بغض النظر عن ملابسات كثيرة داخلية وخارجية للأزمة الباكستانية، لكن لا بد من الانتباه إلى أن تحرك رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، صوب الرئاسة طالباً منها حل البرلمانات الفيدرالية والمحلية الأربعة، والدعوة لانتخابات مبكرة عاجلة في غضون تسعين يوماً، ينسف أسس ومبادئ ومداميك الديمقراطية الباكستانية، ويُعد انقلاباً مدنياً متكامل الأركان على العملية الديمقراطية برمتها، وهي التي أوصلته إلى هذا المنصب، ليقوم فيطلق النار عليها بنفسه، ودون أي تدخل عسكري كما جرت العادة.
وهو أمر بالتأكيد يُريح المؤسسة العسكرية التي لطالما أُتهمت بالانقلابات العسكرية، فلم يعد مصطلح الانقلابات حصرياً عليها، بعد ما فعله خان؛ إذ كانت تتحمل تبعات انقلاباتها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فأتى اليوم من نفس المؤسسة الديمقراطية من يخفف عنها ويتقاسم معها العبء.
النظام السياسي الباكستاني برلماني في أساسه وجوهره، وهذا النظام هو الذي أتى بعمران خان وغيره إلى منصب رئيس وزراء، وبأصوات أعضاء برلمان منتخب شعبياً يفرح الفائز بأصواتهم بمنصبه، لكن بالمقابل حين يرى أن هذه الأصوات خطر على بقائه في السلطة، لأنها لجأت إلى حقها القانوني في نزع وحجب الثقة عمّن صوّتت له قبل 4 سنين، يلجأ رئيس الوزراء إلى الإطاحة بهم وتجريدهم من مناصبهم، والدعوة لانتخابات مبكرة!
جرأة عمران خان
وبحسب خبرتي في الساحة الباكستانية، لم يجرؤ رئيس وزراء باكستاني منتخب على ما جرؤ عليه عمران خان، في أن يحرم أعضاء الجمعية الوطنية الفيدرالية الباكستانية كلهم من حقهم هذا، بانقلاب فاضح، مما ينسف العملية الديمقراطية في باكستان، وينسف معها النظام البرلماني الذي قامت عليه باكستان، إضافة إلى أنه برّأ المؤسسة العسكرية بشكل كبير من كل ما قامت به وتقوم به من انقلابات عسكرية، فإن كان البرلماني الديمقراطي المنتخب شعبياً، لا يحترم إرادة الشعب وصوت الأمة، فلماذا يُطلب من العسكري أن يحترم من لا يحترم قواعد لعبة وضعها بنفسه، وأتت به إلى السلطة.
أدرك تماماً تعقيدات اللعبة السياسية العالمية ومنها الباكستانية تحديداً، وإرث ثمانين عاماً تقريباً لن يُحل بهذا الشكل المبسط، فقد مرّت كثير من الحكومات الباكستانية بما مرّ به عمران خان، ولم يكن موقف المعارضة الباكستانية المطالبة بإسقاطه وتنحيه شاذاً.
فقد تعرّضت لذلك من قبل معظم الحكومات التي تم إقالتها من أيام ذو الفقار علي بوتو حين اتهمهم بما اتهم به عمران خان معارضة اليوم على أنهم عملاء وأذيال لأمريكا، ومروراً بحكومات متعاقبة لبي نظير بوتو ونواز شريف، ولا أعتقد أن المسألة ستتوقف عند عمران خان، فلعبة الكراسي الموسيقية ستتواصل في باكستان، ما دامت الأحزاب السياسية تناكف بعضها، ولا تحترم قواعد لعبة ديمقراطية مارستها وأوصلتها إلى السلطة، فتطلب من شخصيات غير منتخبة شعبياً إما مؤسسات الرئاسة أو العسكر أو القضاء التدخل بينهم، فحين يتآمر المنتخبون شعبياً على بعضهم ويستعْدون المؤسسات الآخرى عليهم، فهل يمكن أن تنتظر خيراً من هذه المؤسسات، فضلاً عن مؤسسات منافسة لها في أقل الاعتبارات.
الأبعاد الخارجية للأزمة الباكستانية
البعد الخارجي لن يفهمه رئيس وزراء جديد على السلطة ودهاليزها وتفاصيلها وتشعباتها، وهو المهموم ببقائه بالسلطة، إذ إنه طوال حياته السلطوية لأربع سنوات، إما مشغول بوقف حملات ضده، أو بشن حملات ضد خصومه، أو بالإستعداد لمعارك مع هذا الطرف أو ذاك، فهل سيكون له الوقت للتعمق في معرفة القضايا الدولية وتشابكاتها، كمؤسسة عسكرية عمرها قبل تأسيس باكستان، نظراً لقوة العسكر حتى قبل الاحتلال البريطاني، وذلك منذ أيام محمود الغزنوي ثم الغوريين، ويظهر ذلك من أن الحزام العسكري الراجبوتي كما يسمى في باكستان، هو الذي استأثر بالحياة العسكرية الباكستانية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
البعد الخارجي ظهر اليوم بتهديد أمريكا الهند بعواقب خطيرة وبعيدة الأمد إن هي بقت في تحالف مع روسيا، وتحديداً فيما يتعلق بصمتها على غزو روسيا لأوكرانيا، ومعروف حجم الصفقات العسكرية الهندية مع روسيا المقدرة بمليارات الدولارات، ولو أنصتت المؤسسة العسكرية الباكستانية لمغامرات عمران خان في الاصطفاف مع روسيا، لاسيما تلك الصورة الملتقطة له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين عشية غزوه أوكرانيا والتي كانت بمثابة صورة الموت له.
وكادت أن تكون صورة موت لباكستان شبيهة بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتهديدات أمريكا لباكستان يومها، لولا أن وقف الجيش الباكستاني الذي يدرك خطورة اللعب بالنار مع أمريكا، والانحياز في هكذا لحظات حاسمة إلى معسكر معادٍ لها كالظروف الحالية، أما المناكفات في الوقت الضائع المستقطع فمباح في عالم السياسة الدولية، لكن عند حزّ السكين فالحكيم يعدُّ ويحسب، وهو ما فشل فيه غِرٌّ سياسي كعمران خان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.