متى بدأت الاستماع إلى "ويجز"؟ ولماذا يحظى بهذا القدر من الشعبية؟ هو شاب لا يحمل سمات شكلية أو جسدية لافتة للنظر، ليس ثمة أمر خارق بشأنه، حتى صوته ليس جميلاً، هو نفسه أكد أنه مجرد "Voice over" مؤد للأغنيات، عبر أحد البرامج، وأنه يعيش الحالة فينقلها بحذافيرها لك، كلام غير مفهوم، وغير مرتب، أغان بلا موضوع بعينه، لكنه مع ذلك يحظى بملايين المعجبين، حتى مع طريقته الغريبة وملابسه المستفزة، بلغ ثمن إطلالته الأخيرة في موسم الرياض أكثر من 150 ألف جنيه مصري، في ملابس لم يبدُ أنها تستحق 1% من ذلك المبلغ، مع ذلك ورغم موجة الانتقادات العنيفة، يجد في كل مرة من يصفق له بقوة، فضلاً عن حالة من الحب غير المبرر، ما يثبت دون مجال للشك أنه "لكل فولة كيال".
صار ويجز حديث "الترند"، اختارته إسعاد يونس لتستقبل به العام 2021 باعتباره وجهاً صاعداً بقوة مع روبي وبهاء سلطان، انتبهت أكثر لأثر ويجز عبر ذلك التصريح لـ نادية الكامل طليقة أحمد الفيشاوي، والتي أعلنت طلاقها من أحمد الفيشاوي واعتزالها العالم بسبب حالتها النفسية السيئة، رسالة نشرتها عبر صفحتها الشخصية لتبرر غيابها عن مواقع التواصل الاجتماعي، ضمنتها بقولها "ما يفسده العالم يصلحه ويجز، ما أجمل هذا الصوت الساحر"!
كيف اشتهر ويجز؟
أحمد علي، الذي أطلق عليه صديقه اسم "ويجز" لا يعرف معنى اسمه، الكثيرون بحثوا عن المعنى، وأنا منه، وجدت أنه يعني "منطقة الترفيه"، شعرت أنه بالفعل اسم على مسمى ولو لم يعلم صاحبه أنه كذلك، حسناً هو لا يكترث لهذا أو لذاك، يؤكد: "مش بحب الشهرة.. أحب أنا اللي اتعرف على الناس مش هم اللي ييجوا يتعرفوا عليا"، ربما لم يتخيل أحد ممن يعرفه أن الشاب المولود عام 1998 سيصير لاحقاً المغني المصري الأول الأكثر استماعاً على سبوتيفاي عامي 2020 و2021، بل إنه انضم إلى قائمة فوربس الشرق الأوسط لمشاهير نجوم الموسيقى العرب عام 2021، وضمته مجلة جي كيو الأمريكية ضمن قائمتها لاكتر 21 موسيقي إثارة على كوكب الأرض 2021.
ظل المطرب الشاب مجهولاً حتى منتصف العام 2019، لكنه لم يتوقف عن المحاولة وعقد الشراكات، حتى نجح أخيراً وحظي بانتشار واسع مع أغنيته "باظت"، التي حظيت بـ13 مليون استماع على يوتيوب فقط: "إحنا كوابيس تشوفنا تقول يا لطيف.. ابقى استعيذ.. باظت خالص.. باظت باظت".
لتتوالى محاولاته حتى صارت الإخفاقات السابقة نجاحات متتالية، ليس ثمة أغنية بلا جماهير، من بعد "باظت" جاءت "سكرتي" التي حظيت بقرابة الـ14 مليون مشاهدة منذ طرحها في يونيو/حزيران 2019 وحتى الآن، ومن بعدها الأغنية الأشهر على الإطلاق "دورك جاي"، أكثر من 85 مليون مشاهدة: "بفتنا تعاشر المظابيط.. يا سمك شعرة يا مصابيح، ضباع بسعر المقاطيع، لو انت بابا طاب أنا مين، مش نفس اللون مانتساويش، يا لحمة نية ماتستويش، قلبت الحلو نسكويك.. صدري واسع واحتويك"، صرت عقب عشرات المرات من الاستماع أفهم سر النجاح شيئاً فشيئاً، إنها تلك الطاقة الغاضبة بداخلي، تخرج بطريقة جديدة، أسب شخصيات خيالية لا أعرفها، أشعر بالارتياح، أردد كلمات غير مفهومة، لكن من بينها جمل ذات معنى، يعطيني هذا شعوراً بالاختلاف والتميز، وأنني جزء من عالم فريد، أنا رائعة: "من غير ما اتمرن يا با أول جمهورية".
بملامح مصرية أصيلة، وكلمات من تأليفه وحده، واصل ويجز محاولاته رافعاً شعار "الشغل شغل والحق صنعة"، هكذا غنّى مع رابرز أجانب مثل ElGrandeToto، كما شارك الفنان أحمد الفيشاوي وفريق TNT، لكن مزيد من الشهرة والانتشار لم تتحق إلا حين قدم تلك الأغنية الشهيرة، في يوليو/تموز 2020، ضمن فيلم "الغسالة"، والتي تخطت مرات الاستماع لها أكثر من 25 مليوناً عبر يوتيوب فقط، بخلاف باقي المنصات الأخرى، سواء كانت مدفوعة أو مجانية.
بدت الصورة بشأن ويجز أوضح في ذلك الحفل المبهر له، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكثر من 25 ألف شخص بينهم فنانون وشخصيات عامة، في حفل جاء صادماً لفرط شعبيته، في هذا الحفل بدا كم هو محبوب، وكيف يمكنه أن يشعل حماس الآلاف بنفس القوة في ذات الوقت، في تلك اللحظة بدأت "أسطورة ويجز"، تلك الحالة التي وصفها الموقع الروسي الشهير "سبوتنيك" بأن "المارد خرج من القمقم".
السر وراء نجاحه
اتفقنا أنه ليس مفتول العضلات، ولا عذب الصوت، ولا يعرف معنى اسمه، أو ما يقول، لا يشير إلى تعليمه من قريب أو من بعيد، فقط في أغنية يعتذر لوالدته "آسف ياما ماسلكتش في التعليم، بس راجل عمري ما جليت زميل.. أعمل بكرة نجم أجيب منها فلوس كتير، آخر السنة دي هيجيلي كوتشي من جوتشي"، الفكرة ذاتها عاد ليؤكدها في أغنيته "سكرتي": "سلكنا من ناب القرش ماسلكناش في العلام"، على الرغم من عدد المواقع التي تشير إلى أنه خريج الجامعة الأمريكية، فإنه لم يذكر الأمر ولو مرة واحدة، حيث يتكتم على الأمر تماماً في لقاءاته التلفزيونية.
ربما السر كاملاً في تلك الجملة التي قالها لأنس بوخش: "مش بخطط للمستقبل، بعيش اللحظة، الشهر اللي احنا فيه ده آخري، أنا بعيش اللحظة، عندي مبدأ، أنا مش عاوز حاجة مش عاوز جنيه زيادة، مش عاوز أي حاجة، أنا تمام لو معايا 100 جنيه" في لقائهما مطلع العام الحالي بدا ويجز قانعاً وراضياً وزاهداً للغاية، وأن كل شيء يحدث له أكبر من تفكيره، يقول: "بحاول أفهم دلوقتي إيه اللي مفروض يحصل بعد كده، عندي أهداف لكن معنديش خطة من ورا الحاجات، معنديش هدف ورا الهدف"، ربما لهذا قال في أغنيته "زميلي جات تحت رجولنا عشان بايعينها".
حسناً.. ما السر في نجاحه؟
لم يحظَ ويجز بعائلة مستقرة، كان دائم الترحال خلف عمل والده، لكن الأخير لم يكن يطيل المكوث معهم، حيث أسس أسرة أخرى بثلاثة أبناء آخرين، هكذا يخبرك بإحراج أن علاقته بأمه أقوى، هو الطفل الأوسط بين شقيقين آخرين، الأكبر مسافر، والأصغر يشق طريقه بعيداً عن ويجز، لم يفلح أنس بوخش في الإيقاع بويجز، لم يفلح في جعله يتحدث عن مأساة طفولته التي وصفها بـ"القاسية"، فقط تلك الجملة القصيرة ربما هي مفتاح الحياة الأسرية الغامضة لويجز: "يا ريت أبويا كان يزورني أكتر".
يحيط نفسه بآخرين يفكرون بالنيابة عنه، أحدهم يختار الملابس، والثاني يطلع على الموسيقى، وآخر يضع الخطط، ورابع يضع الموسيقى: "ماتدنيش أكبر من حجمي، أنا بغني بس، بسمع للكل وبنفذ كلامهم، وأحياناً يكون ليا وجهة نظر، لكن مش بنشف دماغي قدام التيم".
السر الحقيقي وراء النجاح هو عدم الاكتراث، شاب لا يرغب في شيء، يجرب لأجل متعة التجربة لا أكثر، ويضع نفسه كاملاً في التجربة، دون تصورات سابقة أو تخطيط: "وأنا صغير كل حاجة غلط، كبرت بعمل كل حاجة اتطلب مني معملهاش، وابتديت محكمش على حد، حاجات كتير خطر بجربها من باب الريسك بحس إحساس جديد، عايش عشان أعمل حاجات جديدة"، هكذا تحدث في اللقاء الذي لازمته خلاله جملة واحدة فقط باستمرار "فاهم قصدي؟"
"الظاهرة الويجيزية" هكذا كتب صديقي مكتشف الفنانين عبر صفحته الشخصية، المصور الأربعيني الذي اعتاد ترشيح الوجوه الواعدة للأعمال الفنية اعتبر ويجز ظاهرة، قال لي: "أغاني ويجز مش مفهومة صحيح، كلام ملخبط مش مسجوع، محطوط جمب بعضه، لكن أغانيه لما تشغلها مرة تفضل تشغلها تاني وتالت ورابع وخامس، تبقى متضايق من لخبطة الكلام بس مش عارف توقفها، لذلك بعتبره ظاهرة، المدرب بتاعي في الجيم طول الوقت بيسمعه، قالي بسمعه في البيت والعربية والتمرين، في كل مكان ويجز من سنة ونص".
"قبول وطالعله بني آدم"، بهذه الطريقة عبّرت صديقتي عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك عن الحال مع ويجز، بعدما صار إلى ما صار إليه، محاولات تفسير شعبية ويجز لم تقف حتى هذه اللحظة، الأمر غريب حقاً، فمثلاً الكاتب عمر طاهر، اعتبر أنه رغم الركاكة التي يقدمها ويجز فإنها برأيه "ركاكة تفيض بجاذبية عالية"، مسألة فسرها بقوله: "جاذبية الركاكة في حدود ذوقي الشخصي هي جاذبية صدق صافٍ وخام مافيهوش جرام واحد صنعة، حاجة شبه جاذبية الكليم المعمول من القصاقيص وبيشدك أكتر 100 مرة من حاجات في فتارين "النساجون الشرقيون"، ويجز قال في غنوته الأخيرة كلمة هو ما يقصدهاش بالضبط، بس علشان أنا من جيل عميق شوية ابتدى مشوار السمع بلما الشتا يدق البيبان فأنا شوفت فيها تلخيص لـ اللي بيعمله ويجز، قال "كلامي على قد اللي معايا، فهو بيقول كلام على قد اللي معاه بالضبط من تجربته كبني آدم عايش في وقتنا ده، الواحد صدقه، فحب اللي بيقوله حتى لو كان -باعترافه- كلام دبش ومش موزون".
النسخة الجديدة من سيد درويش وبيرم التونسي
اعتبرت إسعاد يونس كلمة السر بشأن ويجز أنه قادم من الإسكندرية، أما هو فيؤكد باستمرار "بحب البلد اللي أنا منها"، تجده طوال الوقت يعبر بهدوء عن أجواء الإسكندرية الآن، بذات الطريقة التي عكس بها كل من سيد درويش، وبيرم التونسي بيئتهما في أزمان سابقة، لن تجده يتكلف في ملابس، عادة يظهر بذلك التي شيرت الأبيض، مع ملامح بسيطة ولحية غير محلوقة: "من وانا صغير بحب أشتري الآلات، مش بعرف أعزف عليها، طول عمري نفسي أعمل مزيكا، حالياً بلعب كيبورد، لازم أتقنه ده شغلي"، بالنسبة لي ويجز هو أيقونة عصره، عصر السرعة الخالية من التركيز والاكتراث والمعنى.
من قلب البيئة السكندرية جاء بكلماته، التي لن تفهم أكثرها، لو كنت مهتماً مثلي سوف تبحث عن معاني كلمات مثل: "خمسة ورديانجية وخمسة متراسجية، شمال أفارقة، الثبات، برم، ورديان، جيهة" تشعر لوهلة أنك بصدد أمر جلل ولغة مختلفة، يضع مفرداتها ويجز، ويغنيها بمنتهى الاقتناع، والتقمص والعمق، هكذا يعتنق المستمعون وجهات نظره، كمن يردد أغنية أجنبية لحنها جميل دون أن يفهم معانيها.
يلخص لك الأوضاع السياسة على طريقته: "انسى المساواة.. احسبي دول كام عين.. بقلق من المشاهدات"، "براسك بتحكموا.. في الحرب بينملوا"، ويعطيك أيضاً جرعة رومانسية جارفة، من قلب تجربة جارحة، يبدو أنه عاشها بالفعل، هكذا تعاطف معه الملايين عبر طرحه أغنية البخت، تغيرت طريقته، لكن يبدو أن ذلك التحول لديه من شابٍ لا مبالٍ وغير مكترث إلى عاشق بدا مستفزاً، فتضاعفت شعبيته أكثر وأكثر، بلغت مرات الاستماع لها عبر منصة واحدة أكثر من 16 مليون مرة في أسبوع واحد فقط.
لماذا يقف أمامه هاني شاكر عاجزاً.. وسر الشائعة التي أطلقها عليه شاكر
إشارات واضحة إلى المخدرات وكلمات غير مفهومة، لكنه يبقى بعيداً عن يد هاني شاكر، بل إن الأخير يقف عاجزاً أمامه، ويصفه بـ"ابنه"، نعم هناك سر، صرّح به نقيب الموسيقيين المصريين عبر لقائه عبر شاشة إم بي سي: "شريف ابني ومراته بيحبوه، أوقات كتير ما بفهمش بيقول إيه بس أبنائي وأحفادي بيسمعوه ودي أهم حاجة".
في ذلك اللقاء أصدر شاكر المعلومة الأكثر غرابة بشأن ويجز، حين وصفه بأنه "خريج الجامعة الأمريكية"، وهي المعلومة التي تم تداولها على نطاق واسع دون تحقق، فاعتبرها محبو ويجز إهانة له: "الجامعة الأمريكية فرع الورديان في إسكندرية"، تصريحات هاني شاكر أدانته، وأثارت ضده انتقادات واسعة حول أنه يكيل بمكيالين من ناحية، وأنه طبقي وعنصري من ناحية أخرى، حيث تم اعتبار المعلومة التي طرحها على أنها "سخرية" من ويجز.
مستقبل ويجز
رغم الدعم الجارف من أسماء مثل روبي، التي ظهرت معه من قبل ودعمته وشاركته في أغنية مع صاحبة السعادة، وكذلك الإشادات المتتالية من الفنانين مثل أحمد حلمى، وعمرو عبد الجليل، ونجم كرة القدم محمد الشناوي، حتى إنه نال غيرة محمد رمضان، الذي قال في أحد اللقاءات التلفزيونية عنه "هو مين ويجز ده أصلاً".
إلا أنه يبدو متأكداً أنه مؤقت، ولا ينتظر الكثير من القادم، يتمنى أن يؤمن مستقبله ولا يصير مديوناً في أحد الأيام، ربما تلك هي الضمانة الأكيدة له كي يستمر، شخص لا يشعر بالأهمية، مندمج في ذاته، ويؤمن حقاً بما يقول، هكذا صار مطلوباً باستمرار، إعلانات وحفلات، أفراح ومناسبات، يكتب ويلحن ويغني، يحب ويكره ويتألم، ويعبر عن كل شيء بطريقته، حتى لو لم يفهم ما يشعر به حقاً، لكنه ينقل شعوره بطريقة جيدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.