أصدرت البرتغال مرسوماً حكومياً جديداً، تُشدّد من خلاله شروط حصول أحفاد يهود "السفارديم" على جنسية البلد، بحسب ما أكده وزير الخارجية أغوستو سانتوس سيلفا، للصحافة الأجنبية، الأربعاء 16 مارس/آذار 2022، مشيراً أنّ المرشحين الجدد لنيل الجنسية أصبحوا مُطالبين بتقديم دليل على وجود "ارتباط فعلي مع البرتغال".
وقد أخذت قضية مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، حصة الأسد من أسئلة الصحفيين، بحكم أنّه من بين أحفاد يهود "السفارديم"، الذين استفادوا من الجنسية البرتغالية، والموجود تحت طائلة عقوبات الاتحاد الأوروبي، التي اتخذها الأخير ضد الأثرياء المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي.
وقد رد أغوستو سانتوس سيلفا على فضول الصحفيين قائلاً: "لا أظن أنّه سيرغب في القدوم إلى البرتغال في ظل هذه العقوبات، ولكن البرتغال لن تمنع أي أحد من مواطنيها من الدخول إلى أراضيها".
وقد تحصل أبراموفيتش على الجنسية البرتغالية، في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي 2021، لكن اسمه وُجد (ولكن دون اتهامه) ضمن تحقيق باشره القضاء البرتغالي، منذ شهر يناير/كانون الثاني 2022، بعد شكوك بوجود تلاعبات وتزوير وثائق مطلوبة ضمن شروط منح الجنسية، والمتهم الرئيسي فيها هو حاخام مدينة بورتو، "دانيال ليتفاك"، الذي تم القبض عليه يوم 11 مارس/آذار الجاري، عندما كان يهمّ بالسفر عبر الطائرة إلى إسرائيل، وتم وضعه تحت المراقبة القضائية، بحسب ما أفادت به صحيفة "إكسبريسو" البرتغالية، يوم 16 مارس/آذار 2022.
وبحسب الصحيفة ذاتها، فإنّ أبراموفيتش ما كان ليتحصل على الجنسية البرتغالية لو طُبق عليه الشرط الجديد للمرسوم الحكومي الأخير، المتضمن "ضرورة تقديم دليل على وجود ارتباط فعلي مع البرتغال".
وإضافة للجنسية الروسية، يحمل رومان أبراموفيتش أيضاً الجنسية الإسرائيلية، التي تحصل عليها في مايو/أيار 2018، بحجة "يهوديته"، وبعدما بدأ يجد صعوبات في الحصول على بطاقة إقامة ببريطانيا، أو تأشيرة الدخول لهذا البلد الأوروبي الذي يملك به نادي تشيلسي، في حين يمكنه الدخول إلى بريطانيا والإقامة بها لفترة قصيرة بصفته "مواطناً إسرائيلياً" مُعفى من التأشيرة.
تحصل أبراموفيتش إذاً على الجنسية البرتغالية بصفته أحد أحفاد يهود "السفارديم"، الذين صدر قانون بحقهم في العام 2015 من طرف البرتغال، يرد لأجدادهم الاعتبار التاريخي، بعد طردهم من شبه الجزيرة الأيبيرية، في أواخر القرن الخامس عشر، من طرف الحكام المسيحيين، إثر سقوط غرناطة، آخر ممالك الأندلس في سنة 1492.
من هم "يهود السفارديم"؟
"السفارديم" هم اليهود الذين استقروا بشبه الجزيرة الأيبيرية، بجنوب غرب أوروبا (إسبانيا والبرتغال حالياً) منذ العهد الروماني، في سنة 27 قبل الميلاد، ثم في عهد مملكة القوط الغربيين، بداية من القرن السادس الميلادي.
وقد عاش "السفارديم" أو "يهود الأندلس" في هناء ووئام مع العرب والبربر إبان الحكم الإسلامي للبلاد، الذي بدأ في العام 711 ميلادياً، إذ كانوا يعتبرون من "أهل الذمة" مثلهم في ذلك مثل المسيحيين.
وحتى قبل سقوط غرناطة كان المسيحيون قد بدأوا في الاستيلاء على الممالك الإسلامية الأندلسية، منذ أواخر القرن الحادي عشر، فيما كان يُعرف باسم "حروب الاسترداد"، بحسب المراجع التاريخية الإسبانية.
ولم يكن الحكام المسيحيون الجدد يضطهدون اليهود في البداية، بل تعاملوا معهم بـ"براغماتية"؛ أي بالمصلحة، حيث استغلوهم لمساعدتهم في تسيير المرحلة الانتقالية من نظام الحكم الإسلامي إلى النظام المسيحي، ثم بدأ "الظلم" شيئاً فشيئاً، بإجبار "السفارديم" على اعتناق الديانة المسيحية، وإخضاعهم لمحاكم التفتيش الكاثوليكية الوحشية، إلى أن وصل الأمر إلى طردهم من بلاد الأندلس، شأنهم في ذلك شأن المسلمين، من طرف ملكة إسبانيا إيزابيلا، بعد سقوط غرناطة في العام 1492.
وبعد سقوط الأندلس هرب الكثير من "السفارديم" إلى المغرب العربي بشمال إفريقيا، كما هرب آخرون إلى بعض الأجزاء الأخرى من أوروبا كهولندا وبريطانيا، بخلاف يهود "الأشكناز"، الذين كانوا يعيشون في فرنسا وألمانيا ومناطق أوروبية أخرى.
وهرب أيضاً عدد كبير من "السفارديم" إلى آسيا الوسطى، وخصوصاً إلى المناطق التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، كما هاجروا أيضاً إلى الشام وشبه جزيرة البلقان كمدن كسراييفو وبلغاريا وسالونيكا.
حقيقة أصول أبراموفيتش اليهودية الأندلسية
أما يهود "السفارديم"، الذين كانوا يعيشون بالبرتغال، التي كانت قد استقلت وتوسعت في القرن الثاني عشر، فقد بقوا هناك حتى سنة 1496، حيث منحهم الملك مانويل الأول الحماية والحرية الدينية بعد سقوط الأندلس، قبل أن ينقلب عليهم ويُخيرهم بين التحول إلى الديانة المسيحية أو مغادرة البلاد، فقام معظم الرافضين لتغيير دينهم بسلك نفس الطريق الذي لجأ إليه اليهود المهاجرون من إسبانيا، أي بالذهاب إلى المغرب العربي أو الدولة العثمانية أو شبه جزيرة البلقان، كما هاجر البعض الآخر إلى العالم الجديد، فاستقروا بالخصوص في نيويورك والبرازيل والأرجنتين.
وبحكم أنّ الكثير من يهود "السفارديم" قد هاجروا إلى آسيا الوسطى وشبه جزيرة البلقان، فإنّ الجد الأول لرومان أبراموفيتش يكون أحد هؤلاء القادمين من البرتغال.
وبحسب ما ذكره موقع "vk –spy" الروسي، يوم 22 أبريل/نيسان 2019، فإنّ جَدَّي رومان أبراموفيتش، من والده، ناخمان ليبوفيتش وتويبي تاتيانا ستيبانوفنا كانا من يهود بيلاروسيا بأسماء سيفاردية، ثم هاجرا إلى ليتوانيا، ولكن بعد ضم ليتوانيا للاتحاد السوفييتي في سنة 1940 تم تهجيرهما رفقة معظم العائلات اليهودية إلى سيبيريا، حيث توفيا هناك، فيما بقي الأبناء على قيد الحياة ومن بينهم أرون والد رومان أبراموفيتش والمولود في عام 1937.
والدته من أصول أوكرانية
أما والدة رومان، أرينا فاسيلفنا، فهي من أصول أوكرانية، حيث هربت والدتها فاينا بوريسنوفا غريتمان من أوكرانيا إلى مدينة "سارتوف" الروسية، في بداية الحرب العالمية الثانية، وكانت حينها والدة الملياردير الروسي تبلغ من العمر 3 سنوات فقط.
وقد ولد رومان أركاديفيتش أبراموفيتش يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1966 بمدينة "ساراتوف"، بغرب روسيا، على بعد 726 كلم جنوب شرق العاصمة موسكو، وتوفيت والدته عندما كان يبلغ من العمر سنة واحدة فقط، ثم توفي والده بعد ذلك بثلاثة أعوام، فتربى عند عمه لييب بمدينة إيختا، ثم انتقل للعيش مع عمه الآخر أبرام بموسكو.
لن أسترسل في الحديث عن المسار الدراسي والمهني والصعود السياسي لرومان أبراموفيتش، ودخوله عالم المال والأعمال، لأنّه ليس موضوعنا اليوم، وأكتفي بالإشارة إلى أنّه اشترى نادي تشيلسي الإنجليزي، في يونيو/حزيران 2003، وأنّ ثروته كانت تقدر بـ15 ملياراً و400 مليون دولار، عندما صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية المتخصصة في المرتبة الـ124 ضمن قائمة أثرياء العالم.
وكان رومان أبراموفيتش قد عرض نادي تشيلسي للبيع منذ الثاني من مارس/آذار الجاري، وذلك في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن الحكومة البريطانية قامت بمعاقبته فيما بعد، بحجة قربه من الرئيس الروسي بوتين، وقامت بتجميد أصوله في المملكة المتحدة، باستثناء تشيلسي، حيث يتم تسيير الأمور في الفريق وفق رخصة استثنائية من الحكومة، في انتظار بيع النادي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.