بمجرد أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، وشرعت الدول الغربية بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وشركاتها وأنظمتها المصرفية، بدأ المتابعون يراقبون تأثير تلك العقوبات الاقتصادية والتجارية على الاقتصاد الروسي، غير أن هناك بعض ذوي الاختصاص في الاقتصاد، كانوا ينظرون إلى تداعيات هذه الحرب والعقوبات على باقي دول العالم وليس على روسيا.
بحسب البيانات الرسمية لوزارتي الزراعة في روسيا وأوكرانيا نرى أن روسيا تصدر سنوياً 37.3 مليون طن سنوياً من محصول الحنطة، فيما تصدر أوكرانيا 18.1 مليون طن. هذه المستويات من الإنتاج تضع روسيا وأوكرانيا في مقدمة الدول المصدرة للقمح في العالم، الإنتاج الروسي يمثل 18% من إجمالي الإنتاج العالمي للقمح، بينما تمثل أوكرانيا 7% من إجمالي الناتج العالمي.
بالنظر لهذه الإحصائية البسيطة نرى أن العالم سيفقد ربع الإنتاج العالمي تقريباً من محصول الحنطة، دون أن يكون هنالك بديل محتمل لتعويض هذا النقص الكبير في هذه السلعة الاستهلاكية المهمة. ويتوقع خبراء في الاقتصاد أن هذا النقص قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح ومشتقاته بنسبة 30% على الأقل.
لكن السؤال الأهم الذي يتبادر إلى الأذهان: ما تأثيرات هذه الأزمة في العراق؟
سابقاً وبالتحديد أيام الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق بعد احتلال الكويت اعتمدت الحكومة على الناتج المحلي، وسارعت إلى اعتماد طرق من شأنها المحافظة على دوام سلعة مهمة مثل الدقيق في الأسواق العراقية، من خلال عدة إجراءات من أهمها التشجيع على الزراعة، وضمان تسليم الفلاح محصوله كاملاً للدولة دون بيعه إلى المطاحن الخاصة أو استعماله، وحددت كمية معينة من حق الفلاح الاحتفاظ بها لنفسه. كذلك اتبعت أسلوب مراقبة المطاحن المحلية الصغيرة التي قد يلجأ إليها التجار في إنتاج الدقيق وبيعه في السوق السوداء، بعيداً عن أنظار الحكومة، وفعلت لجان الأمن الاقتصادي التي سارعت إلى اتخاذ الإجراءات القضائية بحق المخالفين. واعتمدت أيضاً أسلوب التقشف الإجباري، ومنعت المصانع الغذائية من إنتاج المواد التي يدخل الدقيق في صناعتها إلا بكميات محدودة للحفاظ على هذه السلعة وضمان وصولها للمواطن، ناهيك عن استخدام البطاقة التموينية التي احتوت على 22 مادة غذائية وأساسية بسعر أشبه بالمجاني، ساعد في إنقاذ الكثير من العوائل الفقيرة من تأثيرات الحصار الاقتصادي.
هذا السرد البسيط لبعض من الإجراءات التي اتبعتها وزارة التجارة في وقت الحصار، وكانت فاعلة جداً في تخفيف آثار الحصار الاقتصادي على الشعب. أما اليوم فوزارة التجارة تعد من أكثر الوزارات التي تحوم حولها شبهات الفساد إن لم تكن أكثرها وتسيطر عليها الأحزاب كغيرها من الوزارات والعقود التي تبرمها الوزارة دائماً تكون في دائرة الشك، ناهيك عن تلاعب التجار في الأسعار الذي لا تهتم الوزارة بما يفعلون أصلاً.
وكالعادة خرجت بعض الأصوات التي تطالب بزيادة الرواتب معتقدين بأنه الحل الأمثل لتجاوز أزمة رفع الأسعار غير المبررة كليًّا متناسين أن أي زيادة في دخل الفرد سيزيد من ارتفاع الأسعار وهذا التصرف لا ينقذ المواطن الفقير بل يجعله عرضة لجشع التجار بشكل أكبر، ومع القفزة الجنونية العالمية في أسعار النفط وزيادة واردات العراق والفائض الكبير الذي يجنيه من هذا الارتفاع عمدت الحكومة إلى تثبيت سعر الدولار في الوقت الحالي، حسب بيان البنك المركزي بهذا الخصوص ورفض إعادته إلى سابق عهده على الأقل بشكل تدريجي، ولم يجن المواطن العراقي الفقير أي شيء من هذا الارتفاع.
إن فشل الحكومة في مراقبة الأسعار وتغاضيها عن أفعال التجار الذين يحتمون بالمليشيات التي تدير السلطة في البلاد قد يوصل الشعب إلى حافة الفقر أكثر مما هو فيها الآن خصوصاً بعد أن تجاوزت النسبة 33%، وقد ينتج منها تداعيات خطيرة على الصعيد السياسي. فثورة الجياع لا تشبه أي ثورة في العالم يتحول فيها الفقير إلى أسد جائع لا يرى أمامه سوى فريسة تسمى الحكومة والتجار، وقد تزيد من نسب الجريمة المنظمة خصوصاً مع وجود السلاح بيد كل الشعب دون حسيب أو رقيب.
هذا المقال ما هو إلا رسالة صغيرة إلى من يدير العراق حالياً وإلى جميع السياسيين بصورة عامة، احذروا من التلاعب بقوت الشعب، فلقمة العيش قنبلة موقوتة ستقتل كل من يتلاعب بها وسيصبح مجرد أشلاء متناثرة، ملايينكم التي سرقتموها من هذا الشعب ستعود إليه بعد أن تزال عروشكم وتستحيل قصوركم إلى أطلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.