بصفتي واحدة من كبار المُعجبات بأفلام الرسوم المتحركة أو أفلام الأنيمشن، فإنّ صدور فيلم جديد لـ Pixar / Diseny، يعني مُتعةً كبيرة في انتظاري، وآمالاً عريضة أنسجها في خيالي، بمشاهدة فيلم يجمع بين المرح البريء، ودفء العاطفة، وتفرّد الأفكار والمعاني.
لذلك حينما صدر في مارس الحالي فيلم Turning Red، كانت لدي توقعات كبيرة بمشاهدة فيلم جيد على الأقل، ولكن خابت جميعها للأسف، وأنا أُشاهد الفيلم الذي قيل عنه إنّه الأسوأ من بين أفلام ديزني وبيكسار جميعها.
بالتأكيد لن نتفق جميعاً على فكرة أنّه الأسوأ، ولكن الحقيقة الأكيدة، أنّ فيلم Turning Red هو الفيلم الأكثر إثارة للجدل من بين أفلام ديزني وبيكسار حتى الآن.
لدرجة أنّ هناك بعض الدعوات من الأجانب أنفسهم على Twitter لتحذير الآباء والأمهات من الفيلم، بقولهم إنّ هذا الفيلم لا ينبغي أن يُشاهده الأطفال، لا بمفردهم، ولا حتى مع آبائهم. فكيف يكون الحال لدينا نحن العرب الأكثر تحفظاً بالطبع؟
كان عليّ أن أُشاهد الفيلم، بعين الأم لا بعين المشاهد العادي أو الناقد الفنّي حتى، لمعرفة هل يستحق الفيلم كل ذلك الهجوم، وهل هو لا يصلح للأطفال فعلاً كما قيل عنه، وكان هذا ما وجدته..
من فيلم أطفالٍ بريء إلى فيلمٍ وقحٍ للمراهقين
في بداية الفيلم نتعرف على بطلته Meilin أو Mei وهي الفتاة الصينية التي تعيش بكندا، والتي أتمّت 13 عاماً، والتي تعتبر نفسها بالغة أو راشدة..
في خلال الدقائق الأولى من الفيلم، نُدرك أنّنا في عالم المراهقين لا عالم الأطفال، من حيث حوار الفتيات أصدقاء Mei مع بعضهنّ، الذي يدور في الغالب حول شيءٍ واحد، الفتيان.
ويمتد الأمر بالفتيات الصغيرات، لأن يتخيلنّ رائحة الفتيان، واللاتي يقلن عنها إنها حتماً ستُشبه رائحة الشوكولاتة بالحليب.
بعدها نرى حركات وجوههنّ التي يبدو عليها الوله حينما يمر فتى بجوارهنّ، ويُحرّك رأسه إلى الوراء فيتطاير شعره في مشهدٍ شائع رأيناه كثيراً، ولكن كان للبنات أكثر.
كل هذا الحديث والاهتمام بالشباب، كان زائداً عن الحد فعلاً، ناهيك عن الحديث عن الأعمام المثيرين، واستخدام لفظ Sexy أو مثير أكثر من مرة.
حتى إنّ الفتيات استخدمنه للإشارة إلى أنفسهنّ: "نحن نساء، نحن مُثيرات." وهنّ يتقافزن فرحاً لكونهن قادرات على حضور حفلة الفريق الغنائي الجذّاب.
كل تلك الأشياء ليست بغريبة على عالم المراهقين بالطبع، ولكن كانت الأزمة في كون الفيلم ينتمي لفئة PG والتي تعني أنّ الفيلم مسموح للأطفال أياً كان عمرهم، ولكن في حضور الآباء. ومما سبق وفي رأيي، أرى أنّ الفيلم كان يجب ألا يكون مسموحاً لمن هم دون الـ 13 عاماً، ليُصبح تقييمه PG13؛ وذلك لأنّ الفيلم بعيدٌ جداً عن عالم الأطفال البريء، وأقرب إلى عالم المراهقين الوقح قليلاً مع الأسف.
عن البلوغ والجنس وأشياءٍ أخرى
يستمر فيلم Turning Red بتقديم مشاهد وأفكارٍ لا تتناسب مع مشاهدة الأطفال لها بالمرة، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح مع مشهد رسم Mei لأحد الفتيان الأكبر سناً، والذي يعمل في السوبر ماركت.
وجدت Mei نفسها وقد تأثرت بكلام صديقاتها حول كون ذلك الفتى وسيماً وجذاباً، مما جعلها ترسمه بدون وعيٍ منها، ولكن المشكلة أنّ الرسومات لم تبدُ بريئة كما هو من المفترض، وحينما شاهدتها أمّها شعرت بالهلع، لدرجة أنّها سألت Mei إذا ما كان هذا الفتى قد فعل بها كما رأت في الرسومات.
فماذا رسمت Mei بالضبط؟
نحن لا نعرف، لأنّنا لم نر سوى رسمة يحتضن فيها الشاب Mei، ورسمة أخرى مضحكة للشاب وهو عاري الصدر، ولكن كان فيها نصفه الأسفل عبارة عن ذيل سمكة، كما في حورية البحر.
هل يُمكنك ألا تُفكر في مسألة الشيء الذي كانت تتخيله Mei بالضبط، وهي ترسم الفتى على هذه الصورة الغريبة؟ الأمر يدعو للتخيل حقاً..
والمشكلة أنّه لم يكتفِ كُتّاب الفيلم بالإيحاء، بل قيلت المسألة صراحة، حينما كانت Mei تؤنب نفسها قائلة:
" لماذا كان علىّ أن أرسم تلك الرسوم الجنسية البشعة والفظيعة؟"
وزاد الأمر سوءاً في ذلك المشهد، حينما اتهمت الأم فتى السوبر ماركت، بأنّه يتعاطى المخدرات، ظنَا منها أنه يقوم باستغلال ابنتها البريئة.
مشهد آخر أثار استيائي واستياء الكثيرين من الأمهات تحديداً، وهو مشهد التحوّل..
ففي اليوم التالي تجد Mei نفسها وقد تحولت إلى دب باندا أحمر كبير، تهرع إلى الحمام وهي تصرخ، مما يجعل أمها تظنّ، أنّ الدورة الشهرية قد زارت ابنتها للمرة الأولى، وأنّها قد أصبحت امرأة أخيراً.
"هل أزهرت الزهرة الحمراء؟"
ويتبع هذا السؤال الرمزي الذي أراه مُنفّراً للأم، العديد من المشاهد التي تتضمن صوراً للفوط الصحية التي تُستخدم في هذه الحالة، والتي جعلت Mei تبدو في حالة شديدة من الفزع والحرج معاً، حينما تقوم الأم بإظهارها في مدرسة Mei وأمام أصدقائها.
التمرّد على الآباء من أجل التمرد فحسب
طوال الفيلم ونحن نرى علاقة Mei بأمها جيدة جداً، بل هي أكثر من رائعة، فيما عدا فهم الأم الخاطئ للأمور أحياناً، وتسرعها في الحكم على Mei بخلاف ردة فعلها المتهورة التي تلي ذلك.
ولكن حينما تُقرر Mei الاحتفاظ بدب الباندا الأحمر، عوضاً أن تتخلص منه كما تخلصت منه أمها وجدتها من قبل، حينها تقوم Mei بضرب كل شيء عرض الحائط، حتى إنّها قامت بالسخرية من أمها أمام صديقاتها، وقالت:
"ماذا يُمكنها أن تفعل لي؟ أستُعاقبني مثلاً؟"
ثم انفجر الجميع في الضحك ..
بدا الأمر هنا أنّ Mei اختارت أن تحتفظ بدب الباندا الأحمر الذي يتحول جسدها إليه، حينما تختبر مشاعر قوية، سواءً كانت مشاعر الغضب الشديد أو الفرح الشديد، من أجل التمرّد على أمها فحسب.
لم يكن الأمر منطقياً، وكان هناك خلط كبير وواضح بين احتفاظ Mei بهويتها كفتاة بالغة، وبين تمسكها بتعويذة سحرية تجعلها تتحول لحيوانٍ ضخمٍ يصعب التحكم به.
قرب النهاية حينما تغضب الأم من Meilin لدرجة أنها هي نفسها تتحول إلى دب باندا أحمر هائل الحجم، تقوم Meilin بعدة حركات لم أر بأنّها لائقة أبداً، من أجل أن تُثير غيظ أمها أكثر. ناهيك عن الفكرة أصلاً بأن تتعمد Meilin أن تجعل أمها تغضب أكثر فأكثر منها، وهي تظن- خطأ بالطبع- أن أمها تحاول أن تسلبها هويتها.
كل هذه الأفكار الخاطئة تم الترويج لها بداخل الفيلم على أنّها ثورة حقيقية من الأبناء على الآباء، ودفاع عن الهوية التي يحاول الأهالي أن يسلبوا أطفالهم إياها، مما جعل مقاومة Mei لوالدتها تبدو وكأنها انتصار ساحق في معركة وهمية.
كلمات Mei الأخيرة ورسالتها إلى أطفال العالم
تقول Mei في النهاية، بعدما اختارت ألأ تُخفي وحشها الأحمر بعيداً عن الأعين:
"كلنا لدينا هذا الوحش الداخلي، كلنا لدينا جزء فوضوي غريب وصاخب بداخلنا، نُخفيه بعيداً عن العيون، ولا نُظهره أبداً لأحدٍ، لكن أنا فعلت.
ماذا عنكم أنتم؟"
كانت هذه رسالة Mei الواضحة لكل أطفال العالم، والتي تدفعهم لكي يُظهروا الجانب السرّي من شخصياتهم، وألا يتركوه مخفيّاً طويلاً بداخلهم.
ولكن ما لا تدركه Meilin أنّ الفارق كبير، بين مسألة قبول ما أنت عليه من عيوبٍ ونواقص، مع العمل على إصلاحها وتلافي أضرارها على النفس والغير، وبين التصالح الأبدي مع النفس، بدون محاولة التغيير للأفضل.
كما قالت Mei لأمها في النهاية جملة مثيرة للاهتمام..
"الباندا، هي اختياري".
وهي الجملة التي قد تُشير إلى عبارة شهيرة في الغرب عن عمليات الإجهاض، تقول: "جسدي، اختياري".
فهل صنّاع الفيلم يُريدون الإشارة إلى أنّ Mei الفتاة ذات الـ 13 عاماً، هي فتاة حرة تماماً ويُمكنها أن تتخذ أية قرارات تخص جسدها، بدون مراعاة لرأي الأب والأم؟.
كل شيء ممكن فعلاً، خاصة مع وجود الكثير من الرموز التي يحتويها الفيلم.
كان فيلم Turning Red بمثابة صدمة حقيقية لي..
أعترف أنّني لم أشعر بالملل فقد وجدت الفيلم ممتعاً في أغلب الوقت بينما كنت أشاهده، ولكن كوني أماً، جعلني أرفض فكرة أن يُشاهده أطفالي الذين لم يبلغوا الثالثة عشرة بعد، بخلاف أنّ الفيلم صنع وهماً كبيراً اسمه التمرّد على الآباء من أجل إثبات الذات، وهو الأمر الذي لم يكن ضرورياً أبداً في حالة Mei وعائلتها اللطيفة..
ربما أخطأت بيكسار وديزني هذه المرة..
فقط أتمنى من كل قلبي أن يكون هذا الخطأ غير مُتعمد..
وألا يكون هذا الفيلم بداية عهدٍ جديدٍ لأفلام رسوم متحركة غير عائلية، لا ينبغي أن يُشاهدها الأطفال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.