طلب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من المحكمة العليا للبلاد تشكيل لجنة للتحقيق في مؤامرة أجنبية مزعومة لإسقاط حكومته.
في قلب الأزمة السياسية الحالية في باكستان توجد رسالة وصفها رئيس الوزراء عمران خان بأنها دليل على تواطؤ المعارضة في البلاد مع قوة أجنبية للإطاحة بحكومته. وبناء عليها طلب عمران خان من الرئيس عارف علوي الأسبوع الماضي حل المجالس النيابية والدعوة إلى انتخابات جديدة، مما دفع الدولة المسلحة نووياً إلى حافة الانهيار السياسي.
كان من المفترض أن يواجه عمران خان في ذلك اليوم معركة برلمانية طاحنة ضد المعارضة التي تحاول حجب الثقة عنه، حيث ادعى تحالف أحزاب المعارضة أنه يمتلك الأصوات الكافية لحجب الثقة عن رئيس الوزراء والإطاحة بحكومته.
ولكن قاسم سوري، نائب رئيس الجمعية الوطنية، وعضو حزب "الإنصاف" الذي يرأسه عمران خان، لم يسمح بإجراء التصويت واعتبره غير دستوري، قائلاً إنه تم التخطيط له بناء على طلب من قوة أجنبية.
قبل ذلك، زعم عمران خان وجود رسالة "تهديد" له من قوة أجنبية في تجمع حاشد لأنصاره في 27 مارس/آذار في إسلام أباد، لكنه لم يعلن عن محتويات الرسالة بالكامل. ويشاع أن التهديد قادم من واشنطن بعدما تسلّم أسد مجيد، وهو دبلوماسي باكستاني في واشنطن، رسالة التهديد من دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، ونقل مجيد البرقية الدبلوماسية إلى إسلام آباد.
في باكستان، يقول الخبراء إن حكومة عمران خان كان يجب أن تتعامل مع المسألة دبلوماسياً، بدلاً من جر واشنطن إلى السياسات الداخلية الباكستانية. ويتساءلون لماذا انتظر عمران خان أسبوعين قبل الإعلان عن التهديد المزعوم؟
ولقد كان بإمكان الحكومة الباكستانية أن ترد على الفور من خلال القنوات الرسمية وتثير ضجة حول كيفية تدخل الولايات المتحدة في السياسة الباكستانية.
رفضت واشنطن ادعاء خان، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إنه "لا توجد حقيقة" في الادعاء بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حاولت زعزعة استقرار حكومة خان. وتجنب دونالد لو، الدبلوماسي الذي كان محور الجدل، التعليق على القضية. لكنه قال في تصريحات مقتضبة عندما طلب منه التعليق خلال زيارته الأخيرة للهند "نحن نتابع التطورات في باكستان، ونحترم وندعم العملية الدستورية في باكستان وسيادة القانون".
وبحسب ما ورد حاول الجيش الباكستاني القوي، الذي يتمتع بنفوذ هائل في السياسة الخارجية للبلاد، احتواء الموقف ويبدو أنه نجح في ذلك. ففي تصريح مهم، قال قائد الجيش الباكستاني، قمر جاويد باجوا، في مؤتمر أمني: "نمتلك تاريخاً طويلاً من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا".
وتُدرج الولايات المتحدة باكستان ضمن 17 دولة رئيسية حليفة للناتو والتي لديها إمكانية الوصول إلى المعدات والأجهزة العسكرية الأمريكية. ولكن الهوة بين واشنطن وإسلام أباد اتسعت في السنوات الأخيرة مع تحويل الولايات المتحدة تركيزها نحو الهند لمواجهة طموحات الصين العالمية.
ما سكب النار على الزيت، كان التقاء رئيس الوزراء عمران خان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نفس اليوم الذي عبرت فيه القوات الروسية الحدود إلى أوكرانيا. وبدلاً من تلطيف الأجواء، انتقد عمران خان المبعوثين الأوروبيين لمطالبتهم إسلام أباد بإدانة غزو موسكو لكييف، قائلاً: "هل نحن عبيدكم؟".
وكانت باكستان من بين الدول التي امتنعت عن التصويت ضد روسيا في الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت العلاقات الباكستانية الأمريكية قد وصلت بالفعل إلى الحضيض، ولن يكون للجدل الأخير حول الرسالة سوى تأثير هامشي على مستقبلهما. وقالت واشنطن صراحة إنها لا تنظر إلى إسلام أباد بذات الطريقة السابقة.
وكانت باكستان قد ساعدت في جلب طالبان الأفغانية إلى طاولة المفاوضات، مما سمح للقوات الأمريكية بالخروج من حرب غير حاسمة ومكلفة استمرت عقدين من الزمن.
وفي الوقت نفسه، يشكو المسؤولون الباكستانيون من أن الولايات المتحدة منعت عنهم المبيعات العسكرية، مثل مروحيات "T-129" الهجومية، التي تعمل بمحركات بريطانية أمريكية الصنع. وفي رأيي، قد لا يكون للجدل حول الرسالة تأثير فوري على العلاقات، لكن الأمريكيين لن يهضموا هذا بسهولة، فما فعله رئيس الوزراء عمران خان سيكون له تداعيات على مستقبله وعلى اقتصاد وسياسة باكستان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.