بالتزامن مع الحرب الدائرة في أوكرانيا يشهد العالم تطورات عديدة على مستوى التحالفات والعلاقات الجديدة؛ فالعالم ما قبل حرب أوكرانيا لن يكون كما بعدها. أبرز هذه التحالفات والتحولات تجري في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث بدأت الدول العربية ولأول مرة في تاريخها الحديث في فهم قواعد اللعبة العالمية، وأصبحت هذه الدول تبحث عن مكانة لها في هذا العالم المتلاطم الأمواج.
لعل أوضح المواقف كان الموقف الإماراتي والسعودي من الأزمة الأوكرانية. فأولى المفاجآت كانت امتناع الإمارات عن التصويت لقرار يدين روسيا بشنها هجومًا عسكريًا ضد أوكرانيا. ومن ثم أتى الاتصال الهاتفي بين محمد بن زايد وفلاديمير بوتين؛ حيث أكد الأول دعمه التام لروسيا في الدفاع عن نفسها بحسب وصف بن زايد.
الخطوات الأهم جاءت في الأيام الأخيرة حيث تناقلت وسائل الإعلام مجموعة من الأخبار تفيد برفض كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد الإمارات محمد بن زايد تلقي اتصالات هاتفية من قِبل الرئيس الأمريكي جو بايدن. والأهم من هذا وذاك هو رفض كلتا الدولتين طلبات متكررة من الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط لتغطية النقص الحاصل بموارد النفط في العالم نتيجة الحرب الروسية، ونتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاع النفط الروسي.
ثم جاءت الضربة القاضية من خلال الحديث عن اتفاق سعودي- صيني على تسعير بعض صادرات النفط السعودية إلى الصين عبر عملة اليوان الصينية، هذه الخطوة التي تبدو أنها الخطوة الأولى في مشوار الألف خطوة للتخلص من هيمنة الدولار. وهي بالطبع خطوة إيجابية نحو تفريغ سلاح الولايات المتحدة القاسي، ونقصد هنا العقوبات الاقتصادية؛ إذ لولا سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي لما كان للولايات المتحدة أية قدرة على فرض أية عقوبات على أية دولة في العالم.
السؤال الأهم هو: ما الأسباب التي تقف وراء هذه الاستفاقة المتأخرة؟
بعد نشوء الدولة السعودية الحديثة كان لا بدَّ لها من البحث عن حليف استراتيجي قوي يؤمِّن لها الحماية في منطقة الشرق الأوسط التي كان اللاعبون الإقليميون فيها أقوياء ويتنافسون بشراسة، ولذلك وجدت السعودية في الولايات المتحدة (المنتصر بلا منازع في الحرب العالمية الثانية) حليفاً مهماً لتأمين حماية الدولة الحديثة. قامت منذ ذلك الوقت معادلة الحماية مقابل النفط، واستمرت إلى حرب 1973 عندما قامت السعودية والدول العربية بحظر النفط. ما قبل حرب 1973، وما بعدها مارست الولايات المتحدة سياسة الابتزاز مع السعودية، ولم تتعامل مع السعودية على أساس التحالف الاستراتيجي أبداً. لم تتوانَ الولايات المتحدة في تهديد السعودية بفرض عقوبات عليها في أكثر من مناسبة، خصوصاً بعد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول. راقبت السعودية والإمارات تخلي الولايات المتحدة عن حليفها حسني مبارك في مصر، وراقبت كيف هربت الولايات المتحدة من أفغانستان، واتهمت أشرف غني بالخيانة. لقد جاءت الأزمة الأوكرانية لتثبت للدول العربية، والدول الخليجية على الأخص، بأن الولايات المتحدة ليست حليفاً يمكن الاعتماد عليه. ولذلك فإن الأزمة الأوكرانية وتبعاتها تشكلان فرصة لا يمكن تفويتها للتخلص من الهيمنة الأمريكية.
ما نخشاه في هذه التحركات هي أن تكون مجرد تكتيكات لحض واشنطن على تقوية العلاقات مع دول الخليج، خصوصاً أن للسعودية والإمارات تاريخاً طويلاً في ذلك، فقد كانوا يشدون الحبل في حقبات الديمقراطيين، ويرخونها في حقبات الجمهوريين. وللمقارنة علينا أن نعلم أن السعودية أرسلت محافظ الرياض لاستقبال أوباما أثناء زيارته للسعودية، بينما استقبلت الرئيس ترامب استقبالاً مهيباً للغاية.
ختاماً.. تعتبر الأزمة الأوكرانية من أهم الأزمات التي يمكن أن تؤمِّن للسعودية والإمارات استقلالاً ذاتياً، وتأطير علاقات ثنائية مع المعسكر الشرقي والغربي على حد سواء. واغتنام هذه الفرصة مرهون بجدية زعماء هذه الدول للاتجاه نحو الاستقلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.