یواصل النظام العالمي انهياره من دون أن يُولَدَ بعد النظام العالمي الجديد، أو عالم موازٍ سيرى النور عاجلاً أم آجلاً، ونأمل بأن يكون أفضل من سابقه، عالم يولد من رحم المعارك الدائرة في أوكرانيا، ونهاية أوجاع وباء كورونا.
نعيش في عالم ظالم وحشي استغلالي يسعى فيه الأقوياء المتحكمون وراء الأرباح والسلطة فقط. کذلك ستتشكل خریطة سیاسیة جديدة لعالم متعدد الأقطاب، عالم أصبح منذ زمن بلا قيادة، تسوده شريعة الغاب. فمنذ سنوات، وتحديداً منذ هبوب رياح التطرف، هذا التطرف والإرهاب الدولي من قبَل الجماعات أو من المحافظين الجدد والليبرالية الجديدة المتوحشة والتيارات اليمينية الشعبوية في أمريكا وأوروبا، والعديد من بلدان العالم، التي حملت مؤخراً دونالد ترامب وبايدن وبوتين وغيرهم إلى سدة الحكم، استكمل هذا التيار تنفيذ الانقلاب على النظام العالمي القديم الذي حكم العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدأ ينهار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحل محلّ النظام ثنائي القطبية نظام أحادي القطبية تحت سيطرة الولايات المتحدة.
ثم تبنَّى هذا النظام العولمة التي حولت العالم إلى "قرية صغيرة" تحت قيادته، وانتهى بعد أن بدأت الأرض تتسع من تحت أقدامه إلى الانقلاب عليها طارحاً الحميّة، التي جعلت شعارات مثل "أمريكا أولاً" هي الأولوية، أما بقية العالم فليذهب إلى الجحيم والهاویة.
وأمام تراجع دورها العالمي، تسعى الولايات المتحدة بكل ثقلها لوقف بزوغ وتزايد إرهاصات نشوء ثنائية أو تعددية قطبية. فتقدم الصين، تحديداً، يمثل تهديداً متزايداً للسيطرة الأمريكية الانفرادية بعد أن حققت الصين في العقود الماضية ما يشبه المعجزة بتقدمها الهائل، إذ باتت تهدد الولايات المتحدة بفقدان سيطرتها الانفرادية على العالم. لذا، عملت واشنطن قبل ترامب، وتعمل بعده بصورة أشد، على وقف زحف التنين الأصفر، وستعمل كل ما تستطيع لوقف هذه العملية.
فلا بد من عمل للحفاظ على البشرية وتقليل الخسائر، من تعاون عالمي لم يتوفر حتى الآن. فهذه الحرب الدائرة الآن هناك احتمال أن تنتقل إلى أماكن أخرى تهدد الجميع دون تمييز، فتداعيات الأزمة الاقتصادية تعصف بشعوب بعيدة عن الإطار الجغرافي للعمليات العسكرية في شرق أوروبا، ولكن سيحاول أطراف النزاع استغلال عواقب الأزمة العالمية الناجمة لمصلحتهم. هذه الأزمة الضخمة، هي في الوقت نفسه فرصة كبيرة للاعبين الرئيسيين في العالم، لتغيير النظام العالمي، أو الحفاظ عليه.
ستراهن الولايات المتحدة على الحفاظ على النظام العالمي القائم. فهي لن تتخلى عن الإملاء القاسي. وهذا يمكن رؤيته من خلال الطريقة التي تتصرف بها في خضم الأزمة، علاوة على ذلك، ستواصل واشنطن استغلال الحرب الأوكرانية في كل ما يخص لعبتها الكبيرة مع روسيا وكذلك مع الحرب الاقتصادية مع الصين.
ينطبق على ما نراه اليوم ما أشارت إليه الدراسات المستقبلية، وتحديداً منهجية السيناريوهات، من احتمال وقوع سيناريو يطلق عليه بعض العلماء "سيناريو عالم متعدد الأقطاب"، وهو قليل الاحتمال، أو حتى نادر الحدوث، احتمالية حدوثه لا تزيد على 5%، ولكنه إذا حدث يُحدث تغييراً كبيراً، لكنه مجهَض حتى الآن في حالة أوكرانيا. وبالتالي، فإن عالم ما بعد انتهاء الحرب سيكون مختلفاً عمّا قبله، وخصوصاً بظهور لاعبين جدد في الصراع.
مسألة أخرى هي أن قدرة الولايات المتحدة على شن هجوم على الصين إذا شنت حرباً على تايوان ستكون محدودة للغاية في المستقبل القريب، وقد تكون العواقب على الاقتصاد الأمريكي أكثر خطورة بكثير مما هي على الصين التي بدأت في التعافي من تداعيات وباء كورونا على اقتصادها.
وإن تعاظم قوة الصين وضعف الولايات المتحدة كان سيحدث من دون الأزمة الحالية. فهذا هو الاتجاه الرئيسي في العقود الأخيرة. لكن المواجهة المتزايدة بين القوتين الروسية والأمريكية وصلت مؤخراً إلى نقطة مهمة، فقد أصبح واقعياً الانتقال إلى مواجهة مفتوحة على جميع الجبهات، العسكرية والتجارية إلى المواجهة الإقليمية.
وهذا يعتمد الكثير على روسيا في حربها الآن؛ لأن المعركة الأمريكية الصينية مجرد جزء من "الحرب الجيوسياسية" العامة. فلن تلعب روسيا الورقة الأمريكية الصينية، لكنها يمكن أن تعمل كعامل استقرار في حال تفاقم الصراع بين واشنطن وبكين. والتي تلعبه بكين الآن وفقاً لنتائج الحرب، والآن، في زمن الحرب، لا أحد يريد ولا يمكنه الاتفاق على أي شيء جدي.
إن التحدي التاريخي الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال حروب في مناطق مختلفة من العالم، فيبقى الوضع بلا نظام عالمي قديم ولا جديد، بل نظام مشوّه بين النظامين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.