هل يمنع الحيضُ المرأةَ من مس القرآن وتلاوته حقاً؟ ما لا تعرفه النساء المسلمات

تم النشر: 2022/04/19 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/19 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش

في كل عام وفي رمضان كثيرات يسألن عن "حكم قراءة الحائض للقرآن"، وحين يسمعن أنه يجوز، نجد بعضهن لا يصدقن (أنه يمكنهن قراءة القرآن وهن في الحيض)، فتحدث مناقشات ومناوشات على وسائل التواصل ويقع كثير من النساء في الحيرة وعدم الاقتناع لهذه الأسباب:

1- ما لقنوه لنا خلال نشأتنا الأولى، ونحن صغيرات أنه "حرام"، ولا شك أن أي معلومة قديمة، في أي باب، ترسّخ وتثبت ولو كانت خاطئة أو مرجوحة، ويصعب من بعد تغييرها.

2- التقييد الذي تتعرض له المرأة- في الأمور الشرعية- أكثر من شقيقها الذكر، فصار الاعتقاد بأن للمرأة فتاوى خاصة في أكثر الأمور التعبدية، وأن الأصل "المنع أو الشروط" في حقها، حتى يثبت العكس.

3- لأن جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة نصوا أنه لا يجوز للحائض قراءة القرآن، فنقل النووي: "مذهبنا أنه يَحْرُمُ على الجنب والحائض قراءة القرآن، قليلها وكثيرها، حتى بعض آية، وبهذا قال أكثر العلماء (المجموع 2/ 182)"، وخالف المالكيَّة وأجازوا القراءة لها.

4- كثير من أهل العلم ألحقوا الحائض بالجنب، ومن هنا جاء المنع، ورد عليهم علماء آخرون فقالوا: هذا القياس غير صحيح؛ لأن حالة الحائض والنفساء غير حالة الجنب، الحائض والنفساء مدتهما تطول وربما شق عليهما ذلك وربما نسيتا الكثير من حفظهما للقرآن الكريم. أما الجنب فمدته يسيرة، ومتى فرغ من حاجته اغتسل وقرأ.

وهكذا حُرم كثير من النساء دهراً من قراءة القرآن ومن إتمام الختمة ومن التعلم، حتى رجع ابن تيمية لقول ابن حزم، مؤكداً ومنبهاً أنه لا يوجد أي دليل على منع الحائض من القراءة، سوى حديث واحد: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن"، وهو ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة. ولذلك جاء بالمغني (ج1-ص106): "من العلماء من قال بالكراهة وليس التحريم".

ولقد تبين في مسألة "قراءة الحائض للقرآن" أنه "لا يوجد أي دليل صحيح على المنع، وبالتالي يجوز للحائض أن تقرأ". وقد رجّح هذا القول الشوكاني، وقال به من المعاصرين القرضاوي، وبه يفتون في السعودية، فيقولون: "لا بأس ولا حرج أن تقرأ المرأة وهي حائض أو نفساء ما تيسر من القرآن، والقراءة مسموحة سواء كانت من حفظها أو من الهاتف وما شابهه من الوسائل الإلكترونية أو من المصحف المترجم أو التفاسير (لأنه لا يأخذ أحكام المصحف الورقي المعروف، ولا يسمى قرآنًا)".

ورغم التأكد من ضعف الحديث، ورجوع فقهاء كبار على الفتوى القديمة، ما زال هناك من يقول "الأفضل عدم القراءة أثناء الحيض خروجاً من الخلاف"! وإن تبيان الحق والرجوع للصواب هو الأجدى، خاصة وأنه لم يصح عند البخاري أي شيء من الأحاديث الواردة في منع الحائض من قراءة القرآن.

وروي عن مالك: "للحائض القراءة دون الجنب لأن أيامها تطول، فإن منعناها من القراءة نسيت"، وقال ابن تيمية (مجموع الفتاوى ج21 ص410): "لا يجوز للجنب قراءة القرآن ويجوز للحائض، إما مطلقاً أو إن خافت النسيان، وهو مذهب مالك وقول في مذهب أحمد وغيره.

 فإن قراءة القرآن للحائض لم يثبت أي شيء في منعها، ومعلوم أن النساء كن يحضن في عصر النبوة ولم ينهين عن قراءة القرآن، فعُلم أن الحائض يرخص لها ما لا يرخص للجنب".

ونتمنى من المجامع الفقهية المتابعة مع فتاوى المرأة والمراجعة عليها، خاصة تلك التي اعتمدت على أحاديث ضعيفة، أو اجتهاد، أو التي تغير زمانها وظروفها. والحمد لله أن هذا قد بدأ، وتمت مناقشة عدة مسائل، ولكن ما زال هناك المزيد والكثير، ونتأمل أن ينظر فيه في وقت قريب.

والخلاصة

الدورة الشهرية لا تمنع من القراءة؛ فمن أرادت أن تتم ختمتها وتتعبد بتلاوة القرآن فلها ذلك.

وأما حكم مس المصحف للحائض فهو منفصل عن حكم قراءة القرآن، وإن هذه القضية تشدد فيها الجمهور ومنعوها، واستدلوا: باشتهار هذا الحكم بين الصحابة والتابعين، حتى كاد يقع الإجماع على ذلك، وأقوالهم في ذلك لها حكم الرفع (من مصنف ابن أبي شيبة، باب: الرجل على غير وضوء والحائض يمسان المصحف 2/ 256).

وحَرَّموا لمس المصحف على الحائض إلا بحائل؛ والحائل هو: "قفازات" تلبسها بيديها لتمسكه، أو "تجعل بينها وبينه منشفة أو أي شيء"، واعتبروا غلاف المصحف جزءاً منه، فلا يجوز مسه أيضاً.

وإن مس المصحف بحائل شاق وصعب، خاصة عند قلب الصفحات، فقد تتمزق أطرافها أو تتجعد، وقد ينزلق المصحف ويقع بلا قصد ولذا أنصحكِ بمصحف معه تفسير (ولو كان فقط تفسير كلمات)، فهو حلال لوجود الكلام مع الآيات، أو القراءة من الأجهزة الإلكترونية.

هذا مع العلم أن هناك 3 فتاوى، أباحت لمس المصحف مباشرة للحائض ومن دون حائل:

الأولى– بعض أهل العلم أجازوا للحائض مس المصحف- بلا حائل- فقط بقصد التعلم والتعليم (لا لمجرد التلاوة وابتغاء الأجر)، قاله الدردير في شرحه لمختصر خليل: ولا يمنع مس، أَوْ حَمْل جُزْءٍ، بَلْ وَلَا كَامِلٍ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمُتَعَلِّمٍ، وَكَذَا مُعَلِّمٍ عَلَى المعتمد، وإن بلغ، أو حائضاً، لا جنباً.

وهذه الفتوى مشروطة ومحددة: بالتعلم والتعليم، فقط.

الثانية– ومنذ كنت في دمشق -حوالي 1979- أصدر الألباني فتواه التي أثارت جدلاً ورُد عليه، وضعفوا رأيه، رغم أنه استند لدلائل قوية (ولذلك تبناها بعضهم) وخلاصتها:

الحائض والنفساء طاهرة، ولا نحرم عليها شيئاً لم يحرمه الله؛ فتمس كلام ربها بلا حائل، وتقرأه تعبداً، وتسجد للتلاوة، لحديث "المؤمن لا ينجس حياً أو ميتاً". ومن يقول بالحرمة فليأت بالدليل الصحيح الثابت، فالفتوى لا تكون بالتورع، والرسول ما ترك شيئاً إلا وبينه، فكيف يدع مسألة قد تورد المرأة النار؟ وفي الحديث الصحيح الصريح قال فقط: "أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ولم تطف بالبيت"، ولم يقل: "ولم تمس المصحف ولم تقرأ القرآن"، وقال لعائشة "حيضتك ليست في يدك"، و"افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت"، والحاج يتلو القرآن ويذكر الله..

وأما الآية "لا يمسه إلا المطهرون"، فلا دلالة فيها لأن الضمير يعود على اللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة لأنها اسم مفعول، أما نحن فمتطهرون اسم فاعل.

وهذه الفتوى موجودة ومثبتة على النت في موقعه، وهي تبيح للحائض لمس المصحف مطلقاً (وليس فقط للتعلم)، وكان هناك من استنكرها ورد عليها.

الثالثة– ذهب جماعة آخرون من أهل العلم إلى جواز مس الحائض للمصحف، وهو قول المزني صاحب الشافعي وداود وابن حزم الظاهريان، واحتجا بأن: "المؤمن لا ينجس (البخاري ومسلم)". وأما حديث "لا يمس القرآن إلا طاهر" فقالوا هو "مرسل" ولكن ولو صح، فإن كلمة طاهر، لفظ مشترك يطلق على "المؤمن" وعلى "الطاهر من الحدث الأكبر"وصرفه إلى الحيض يحتاج لدليل، ولا يصلح للاحتجاج (والتفصيل في نيل الأوطار 1/243)، والله أعلم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد