سنوات تمضي، وظروف تتجدد، وما زال ملف النازحين في العراق دون حلول.
ملف فشلت كل محاولات المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني في أن تجد له الحلول، لهؤلاء المبعدين من أراضيهم قسراً، وهم يعانون داخل مخيمات النزوح التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الآدمية، وسط صمت دولي تجاه معاناتهم، والتي قضت على أرواح الكثيرين منهم منذ تهجيرهم أو نزوحهم بسبب الميليشيات الموالية لإيران، والتي تصول وتجول دون حساب أو قانون يعيد للنازحين بيوتهم ويعطيهم حقوقهم المغتصبة.
صور كثيرة تصل من تلك المخيمات يندى لها جبين الإنسانية، عوائل كثيرة تحاول جاهدة البقاء على قيد الحياة يوماً آخر، علّهم يجدون من يُعيد لهم أبسط حقوقهم كبشر، وأطفال فقدوا فرصة التعليم، وأصبحت حياتهم بلا ماضٍ، ولا حاضر، ولا مستقبل، مخيمات أصبحت أشبه بمعسكرات الاعتقال الإيطالية التي أُقيمت في مدينة برقة بليبيا، وحكومة أصبحت لا تقل جرماً عن الحكومات الفاشية أو النازية.
سنوات مرت منذ أن أعلن العراق الانتصار على تنظيم "داعش" الإرهابي، ومع ذلك ترفض الميليشيات عودة النازحين إلى ديارهم، إضافة إلى عمليات التهجير القسري التي قامت بها تلك الميليشيات في ديالي وجرف الصخر، بل وترفض تلك الميليشيات حتى مجرد السماح لأي شخص مهما كان منصبه بدخول تلك القرى والمناطق، وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية تابعة لها، ويجهل أي شخص في العراق ما يجري فيها.
ملف النازحين استغله بعض السياسيين، وتحوّل إلى دعاية انتخابية تستخدمها الأحزاب ومرشحوها ما قبل الانتخابات، وأصبحوا يستغلونهم، ويطلقون الوعود بعودتهم طمعاً في أصواتهم الانتخابية، دون أن يكون لتلك الوعود أي فعل على أرض الواقع بعد الانتخابات.
الحكومات المتعاقبة على حكم العراق فشلت في إيجاد حل، رغم المليارات التي يتم تخصيصها للنازحين كل عام، والتي تختفي في جيوب الفاسدين دون وصولها للمحتاجين.
صفقات سياسية وفساد كبير وراء بقاء النازحين في المخيمات والأحزاب، لن تسمح بعودتهم إلى قراهم وبيوتهم، حتى لو قضى البرد عليهم جميعاً، ليشكل هذا الملف أحد ملفات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب العراقي على يد الميليشيات الولائية والحكومات المتعاقبة.
وزيرة الهجرة في حكومة بغداد، أعلنت في فبراير/شباط 2021، إغلاق المخيمات، ما عدا المخيمات الواقعة تحت سلطة إقليم كوردستان، غير أن الحقيقة غير ذلك، وما كان هذا التصريح سوى ذرّ للرماد في العيون لإخفاء حقيقة ما يجري في تلك المخيمات.
إن محاولات طمس الحقيقة أو تجاهل معاناة النازحين هي أمر مخطط له، ولا يُسمح لأحد بالتدخل فيه لعدة أسباب: أولها أن مناطق النازحين قد تمت مصادرتها من قِبل الميليشيات التابعة لإيران، ولا يسمحون لأحد بالعودة إليها، وثانياً عودة النازحين ستقطع مصدراً مهماً من مصادر الدخل، التي تقوّي تلك الميليشيات، والكثير من السياسيين المحسوبين على السُّنة، والسبب الآخر أن الكثير من تلك المناطق غير المسموح لأحد بدخولها أصبحت تحوي رقعاً زراعية تابعة للميليشيات، وهي مصدر دخل آخر لا يقل أهمية بالنسبة للميليشيات عن أموال النازحين التي يتم تخصيصها كل عام.
لو كان للحكومة العراقية نية في إغلاق تلك المخيمات لما استحدثت وزارة يتم تخصيص المليارات لها كل عام، باسم وزارة "الهجرة والمهجرين"، وكثير من الشواهد تؤكد أن قضية النازحين ستبقى معلقة، ولن يكون لها أي حل في القريب العاجل.
هؤلاء النازحون والمهجّرون لا يحتاجون سوى إعادتهم إلى مناطقهم، وهذا لن يحصل ما لم تنته سلطة الميليشيات، أما باقي الحلول الترقيعية أو المساعدات الإنسانية التي يحاول البعض إيصالها لهم فهي لا تُسمن ولا تغني من جوع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.