تواجه سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، حيث وصل التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 17.5%، في فبراير/شباط 2022. ويعاني سكان الدولة الجزيرة من نقص حاد في الطعام وغاز الطهي، وانقطاع التيار الكهربائي متكرر، وشُوهد الناس يقفون في طوابير طويلة في العاصمة الوطنية لشراء وقود الديزل.
وتسعى الحكومة برئاسة الرئيس جوتابايا راجاباكسا إلى الحصول على خطوط ائتمان من دول مثل الهند والصين وحتى بنغلاديش، لشراء الحليب المجفف والديزل. والوضع قاتم لدرجة أن البنك المركزي مجبر على شراء النفط من إيران عن طريق مقايضة أوراق الشاي.
وكانت وسائل الإعلام قد ذكرت في وقت سابق كيف اضطرت المدارس في المقاطعة الغربية من سريلانكا إلى تأجيل امتحانات طلابها؛ لأن البلاد نفد منها ورق الطباعة، وبسبب نقص الدولار أصبح من المستحيل تمويل الواردات.
وبعد أن تضررت المجموعة المكونة من 6 أشخاص من الأزمة المالية في الدولة الجزيرة، أبحرت إلى الهند من سريلانكا. تم إنقاذهم في وقت لاحق من قبل خفر السواحل الهندي، وفي محاولة لإصلاح الوضع تقوم حكومة راجاباكسا بإغلاق السفارات، وجدولة انقطاع التيار الكهربائي، وبيع العقارات الممتازة، وتحويل الدولار الأمريكي إلى الروبية السريلانكية.
السياسات الاقتصادية الكارثية لنظام راجاباكسا
وفقاً لمحلل السياسات كيه دون فيمانغا، فإن السبب الجذري للأزمة الاقتصادية الحالية يكمن في تحرير التجارة في عام 1977. وأوضح أن سريلانكا كانت تعاني من مجموعة من العوامل، بما في ذلك العجز الكبير في الميزانية، والتخفيضات الضريبية وعدم استقرار الاقتصاد الكلي.
ورغم أن الرئيس جوتابايا راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا ألقيا اللوم على الحكومات السابقة، يعتقد الخبراء أن الأزمة الحالية هي نتيجة أخطاء السياسة التي ارتكبها نظام راجاباكسا بين عامي 2005 و2015.
وفي فترة العشر سنوات تلك، راكمت سريلانكا ديوناً كبيرة، على أمل تحويل الدولة الجزرية إلى سنغافورة. وأنفقت الحكومة ببذخ على مشاريع البنية التحتية الطموحة، ومع ذلك فشل معظمها في الحصول على استثمارات خاصة، وكان لا بد من إيقافها مثل ميناء هامبانتوتا وشركة كهرباء سيلان.
وأدى هذا إلى أزمة سياسية للحكومة التالية للرئيس مايثريبالا سيريسينا، وبعد أن واجهت سداد قرض باهظ الثمن أعادت إدارة سيريسينا هيكلة القروض إلى ديون رخيصة طويلة الأجل، وساعد ذلك كولومبو على جمع احتياطيات أجنبية تصل إلى 7.5 مليار دولار.
كما سجلت الدولة الجزرية فائضاً في الميزانية خلال فترة ولايته، ومع ذلك تغيرت الأمور بسرعة، بعد عودة راجاباكسا إلى ممرات الطاقة، واليوم ارتفعت العائدات على الديون السيادية للبلاد إلى 16% من 7%.
حظر الاستيراد والتخفيضات الضريبية
حظر غوتابايا راجاباكسا استيراد التوابل والأسمدة الكيماوية والسيارات الفاخرة، على أمل تشجيع الإنتاج المحلي وحماية احتياطيات النقد الأجنبي وزيادة الصادرات. وتجدر الإشارة إلى أن سريلانكا كانت تقليدياً دولة تعتمد على الاستيراد، وأدى الانقلاب المفاجئ في السياسة إلى مشاكل اقتصادية.
وقبل الحظر كانت الدولة تستورد سنوياً مركبات وأسمدة كيماوية بقيمة 1.5 مليار دولار و400 مليون على التوالي. وفشل الإجراء الإداري في تحقيق أهدافه. وأصيبت صناعة الملابس المترامية الأطراف في سريلانكا بالشلل، بسبب حظر استيراد الإمدادات الأساسية والمواد الخام.
وبعيداً عن حماية احتياطيات النقد الأجنبي، اضطرت حكومة راجاباكسا إلى بيع احتياطياتها من الذهب بحلول منتصف يناير/كانون الثاني من هذا العام.
وكان لدى سريلانكا أحد أدنى معدلات الضرائب غير المباشرة في العالم قبل الوباء. وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في عائدات الضرائب غير المباشرة، وانخفضت إيرادات ضريبة السلع والخدمات/ ضريبة القيمة المضافة، من 443,877 مليون روبية سريلانكية في عام 2019، إلى 233,786 مليون روبية سريلانكية في عام 2020، أي بما يقرب من 50%".
كوفيد-19 ضربة لصناعة السياحة في سريلانكا
أدت جائحة فيروس كورونا، الذي نشأ في مقاطعة ووهان الصينية، إلى تقييد الناس في منازلهم. وقد ثبت أن هذا قاتل لصناعة السياحة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في سريلانكا، حيث السياحة هي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي.
وتسبب الوباء في انخفاض إيرادات السياحة من 7.5 مليار دولار في 2019 إلى 2.8 مليار دولار العام الماضي. مثلما كان القطاع يعود إلى طبيعته، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة نكسة كبيرة، وجزء كبير من السياح الأجانب الذين يزورون سريلانكا هم من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.
ويأمل المسؤولون السريلانكيون أن تنتعش صناعة السياحة مرة أخرى وتساعد في تخفيف الأزمة الاقتصادية.
وأوضح الخبير الاقتصادي آر راماكومار أن انفجار قنبلة عيد الفصح عام 2019، الذي أودى بحياة حوالي 253 شخصاً، أدى إلى انخفاض بنسبة 18% في إقبال السياح في الدولة الجزيرة.
الزراعة العضوية ودق ناقوس الموت النهائي
خلال حملته الانتخابية لعام 2019، تعهَّد الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا بتحويل قطاع الزراعة في البلاد إلى عضوي بنسبة 100%، وفي 26 أبريل/نيسان 2021، فرض حظراً كاملاً على استيراد الأسمدة الكيماوية. وكان الهدف هو توفير تكاليف الاستيراد والبيئة في الوقت نفسه.
وتزامن الحظر مع انتشار جائحة فيروس كورونا في ووهان، وكان العديد من الخبراء قد حذروا الحكومة من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى ندرة الغذاء، ومن المثير للاهتمام أن هذه الخطوة كانت مدعومة من قبل كل من الجماعات الليبرالية والكنائس المسيحية.
وكانت سياسة الزراعة العضوية في سريلانكا كارثية، وفي معظم البلدان توقفت الزراعة أثناء الوباء. ووفقاً لصندوق النقد الدولي كان هناك "تأثير أسوأ من المتوقع لحظر الأسمدة الكيماوية على الإنتاج الزراعي".
علاوة على ذلك، تعرضت زراعة الشاي والأرز لضربة شديدة، وتقلص إنتاج الخضراوات والفلفل والقرفة بنسبة تزيد عن 30%. وبحلول الوقت الذي تدخلت فيه حكومة راجاباكسا، كان الوقت قد فات بالفعل، وفقدت الدولة الجزرية حوالي 50% من طاقتها الإنتاجية.
وفقاً لتقرير في قناة الجزيرة، أصبحت ثلث الأراضي الزراعية كامنة في أعقاب حظر الأسمدة مباشرة، واليوم تضطر سريلانكا إلى استيراد الأرز الأبيض والمسلوق من ميانمار والهند والصين، وتعتمد البلاد أكثر من أي وقت مضى على الدول الأجنبية للحصول على المواد الغذائية الأساسية التي تفوقت في إنتاجها.
والآن، مددت الهند خط ائتمان بقيمة 1.5 مليار دولار لشراء 40 ألف طن من الديزل. وفي الوقت نفسه سعت سريلانكا إلى الحصول على حد ائتماني إضافي بقيمة مليار دولار لاستيراد المواد الأساسية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.