أن تتعامل مع شخص نرجسي فهذا يعني أنك أمام شخص استغلالي لا يبالي بالآخرين، ولا يعترف بمشاعرهم، أو ظروفهم، وكل ما يهمه هو مصلحته فقط، ومشاعره الخاصة، كما أنه لن يعرف أبداً أنك تعاني، إلا إذا بدأ هو في المعاناة.
ترزح كثير من مجتمعاتنا تحت كمّ هائل من أمراض اجتماعية كانت المسبب الأكبر في تدني حالتها، فالمجتمع كائن حيٌّ يصحُّ ويقوى، يمرض ويضعف وقد يموت، وإن الأمراض الاجتماعية أشدُّ خطورة من الأمراض الصحيّة، لأن الأمراض الصحية غالباً أعراضها واضحة وكذلك علاجاتها، وأكثرها لا ينتشر، أما الأمراض الاجتماعية فهي من أخطر الأمراض، إذ لا عوارض فردية واضحة لها، فليس هناك إمكانية للتنبّه لها ومعالجتها قبل تحقق الضرر الناتج عنها.
وتتخفى الأمراض المجتمعية تحت صور شتى ويصعب وصف العلاج لها ولا يعترف أصحابها بها غالباً. وواحد من أخطر الأمراض التي أصيبت بها مجتمعاتنا "النرجسية"، وهو داء فتاك أصاب أعداداً هائلة من أفراد مجتمعنا.
من هو النرجسي؟
هي شخصية ناتجة عن حالة عقلية تعطي شعوراً لدى الشخص المصاب بالأهمية الزائدة في المجتمع، ويكون دائماً في حاجة إلى الإعجاب والاهتمام المفرط من الآخرين، كما أنه يفتقد الشعور بالآخرين ويحاول التقليل من المواهب والإنجازات التي يقوم بها الأشخاص الآخرون.
"أعراض النرجسي"
يمكن للأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب النفسي أن يتسموا بالتالي:
شعور مبالغ به بأهمية الذات.
شعور بأحقيتهم في التميز عن غيرهم والحاجة إلى أن يكونوا محط إعجاب مفرط باستمرار.
يتوقعون الاعتراف بتفوقهم دون تحقيق إنجازات تستحق ذلك، المبالغة في استعراض إنجازاتهم ومواهبهم.
احتكار الحديث والتقليل من شأن الأشخاص الذين ينظرون إليهم على أنهم أقل شأنًا أو ازدراؤهم.
الإصرار على الحصول على أفضل الأشياء دوماً- على سبيل المثال، أفضل سيارة أو مكتب، وبالوقت نفسه، يجد الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية صعوبةً في التعامل مع أي ما يعدونه نقداً.
الانشغال بأوهام حول النجاح، والقوة، والتألق، والجمال، أو إيجاد شريك حياة مثالي.
الاعتقاد بتفوقهم وبأنه لا يمكن أن تجمعهم علاقة إلا بشخص يتمتع بالقدر نفسه من التميز.
يتوقعون أن تكون لهم الأفضلية دوماً، مع امتثال الآخرين المطلق لرغباتهم.
يستغلون الآخرين للحصول على ما يريدون.
يعجزون أو يرفضون فهم احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
يحسدون الآخرين، ويعتقدون أن الآخرين يحسدونهم كذلك.
التصرف بأسلوب متعجرف أو متغطرس ومن ثم يبدو عليهم الغرور، والتبجح والتفاخر.
وقد يتسمون بالتالي:
ينفد صبرهم أو ينتابهم الغضب عندما لا يتلقون معاملة خاصة.
يواجهون مشاكل كبيرة في العلاقات الشخصية ويشعرون بسهولة بالإهانة.
الاستجابة لذلك بالغضب والازدراء ومحاولة التقليل من شأن الآخرين ليبدو كما لو أنهم يتمتعون بالتفوق.
يجدون صعوبة في ضبط مشاعرهم وسلوكياتهم.
يواجهون مشاكل كبيرة في التعامل مع الضغوط والتكيف مع التغيير.
يشعرون بالاكتئاب والمزاجية لأنهم لا يستوفون الكمال.
يضمرون شعورًا بعدم الأمان، والخزي، والضعف والمذلة.
خطورة الشخصية النرجسية:
قد تشكل الشخصية النرجسية خطورة على الشخص المصاب بها، حيث قد يتعرض إلى بعض المضاعفات ومنها:
وجود مشكلات في العمل أو الدراسة. التعرض إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب. عدم القدرة على القيام بعلاقات شخصية. قد يتعرض إلى بعض الأفكار الانتحارية. الإدمان على المخدرات أو الكحوليات. اضطراب الشخصية الحدي مرض يقود للانتحار.
خدع خبيثة يستخدمها النرجسي مع ضحاياه:
اختراق الحواجز والحدود الشخصية للضحية لتصير تابعة له.
يمنعك من التعبير عن مشاعرك من خلال لعب دور الضحية.
تضخيم أخطاء الضحية والتقليل من أخطائه.
تحطيم الآخر وتحقيره عبر تسخيف نجاحاته، والتقليل من شأنه واستصغاره.
التهرب من المواجهة، وتحميل أخطائه للآخرين، "عدم الاعتراف بالخطأ".
كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية:
يجب أن نفرق جيداً بين "فن التعامل مع النرجسي" و"آلية علاجه"، فنحن لن نستطيع علاج النرجسي إلا إذا كنا من أهل الاختصاص، وللحفاظ بقدر ما على توازنك النفسي هذه بعض الخطوات للتعامل مع المصاب بحب الذات المفرط وتضخم الأنا "النرجسي":
التجاهل: تتأكد أهمية فن التجاهل مع هذا النوع من المرضى، عندما يتحدث الشخص النرجسي عن "مزاياه وبطولاته" فمن الأفضل تجاهله تجنباً للصدام معه، إلا إذا تعدى حدودك الشخصية.
حماية حدودك الشخصية وأمانك الشخصي، لأن النرجسي يحترف كسر حواجز ضحاياه عبر حصارها وخنق تفكيرها والتعدي على حدودها، لذلك يجب التأكيد على حماية (حريتك وكرامتك ومشاعرك وخصوصياتك) من هجمات النرجسي.
يفضل تجنب التعامل مع الشخصية النرجسية بشكل يومي، وإذا كان لا بد فيجب عليك الابتعاد عن ذكر عيوبه بشكل دائم " تجنب المواجهة".
عليك بجعل المريض بالنرجسية يشعر بالحب والاحترام، والعمل على تجميل العلاقة حتى لو تم ذكر بعض العبارات كذباً.
عليك بالبقاء هادئاً عندما يحاول الشخص النرجسي فرض سيطرته على من حوله "احذر أن يستفزك النرجسي وابق هادئاً".
من صفات الشخصية النرجسية أنه يحاول التقليل من الآخرين وعدم الاعتراف بأخطائه، ولهذا عليك عدم التقليل من شأن نفسك في محاولة لإرضائه.
هذه بعض إرشادات ونصائح عامة إذا كان لا بد من التعامل مع النرجسي في العمل أو المدرسة أو الجامعة أو في أي مكان آخر غير البيت، فماذا إذا كان النرجسي واحداً من المقربين وكان لا مفر من التعامل معه يومياً؟
شريك حياة نرجسي!
الزواج من شريك حياة نرجسي أمر صعب للغاية، لأن النرجسي غالباً لا يرى سوى نفسه، ولا يتعامل مع شريكه على أنه شخص آخر منفصل، لكنه يتعامل معه من خلال نظرته ورغباته ومشاعره وتقلباته هو، فهو يركز على نفسه فقط، دون النظر إلى الشخص الآخر.
وفي كتابه "علاقات خطرة"، يصف الدكتور محمد طه، استشاري الطب النفسي، بأن العلاقة مع النرجسي من أخطر العلاقات، ويعد استمرار الحياة مع شخص نرجسي، أمراً صعباً، لكن بعض العلاقات لا يمكن قطعها، لذا إليك الدليل للتعامل مع الشريك النرجسي:
1- اعترف لذاتك بأنك موجود وجيد وتستحق الكثير من المحبة والاهتمام، هذه هي الخطوة الأولى في دليل التعامل مع الشريك النرجسي، لأن من دونها سيتمكن شريكك من تحطيم دفاعاتك ويدفعك للاكتئاب والعزلة وانعدام ثقتك بذاتك، لأن من أساليب النرجسي كما ذكرنا "تحطيم الآخر وتحقيره".
2- ضع للأمر حدوداً، وأخبر شريكك بما لا تتقبله في العلاقة، وأن عاقبة كسره لحدودك ستكون وخيمة.
3- لا تترك له فرصة للإيذاء، فبعض النرجسيين لديهم ميل للإيذاء البدني، ولا تتردد في قطع العلاقة إذا وصلت لهذا الطريق ونفدت محاولات الإصلاح.
4- إذا كنت تريد الحفاظ على العلاقة، فلا بد أن يكون لديك خط دفاعي صحيح، يضمن لك أن تشعر بقيمة ذاتك، بحيث تضمن ألا تفقد احترامك لذاتك، (اصنع شبكة أمان لنفسك من الأهل والأصدقاء).
5- الشخص النرجسي دوما يهتم بصورته الخارجية، اجعله دوما يشعر بأنه مهدد بأن صورته ستهتز إذا لم يستجب لك.
6- لا تخجل من الاعتراف لنفسك بتغير مشاعرك تجاهه، وإذا كان وضعت في موقف مكاشفة مع شريكك، فلا تخش من الاعتراف له بهذا التغيير، دون القلق من أن يتسبب ذلك في ضرر لمشاعره.
7- الآخرون لن يتفهموا مشاكلك، ففي الغالب ليست هناك مشاكل واضحة، وأذى ملموس، كما يعتقد معظم الأهل والمعارف عن أشكال الأذى، فما تشعر به من تقليل وتهوين وازدراء، لن يشعر به الآخرون، فلا تعتمد على أحد.
8- التمكين، هو الآلية الأولى للمواجهة إذا أردت أن تتخذ موقفاً ضد النرجسي، فعليك البحث في هدوء وصمت عن أسباب لتمكينك من البدء في حياة جديدة بعيدة عنه -إذا تعذر التوافق- وإذا وصلت لذلك، فأنت قد ملكت زمام أمرك.
9- تغيير الشخصية النرجسية أمر في غاية الصعوبة، وربما يكون مستحيلاً، لذا لا تعتمد على ذلك، ولا تفكر كثيراً في هذا الأمر.
خلاصة:
اضطراب الشخصية النرجسية- أحد الأنواع المتعددة لاضطرابات الشخصية- هي حالة نفسية يتملّك المريض بها شعور مبالَغ فيه بأهميتهم فضلاً عن حاجة عميقة إلى زيادة الاهتمام والإعجاب، واضطراب العلاقات، وانعدام التعاطف مع الآخرين، ولكن خلف هذا القناع من الثقة المبالَغ فيها، تكمن ثقة هشة بالنفس تجعله عرضة لأقل قدر من الانتقاد.
كما يسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشاكل في عدة مجالات حياتية، مثل العلاقات أو العمل أو المدرسة أو الشؤون المالية، قد يكون أصحاب الشخصيات النرجسية غير سعداء بوجه عام ويصابون بالإحباط عندما لا يُلقى لهم بال أو إعجاب خاص هم يرون أنهم يستحقونه، كذلك يُحتمل ألا يشعروا بالرضا عن علاقاتهم، وربما لا يستمتع الآخرون بالتواجد حولهم.
إنه ليس من التشاؤم ولا من اليأس أن نتجنب التعامل مع النرجسي بل ذلك من الحكمة والتعقل ولا يتعارض هذا مع كون الإنسان في هذه الحال موصول الرجاء وموفور الأمل بعلاجه، داعين المجتمع بكل أفراده ومؤسساته لإعداد الخطط والعمل بجهد جبار على مساعدة النرجسي وعلاجه؛ لأن علاجه علاج للمجتمع كله، وإن شفاءه سيعود بالخير عليه وعلى الأفراد والمجتمع والوطن قوامين بالسعي والأخذ بأسباب الفلاح والنجاح، والتخلص والفرار من أسباب الفشل والخسران.
وفي الختام: لا يكمن الحل بالمغادرة دائماً وترك المريض وهدم الأُسر، ويجب أن نتنبه لذلك جيداً فالأسرة المترابطة هي أساس المجتمع السليم، وعلينا أن ندرك أننا لسنا بصدد علاج النرجسي، لأن علاجه يتطلب أخصائيين، وإنما نحاول أن ندرس آلية التعامل معه وفق دليل شامل وأسس علمية صحيحة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.