تجربتي مع الحزب الإسلامي العراقي.. ماذا كشف لنا كتاب المفكر طه جابر العلواني؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/27 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/03 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
المفكر الإسلامي الراحل طه جابر العلواني / الشبكات الاجتماعية


أكتب في هذا المقال عن مراجعتي للجزء الأول من مذكرات الدكتور طه جابر العلواني وأتمنى أن أعثر على الجزء الثاني منها.

عُرف الدكتور طه العلواني بأنه رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي  الذي أصدر مجموعة من الكتب والدراسات الفكرية المهمة، ولكن للدكتور طه مساهمة فى الحياة السياسية في العراق منذ انقلاب عبد الحكيم قاسم وحتى نهاية حكم محمد حسن البكر.

 طه جابر العلواني

نشأ الشيخ طه في الفلوجة وتتلمذ على يد شيخها عبد العزيز السامرائي القريب من الصوفية، وقد أقام الإخوان المسلمون في بلدتهم دكاناً كتبوا عليه جمعية الأخوة الإسلامية، وانتمى إليهم أخوه الأكبر الذي عرّفه ببعض كتاباتهم التي راقته، ولم يكن حينها قد بلغ العشرين وشعر بانجذاب نحوهم، بعد ذلك انتقل الشيخ طه إلى بغداد وأصبح إماماً لمسجد حسيبة الباجه جي في منطقة الكرادة وهو مسجد للسُّنة في المنطقة  ذات الأغلبية الشيعية، وتوثقت علاقة الشيخ بالإخوان ودعوه إلى إلقاء محاضرات في مسجدهم، كما تفاعل مع حضور كافة أبناء المسلمين إلى مسجده على اختلاف أطيافهم، فمنهم السني والشيعي والاخواني والصوفي والعلماني المتدين، وأعتقد بيقينٍ أن إمام المسجد كالقضاة والعسكريين يجب ألا ينتمي لأي من الفئات الحزبية؛ حرصاً علي أن يظل جامعاً للمسلمين، ولذا فعندما طلب منه الشيخ محمد محمود الصواف البيعة لـ"الإخوان" أجاب بعد حوار طويل عن البيعة، بأن دوره  كإمام مسجد أن يجمع المسلمين ولا يتجاهل أي فئة منهم، وأنه إذا مارس عملاً سياسياً فيجب أن يكون لصالح الأمة.

أُعلنَ عن إقامة الحزب الإسلامي العراقي عام 1960، وذلك بعد أن كسب دعواه ضد الحكومة التي رفضت الترخيص له باعتباره حزباً قائماً على أُسس دينية. وهنا فاتح الإخوان المسلمون الشيخ طه بشأن الانضمام إلى الحزب، ودار حوار أكد فيه المجتمعون أن الحزب سيكون مستقلاً عن جماعة الإخوان المسلمين وستكون قيادته منتخبة تتمتع بالاستقلالية والحرية، وسيتيح لكل عراقيٍّ الانضمام إليه، وعليه فقد قبل الشيخ طه الانضمام للحزب وشارك في تأسيسه، ويعلّق بأن هذا الأمر لم يغيّر قناعاته بوجوب الفصل بين مؤسسات الدعوة ومؤسسات السياسة، وقد ساهم في وضع البنود الرئيسية ببرنامج الحزب، ويعلق بأنه رغم مرور زمن طويل على الوثيقة التأسيسية للحزب، فإن المطّلع اليوم عليها يجد فيها كثيراً مما لا يزال صالحاً لبناء حزب معاصر ذي مرجعية إسلامية، وأصبح الشيخ طه عضواً في اللجنة المركزية للحزب.

لكن لم تسِر الأمور على هذا النهج طويلاً، فسرعان ما وجد نفسه ضحية لخداع (على قسوة التعبير) قام به الإخوة الذين أرادوا أن يكون الحزب واجهة للتنظيم السري للإخوان المسلمين، وأن اتخاذ القرار وتنفيذه تضطلعان به القيادة السرية غير المعلنة، إذ إنها القيادة الحقيقية، وما على القيادة العلنية سوى الانصياع للقيادة السرية!



يقول المؤلف إنه لم يكن يدور بخلده أن الشخص الموصوف بأنه إسلامي يمكن أن يكذب، ولذلك لم يشعر بالحاجة إلى التثبت مما قيل له عندما التقى من أقنعه بالمشاركة، ولكنني- يقول المؤلف- بدأت أدرك حين بدأت الاجتماعات الحزبية، أن هناك تلكؤاً في تنفيذ القرارات، ولاحظت أن الذي يدوّن القرارات لم يكن يدوّن كل القرارات، فضلاً عن أن توضع كل القرارات موضع التنفيذ، وحين كنت أتساءل عن عدم تنفيذ بعض القرارات كان بعض الزملاء يكتفون بالنظر في وجوه بعضهم البعض، وفجأة  بدأ السيد فاضل القاضي يتغيب عن الحضور، واستمر الآخرون في تحويل قراراتنا لقيادة الإخوان لأخذ الموافقة عليها… وحينما سألت عن سبب تغيب الاستاذ فاضل، فسروا غيابه بأنه قد تعرض للإحراج، بسبب إصرار زوجته على عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، وأنه حين عجز عن إقناعها تواري؛ حتى لا يسبب حرجاً لأعضاء اللجنة، ولذلك فإنه قد يضطر إلى ترك موقعه في اللجنة المركزية، قررت أن أذهب لزيارته؛ على أمل أن أثنيه عن عزمه، ولما التقيته بادرته بأن عليه ألا يُحرج من تصرفات زوجته، ولا ينبغي له أن يُكرهها على ارتداء الحجاب، وعلى فرض كون زوجتك ذميّة، فهل تُكرهها على ارتداء الحجاب، استغرب الرجل حديثي، وحين أبلغته لماذا ذكرت ذلك له صدم الافتراء إخوانه على زوجته، وذكر لي حقيقة ما حدث وهو أنه طلب منهم إبلاغي عن حقيقة علاقة الحزب بقيادة الإخوان واستهجن أن يظل الشيخ طه والشيخ عبد الجليل الهيتي رئيس رابطة علماء العراق غير عالمَين ببواطن الأمور، وأنه حين رُفض طلبه اعتزل؛ حتى لا يستمر في خداعنا فقد كنا الوحيدين الذين لا نعلم حقيقة الأمر.

بعد هذه التجربة المُرة أدرك الشيخ طه أن الحزبيين الإسلاميين في بعض الأحيان قد لا يتميزون عن غيرهم كما يدّعون دائماً!

اهتدى الدكتور طه إلى طريقة يغادر بها الحزب الإسلامي العراقي بشكل لا يتم توظيفه حزبياً ضد الإسلاميين من خصومهم البعثيين والشيوعيين، فلا يقال إنهم يتسترون بالإسلام، فقرر أن يُسجَن بمحض إرادته، لأن ذلك أحوط لدينه ودفعاً للضرر عن الحزب الإسلامي الذي ما عاد يريد الاستمرار فيه. استغل حدوث عرض رياضي لفتيات المدارس الثانوية رعاه عبد الكريم قاسم، فوقف في خطبة الجمعة يخاطب الفتيات وأولياء أمورهن الذين سمحوا لهذا الماجن الأعزب بهذه الرعاية غير المقبولة لعرض لم تلتزم فيه الفتيات ضوابط الشرع، وهكذا كان السجن، وكان أحب إليه من الاستمرار في الحزب.

بعدها دخل الحزب في حالة من الركود فتداول وهو في السجن مع  زملائه السابقين أفكاراً يريدون بها الحفاظ على الحزب من الموت البطيء الذي يتعرض له، وتم إعداد مذكرة شاملة مستفيضة تنتقد سياسات عبد الكريم قاسم وآثارها السلبية على حاضر البلاد ومستقبلها ونشرها على الشعب العراقي، كانت المذكرة- كما يرى الشيخ طه- من أفضل وأهم  أنواع الأدب السياسي المعاصر، وكان الدور الرئيس في كتابتها، للدكتور عبد الكريم زيدان، وقد وصل سعر المجلة التي نشرتها إلى عشرة دنانير رغم أن سعرها المعلن كان ستة عشر فلساً، وهزت المذكرة الحالة السياسية في العراق، وهكذا تم تجميد الحزب وإلقاء القبض على باقي أعضاء اللجنة المركزية.


يرى الشيخ طه أن المذكرة نموذج فريد من أدب النصيحة، وكانت قراءة سياسية من منظور حضاري لحالة معقدة لبلد كالعراق، وكذلك برهنت على أن الشعوب تقدر الكلمة، وأن الكلمة بديل صحيح لثقافة العنف، كما يرى أنها أكدت تقدير الشعوب لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وازدحمت على أثر ذلك الجماهير تطلب الانضمام للحزب، ولكن الحزب لم يكن مستعداً لذلك ولا مهيئاً بعقلية العمل السري، ولم يستفد من هذا الزخم الهائل الذي ولّدته المذكرة.

ويرى الشيخ طه أنه لو كان الحزب مهيئاً لاستيعاب الجماهير في تلكم الأيام لَتغير ربما مستقبل العراق عما نراه اليوم، والمذكرة واردة في ملاحق الكتاب.

امتد سجن أعضاء اللجنة المركزية أشهراً دُعوا بعدها إلى مقابلة عبد الكريم قاسم، ويفهم عادةً من ذلك أنه سيُفرج عنهم، استمر اللقاء سبع ساعات وكان في رمضان، اعتذر عبد الكريم بأنه لم يعلم باعتقالهم، وقد أمر بالإفراج عنهم فور علمه، ثم عاتبهم بأن بيانهم جاء في معرض هجوم قوى الاستعمار على ثورته، ثم فاخر بأنه وقف ضد الشيوعيين ولم يقفوا هم، وعاتبهم بأنهم لم يقفوا معه في حملة جمال عبد الناصر عليه، خاصة أنه يعمل لاستعادة الكويت التي كان يعتبرها جزءاً مقتطعاً من العراق، وقد ردوا عليه كل ذلك، ويورد الشيخ طه بأنه كان من المتحدثين الرئيسيين، لكن محقق المذكرات يقول إن مصادر الإخوان الأخرى المكتوبة لم تُشر إلى دور الدكتور طه، وهناك تعليق لافت للنظر أورده الدكتور طه، وهو أن عبد الكريم قاسم وقد افتخر أمامهم بقانون الأحوال الشخصية الذي أعلنه والذي يجعل حظ الولد كالبنت في الميراث، فلما استهجن ذلك الأعضاء استغرب. ويعلق الدكتور طه بأن الإنصاف يقتضيه القول إن قاسماً لم يكن يظن حين نوقشت هذه المسألة أنه يبدل شرع الله وإنما يظن أنه حقق عدلاً تقتضيه طبيعة العصر!

انتهى اللقاء بالإفراج عن الجميع، ولكن قاسماً انتحى بالشيخ طه جانباً، وقال إنه يريد الاجتماع به وحده، بدأ قاسم بالتهديد والوعيد ثم هدأ وتحول الاجتماع إلى السلاسة والهدوء، ثم تحدث قاسم عن اعتنائه ببناء المساجد  وعرض صوراً لبعض المساجد التي تم تشييدها في عهده، وبنهاية الحوار قال قاسم إنه أعجب بشجاعة الشيخ طه في الحوار ثم قدم عرضاً من شقين: أولهما أن يبتعد الشيخ طه عن أي عمل سياسي، خاصةً ضمن الحزب الإسلامي، والثاني أن يقوم الشيخ طه بمهمة تأسيس جمعية إسلامية تعنى بنشر الأخلاق والدعوة إلى الفضائل وأن لا يكون لها توجه سياسي، وعزز قاسم رأيه بأن الشيخ طه خطيب مسجد وأن التوجه للمصلين للإصلاح ليس بمُجد، لأنهم لا يملكون التغيير وأن الأولى أن يتم التوجه بطلب التغيير إلى قاسم نفسه فهو القادر على الإصلاح.

وكخطوة أولية عرض قاسم عليه تخصيص عشرة آلاف دينار كدفعة أولى لهذه الغاية، وطلب البدء بشراء مقر وتأهيله وتجهيز سكن مناسب للشيخ طه يساعده على القيام بأمره، رد الشيخ طه بأنه يعتبر أن الأمر رشوة مبطنة وأنه يعتقد أن قاسم يريد أن يجنده ليكون أحد أعوانه، نفى قاسم هذا الاتهام، وقال إن دافعه أنه شعر بأن الشيخ طه قد سُجن ظلماً، وأنه يريد أن يقدم له تعويضاً مناسباً، وانتهى اللقاء بأن ترك قاسم أرقام هواتفه للشيخ طه وطلب منه أن يعيد التفكير في الأمر، وعلق الشيخ طه بأنه لن يفعل.

يعلّق الشيخ طه بأنه لو استقبل من أمره ما استدبر لَما رفض عرض قاسم ووظفه لخدمة الإسلام والمسلمين مع الابتعاد عن الاستفادة الشخصية تديناً وتعففاً، ويرى الشيخ طه أن علاقة العلماء بالسلطة تقتضي من العلماء والدعاة مراجعة شاملة، وقد يكون في الأخذ ببعض الوسائل التي تتيحها النظم الديمقراطية بعض الحلول.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد