طفل فقير مات أبواه ويبكي بشدة من ألم قدميه.. لماذا نشعر بالضحك عند رؤية كوكسال بابا؟

عدد القراءات
3,781
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/09 الساعة 12:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/16 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
كوكسال بابا / عربي بوست

شخص غاضب، يضيق بالزحام والكاميرات، يحطم الأشياء من حوله ويهين من يقترب منه، يمكن أيضاً حمله كالأطفال، تجده يشيح بوجهه، ويشير بيديه إلى أن "كفى"، أكثر ما يحب في الحياة هو مشاهدة التلفزيون وتناول الطعام والعيش بسلام، لكن هذا ليس متاحاً لبطل الاستيكرات الأشهر كوكسال بابا، والذي حظي بترحيب كبير وهجوم أكبر عقب زيارته الأخيرة لمصر، وفي الوقت الذي تزاحمت فيه وسائل الإعلام، ليطاردوه عبر العدسات والميكروفونات، انهالت عليه الانتقادات والتعليقات الغاضبة التي رفع أصحابها شعار "ما المضحك في الأمر؟". 

قصة بدأت بـ "حذاء".. من هو كوكسال بابا؟

كوكسال بابا
كوكسال بابا مع والديه

قبل 10 سنوات تقريباً كان كل شيء مظلماً في وجه كوكسال، الشاب الذي يعاني مرضاً نادراً، يبقيه طفلاً بعد أن تخطى عمره الـ46، توفي الوالدان وصار كوكسال الصغير وحيداً، تؤلمه قدماه ولا يقدر على الشكوى، فليس ثمة من يفهمه، يدفعه الألم للصراخ والغضب والتلويح في وجه الجميع.

"مر أمام المحل الخاص بي وكان غاضباً للغاية كأنما قتل لتوه 10 أشخاص، سألته إلى أين فتصرف بطريقته الشهيرة المعروفة عنه مع تعبيرات وجهه وحركات يديه، سألته ماذا حدث؟ ادخل" هكذا اصطحبه أحد ملاك المحلات في محيط سكنه إلى داخل المحل في محاولة لمعرفة سبب غضبه، لكن كوكسال لم يعطِ صاحب المحل المتعاطف أية إجابات، عرض عليه شاياً أو قهوة أو أي مشروب لكنه كان غاضباً جداً وأشار إلى قدميه فسأله صاحب المحل هل ترغب في حذاء، فأجاب أن نعم ومن هنا بدأت القصة، فرح كوكسال كثيرا بالحذاء وبدا سعيداً للغاية حتى إنه بدأ يتحدث قليلاً، فأخبر صاحب المحل "من الآن سيدعوني الناس جميعاً بـ بابا" ومن هنا تحول من بكتاش أوغلو إلى كوكسال بابا،  صار رمزا في مدينته طرابزون التي تقع على الساحل الشمالي لتركيا.

في العام 2016 انطلق مقطع الفيديو الذي كان سبباً في شهرة كوكسال، حيث كان يجلس بصحبة شابة تدعى عائشة في محل مخبوزات، فإذا بجار له يدخل إلى هناك ويخبره "هذه فتاة جميلة سوف أتزوجها" ليجن جنون كوكسال الذي أمسك بأقرب مقشة و يطيح في وجه الرجل ويسجل الحضور المشاجرة التي حصدت لاحقاً ملايين المشاهدات وصارت سبباً في شهرة كوكسال حول العالم، خاصة عقب رحيل عائشة عن المحل، ليظل الرجل المتسبب في الأمر رمز غضب كوكسال، كلما رآه راح يضربه من جديد كأن الأمر حدث لتوه.

مع الوقت صار الاستفزاز ممنهجاً، أهل المنطقة يعرفون جيداً ما الذي يغضب كوكسال، كما أن غضبه يضحكهم ويدر المشاهدات، واحد ممن اعتادوا إغضابه كان يدعوه ويدعو الرجل الذي يغضبه، يضع الكاميرا قبلها ويبدأ في التقاط المشاهد التي تبدو "مضحكة" من وجهة نظره، والتي تحصد ملايين المشاهدات لاحقا.. الناس تحب ذلك!

في ذلك الفيديو الوثائقي الذي تحمله قناة كوكسال والتي يفترض أنها لتوثيق قصته يبدو الجميع مدانين بالنسبة لي، أشاهد الأحداث فأتذكر فوراً الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، مصطفى، الصغير البسيط الطيب جداً والذي كان الجميع يحرص على إيذائه ومضايقته فقط، لأن ردود فعله العاجزة الغاضبة تضحكهم، لا أنسى تلك اللحظة حين حمله أحد الأشخاص وتعمد كشف عورته ليشاهده من في الشارع ويضحكون !

في ذلك اليوم انكسر شيء ما في داخلي حين علمت أن الإعاقة تبدو مضحكة للبعض، وأن إيذاء ذوي الهمم يبدو أمراً محبباَ، لكنه الآن صار يدر المال، ويحظى بمديرين متخصصين ومتفرغين له.

صار كوكسال ملك الاستيكرات محاطاً بعدد من مديري الأعمال، والمهتمين الذين يحرصون على إغضابه فيما صار هو كأي طفل طبيعي، يكرر الأمر الذي يستدعي اهتمام وتقدير المحيطين، إن كان العنف يضحككم إذا "سأضرب الجميع".

ما الذي يُضحكك؟

"الإنسان حيوان ضاحك" قالها أرسطو طاليس، بحسبه فـ "نحن نضحك على من هم أقل منا وعلى القبحاء من الأشخاص، والفرح يأتينا من الشعور بأننا طبقة أعلى منهم"، هكذا فسر أرسطو السر وراء الكوميديا، والضحك، أما سقراط فيؤكد: "السخرية تنبع من تجاهل الذات"، أما الفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1927 فيصف السر وراء الضحك بقوله: "الإنسان كائن ضاحك ومضحك، والضحك يكون مصحوباَ بانعدام الإحساس، العدو الحقيقي  للضحك هو العاطفة، لذا فلكي نضحك ينبغي أن نكون لا مبالين، يتطلب الضحك ما يكفي من اللامبالاة كي تتحول الأحزان إلى أفراح".   

ساعدتني تلك التفسيرات على فهم الأمر بشكل أعمق، كما ساهمت تلك الدراسة التي تم إعدادها عام 2003 حول استخدام ذوي الهمم كمادة للدعاية، يقول الدكتور لورنس كلارك في الورقة التي قام بتقديمها في منتدى فنون الإعاقة، داخل معهد ليفربول للفنون المسرحية يوم 30 مايو عام 2003: "الكوميديا التي تقوم على أساس شخص معوق تنتزع الدعابة من واقع إعاقات الناس، وعادة ما يتم تبرير الأمر باعتباره "غير مقصود" و"لا يحمل إساءة لهم"، لكن في الواقع فإن استخدام ذوي الهمم كمادة للضحك بأي شكل يلحق الضرر ليس بالشخص نفسه، ولكن بتصورات الجمهور العالم للأشخاص ذوي الإعاقة، كما يساهم في تآكل "هوية" ذوي الهمم ومدى تقبلهم عموماً، حتى إنك لن تجد ممثلاً أو كاتباً أو مؤدياً من ذوي الهمم، يظهرون فقط للسخرية منهم!".

هكذا صار الأمر أوضح، الضحك من شخص يعاني إعاقة بدنية أو حركية أو عقلية، ليس فقط إهانة له، ولكنه إهانة أيضاً لمن يضحك، حيث يعطي الأمر فكرة واضحة عن مستوى الوعي والإدراك، حين يبدر السؤال: "ما المضحك في شخص معاق يتعمد المحيطون إغضابه باستمرار، لأن رد فعله يضحكهم؟". 

كم تقاضى كوكسال في زيارته لمصر؟

ثمانية حراس ضخام البنية، منذ لحظة وصوله إلى المطار، مع سيارة فارهة وعشرات من الكاميرات والمعجبين، والتزاحم غير المفهوم المثير للأعصاب. 

بدا الأمر غريباً لمن لا يعرف كوكسال، حيث اعتبر الكثيرون المشهد عبارة عن "عبث" و"تفاهة"، فيما شن الكثيرون هجوماً على الفكرة بالكامل، من بينهم ياسمين الخطيب، المذيعة والكاتبة المصرية والتي تساءلت عبر صفحتها الشخصية حول المضحك بشأن كوكسال مؤكدة: "لما بشوفه بحس بقبضة في قلبي".لكن في المقابل حظي كوكسال بدفاع مستميت من العديدين أبرزهم المغني المصري عمر كمال والذي حرص على استقباله واستضافته في الاستوديو، وحتى نيل عدد لا بأس به من الضربات التي سجلتها مقاطع فيديو، ثم كتب لاحقاً عبر صفحته الشخصية بموقع فيسبوك:

"الناس ظالمة الراجل العسل ده.. ده ربنا اصطفاه إنه يعيش عنده مرض نادر ومر بظروف سيئة من فقر وموت أب وأم، وكمان عقله وقف نموه وفهمه عند سن معين، صورت معاه 7 أيام في تركيا ولاحظت إنه بيخاف جداَ من الزحمة ومابيحبش إطلاقا التصوير ولا الكاميرا إلا لو خد عليك ويعرفك، مش بيفهم أي لغة غير التركي وده بيخليه متنرفز عشان مش فاهم اللي قدامه بيقول إيه فمحدش ياخد رد فعله ويحاسبه عليه كأنك بتتعامل مع طفل صغير أكيد مش هتزعل منه".

لعل ذلك المنشور بالذات زاد الطيبة بلة بالنسبة لي، فتعمد وضع شخص يكره الكاميرات وزحام واللغات المختلفة، على المحك مع أكثر ما يكره، جريمة برأيي.

كوكسال الذي جاء زائراَ لمدة أربعة أيام أنجز إعلاناً لسلسلة صالات اللياقة البدنية "H2O"، فضلاً عن زياراته لعدد من الأماكن.

حظي كوكسال بإقامة مجانية في فندق هيلنان لاندمارك  تحديداَ في "الإريبيان سويت"، كما تم توجيه دعوة له كي يذهب إلى مطعم كبابجي شهير، حيث استقبله استقبالاً حافلاً، وقيل إنه تقاضى عن استضافته 100 ألف دولار، لكن  مالك المطعم خرج لينفي حصول كوكسال على مبلغ مماثل وأكد أنها كانت مجرد "عزومة" له ولمديري أعماله، أما ما تقاضاه حقاً فقد كان 8 آلاف دولار فقط، وهو رقم اعتبروه "بسيطاً" مقارنة بما يتقضاه مدونون مصريون وعرب أقل شهرة منه.

لم أر فيما حدث سوى تعامل سخيف، بدأ من الطريقة التي تمت بها تغطية زيارته والتي بدت غير احترافيه، من جانب الصحفيين والمراسلين.

لكن هذا لم يكن كل شيء، فمن السباب عبر مواقع التواصل له، والتزاحم المثير للأعصاب من حوله، انتهت جولته بتوجيه تهمة إهانة العلم المصري له ولمن أحضره إلى مصر، النائبة غادة عجمي قالت إنها ستقدم طلب إحاطة حول استقباله والتجاوزات التي تضمنتها رحلته في مصر، مؤكدة أن وجود العلم خلف كرسيه العالي إهانة.

في الواقع يمكن ملاحظة الإهانة الحقيقية حين نقارن استقبال كوكسال من جانب مطعمين، الأول مطعم بوراك في تركيا، والثاني قصر الكبابجي في القاهرة، فارق ضخم في كل شيء.

انتهت الزيارة، وتمت التجربة كاملة، واكتشفت مع وجوده وجود مجموعات عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك
مثل: "عشاق كوكسال بابا" ، "محبي كوكسال بابا"، "رابطة محبي كوكسال بابا"، لكنني لم أتوقف في هذا كله إلا عند ذلك المشهد الذي جمعه مع طفلين مصريين، شعرت فيهما أن كوكسال على طبيعته للمرة الأولى، وأنني رأيته أخيراً دون غضب أو ضيق أو سخرية، ذلك الحضن البريء الذي منحه لطفلين مصريين داخل الفندق، ومداعبته اللطيفة معهما كشفت الجانب الأبرز في شخصية كوكسال.. ذلك الطفل الذي يحب اللعب وركوب لعبة السيارة، ومداعبة أصدقاءه من الأطفال، يحتفظ بصورة "بابا وماما" فوق سريره وكذلك لعبتاه المفضلتان. 

كوكسال بابا

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد