفس المقام.
فالغاية من الصوم هي تقوى الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحة، سواء في رمضان أو غير رمضان.. لكن الآية هنا جاءت لتؤكد على أفضلية هذا الشهر والعمل الطيب فيه من الأحرى كي تُغفر ذنوبنا وتُرفع درجاتنا بفضل الأعمال الصالحة الطيبة التي تبعث على الفضيلة وتحث على العبادة وتقدم دروساً مستفادة لنا.
لكنّ الأمر أصبح مقلوباً، فشهر رمضان بالنسبة للفنانين والفنانات أصبح "أوكازيون" لعرض أعمالهم الفنية دون الالتفات عما إذا كانت تناسب قيم وتقاليد المجتمع أم لا! ما يهم بعضهم- إن لم يكن الكثير منهم- أن يطل على الجمهور من خلال الشاشة بأي عمل سواء كان هادفاً أم لا، خادشاً للحياء أم لا، يبني قيماً مجتمعية وخلقية ودينية أم لا!
نشرت صحيفة "المصري اليوم" أن النائب هاني العسال، عضو مجلس الشيوخ، طالب الدولة بضرورة تشديد الرقابة على الأعمال الفنية والدرامية التي سوف يتم بثها خلال شهر رمضان المُعظم، والتأكد من مراعاتها للقيم والتقاليد والأخلاق الحسنة في المسلسلات والبرامج المُقرر عرضها.
وطالب النائب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالقيام بهذا الأمر للتأكد من خلو الأعمال الفنية التي تعرض من مشاهد تُحفز على العنف والكراهية سواء من المسلسلات أو البرامج، وطالب أيضاً باتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد كل الأعمال الدرامية التي لا تلتزم بالقيم والعادات والتقاليد.
ليس العسال وحده الذي يريد ذلك، بل هناك مئات الآلاف وربما الملايين الذين يرغبون في هذا الأمر، فقد كثرت الأعمال الدرامية في الآونة الأخيرة التي لا تراعي القيم والعادات، ورأينا وسمعنا عبارات، ومشاهد، وحوارات، وبعض سيناريوهات لا تتماشي مع ثقافتنا الإسلامية والعربية، وقيمنا، وأخلاقنا، وخادشة للحياء.
بل إن الأمر أصبح مبالغاً فيه جداً، من حيث عدد الأعمال الفنية التي تعرض في رمضان وكم الأموال التي تنفق عليها من قبل شركة "المتحدة" في حين أن المجتمع يمر بظروف اقتصادية صعبة جداً في ظل ارتفاع الأسعار وزيادة معدل البطالة وانخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار وعدم وجود فرص عمل للشباب… إلخ.
مطلب العسال- الذي يؤيده فيه الكثير- لهو من الأهمية القصوى والضرورة الملّحة لدراسته الآن أكثر من أي وقت مضى وتنفيذه والعمل به، فضلاً عن وجود أجهزة الدولة لمراقبة الأعمال من حيث المحتوى وعدد الأعمال التي تُعرض وتوفير جزء من هذه الأموال، فهناك من الأعمال الأدبية المشابهة في مضمونها ومحتواها تعرض- خاصة في هذا الشهر- ولا تقدم جديداً، فضلاً عن احتوائها على بعض المشاهد والحوارات المحرجة والتي تحتوي على عبارات وألفاظ وإيحاءات خادشه للحياء!
لم يفرض الله -سبحانه وتعالى- الصوم في شهر رمضان من أجل التسالي أو تضييع الوقت، فقد فرضه للعبادة والتقوى والتضرع إليه، ولا مانع من أن يروّح المرء عن نفسه من خلال مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى المذياع أو تصفح الإنترنت من أجل إعادة شحن طاقته وهمته واستئناف النشاط والعمل والجد والاجتهاد.. بيد أن هذا لا بدَّ أن يكون متماشياً مع أهداف ديننا الحنيف وثقافتنا العربية والإسلامية الغرّاء التي تحث على القيم والمثل العليا ونبذ العنف والألفاظ البذيئة والمشاهد غير المقبولة.
علينا أن نرتقي ونسمو كي تسمو أخلاقنا ومجتمعاتنا وننشد البناء والتقدم في ربوع المجتمع.. كانت مصر ولا زالت سبّاقة في كثير من المجالات منها الفن، لكن في الآونة الأخيرة لاحظنا بعض مشاهد وموضوعات فنية لا تناسب ثقافة مجتمعنا ولا أعرافنا، ولا تضيف لنا إلا سفهاً وانحداراً ثقافياً وقيمياً وأخلاقياً بزعم أنها تعالج مشكلات في المجتمع في حين أنها تزيد وتعقد المشكلات داخل المجتمع.
الأمر لا يتعلق في شهر رمضان فقط، بل في كل الأوقات، لا بد عن التصدي لكل ما هو يسعى لهدم القيم والثوابت الدينية والأخلاقية.
نتمنى أن يجد هذا المطلب قبولاً وتنفيذاً من الدولة ومن الشارع أيضاً، الذي يكون رأيه مهماً ونافذاً طالما أنه يتسق مع جوهر ثقافتنا وأعرافنا وأخلاقنا.
ما زالت هناك فرصة في الأيام الأخيرة في رمضان لمن لم يغتنم الوقت في هذا الشهر، بقى عدة أيام نستطيع أن نعوض فيها ما فرّطنا فيه.. لعل الله أن يرحمنا جميعا ويجعلنا من عتقاء رمضان، اللهم آمين.
كل عام وأنت بخير، تقبل الله طاعتكم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.