هناك مقولة تقول بأنّ أعظم أفلام الحروب، هي الأفلام المُناهضة أو المُعادية للحروب، فهذه النوعية من الأفلام تحاول قدر المستطاع أن تبرز التأثير الشنيع للحرب على الشعوب جميعها، بما فيه من عنفٍ ورعبٍ ودمٍ وفوضى.
جميعنا يعلم ما هي أفلام الحروب والمعروفة لدى السينمائيين باسم War Films، وهي الأفلام التي تُجسّد القصص والأحداث التي دارت خلال المعارك الحربية، الحقيقي منها والغير كذلك. ولكن هناك فئة معينة من أفلام الحروب هذه، تُسمى Anti-War Films، وهي أفلام حربية أيضاً، ولكنها مُعادية للحروب جملة وتفصيلاً. يظهر الفارق بين النوعين، في أنّ النوع الأول وهو أفلام الحروب، يعرض الحرب من وجهة نظر بعينها، بدون إقحام جانب العاطفة في الأمر، أو ربما يُظهرها على أنّها ضرورة مُلحّة لا غنى عنها، من أجل أهدافٍ ومكتسباتٍ سياسية بحتة.
ولكن ما هي الأفلام المعادية للحروب؟
الأفلام المُعادية للحرب أو Anti-War Film
يُمكن تمييز هذه النوعية من الأفلام ببساطة، من خلال تأثيرها على المُشاهد بعد الانتهاء منها، فالفيلم الحربي الذي يجعل الواحد منّا يتأثر بما شاهده من فظائع ارتكبت باسم الحرب، ويشمئز من كل مناظر الجثث والأشلاء والدماء، ويكره ما تُثيره الحرب من أهوالٍ، هو بالتأكيد فيلم مُعادٍ للحروب، وذلك بالضبط هو هدف صُنّاع ذلك الفيلم منذ البداية.
وهناك رأي مختلف بعض الشيء للمخرج الكبير Steven Spielberg بخصوص أفلام الحروب، فهو يقول بأنّ أي فيلم حربي، هو فيلم مناهض للحروب بالأساس، لأنه لا يُمكن لأي فيلم أن يصور الوقائع التي حدثت خلال الحروب، ولا يظهر ذلك بشكلٍ غير مأساوى أو شنيع. لا يُمكننا أن نرى فيلمًا لطيفًا مُسليًّا عن الحرب مثلًا، فلابد أن تُظهر الأفلام الحربية، مهما كانت اتجاهات القائمين على تلك الأفلام، أهوال الحروب وبشاعتها، وحجم الدمار الذي يلحق بكل من اقترب من دائرتها اللعينة.
وهو رأي جدير بالاحترام فعلًا.
في هذا المقال أردت أن أجمع عددًا من الأفلام التي تنتمي لفئة الأفلام الحربية التي تُعادي فكرة الحرب من الأساس، وذلك من حيث أكثر الأفلام تأثيرًا في نفوس مُشاهديها، وعليّ أن أقوم بتحذيرك، فجميعها أفلام مؤثرة بشكلٍ حزين حقًا.
1917
الكثير من أفلام الحروب تعتمد على الأكشن كعامل جذبٍ في مشاهد المعارك، إضافة إلى زيادة المؤثرات البصرية وغيرها من التقنيات الحديثة، ولكن القليل منهم من يضع تركيزه كاملًا على إظهار صورة الحرب القبيحة، التي تبدو في تصوير ملامح الرعب وهول الأحداث لدى الجنود المشاركين فيها، وهو الشيء الذي قدمه فيلم 1917 بدقة.
الفيلم مبني على قصة حقيقية، عايشها جدّ مخرج الفيلم Sam Mendes خلال الحرب العالمية الأولى، وأضاف لها Mendes تفاصيل خيالية أخرى.
يحكي الفيلم عن جنديين بريطانيين يُصارعان الزمن لتسليم رسالة شديدة الأهمية لقائدهما، ومع نهاية الفيلم يتبدّى لنا مغزاه الراقي، وهو عن كيف أفسدت حرب دامت لأربع سنوات، براءة عشرات من السنوات التالية.
Come and see
واحدٌ من الأفلام التي لا يُمكن أن تُشاهدها، وتظل بعدها كما أنت، فلابد أن يُغير فيك شيئًا ما. فيلم Come and see هو فيلم روسي قديم يعود لعام 1985، ولكنه ينتمي بجدارة لنوعية الأفلام المعادية للحروب، وذلك لما فيه من مشاهد شديدة القسوة، وأحداث بالغة العنف، لما دار خلال الحرب العالمية الثانية في روسيا.
رسالة الفيلم تقول بأنّ الحروب لا تُدمر الجسد وتُفنيه فحسب، بل تقتل الأرواح ذاتها حتى وإن بقى الجسد، وتذهب بسلامة العقل إلى غير رجعة، حتى يصير الشخص أقرب إلى الجنون، بعدما تنتهي الحرب منه، وذلك من خلال قصة ولد شاب ينتمي للجيش السوفيتي في مواجهة الغزو النازي في روسيا، والأهوال التي سيمرّ بها هذا الولد، كي يبقى حيًا أولًا، وكي يظل محتفظًا بعقله أيضًا.
Schindler's List
يعتبره الكثيرون أفضل فيلم مُعادٍ للحرب في تاريخ السينما، وهو الفيلم الكلاسيكي الشهير الذي عرض قضية الهولوكوست بشكلٍ لم يُعرض من قبل وهو فيلم قائمة شندلر للمخرج الأمريكي Steven Spielberg الذي صدر عام 1993، والذي استخدم في الفيلم تأثيراتٍ رمزية بسيطة جدًا، ليعرض مدى قبح الحرب، مثلما ظهر في المشهد الشهير للطفلة التي ترتدي الجاكيت الأحمر، في فيلم تم تصويره بالأبيض والأسود كاملًاً.
فكرة الفيلم تلخصت في جملة واحدة: بإمكان فعل واحد لشخص واحد، أن يؤثر على حياة الكثيرين.
يحكي الفيلم عن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وعن القصة الحقيقية للنازي المسيحي Schindler الذي أنقذ أكثر من 1000 يهودي من محرقة الهولوكوست.
Jojo Rabbit
كيف يُمكننا تشويه فكرة الحرب بأبسط وسيلة ممكنة؟ بالسخرية منها طبعًا.
في عام 2019 قام فيلم Jojo Rabbit بصنع حالة فريدة من نوعها، حينما مزج بين مشاهد شديدة القسوة لتداعيات الحرب العالمية الثانية على الألمان أنفسهم، وبين أحداث شديدة السخرية في نفس الوقت، متهكمًا على هتلر بذات نفسه، الذي نال النصيب الأكبر من هذه السخرية، ليظهر في النهاية أقرب إلى بهلوان تافه ومغرور، بدلًا من كونه زعيمًا شعبيًا محبوبًا، وقائدًا عالميًا لخير شعوب الأرض.
يدور الفيلم حول الفتى الألماني جوجو الذي يعتبر هتلر مثله الأعلى وصديقه الخيالي، إلى أن يكتشف أن والدته تُخفي فتاة يهودية بالمنزل، ليتغير بعدها كل شيء. نجح فيلم Jojo Rabbit نجاحًا كبيرًا في هدفه الأول وربما الوحيد، وهو هجاء النازية.
The Thin Red Line
اختار المخرج الحسّاس Terrence Malick في فيلمه الخيط الأحمر الرفيع، أن يستخدم تصوير المشاهد السينمائية بطريقة مختلفة عن غيره، كي يؤكد على بشاعة فكرة الحرب، من خلال عدة قصص مترابطة ومؤثرة لجنود قوات الحلفاء الذين قاتلوا خلال حملة غوادالكانال أو معركة غوادالكانال في الحرب العالمية الثانية.
في هذا الفيلم، تم التركيز على العاطفة أكثر من أي شيء آخر، وهي العاطفة التي اختار أن يُعبّر عنها Malick بكل الأشكال الظاهر منها والمخفي، كمشاهد الصمت الطويل، واللقطات السينمائية البديعة، ومشاهد الـ Voice Over وغيرها. هذا الفيلم ينتمي بشدة لفئة أفلام الحروب المُعادية للحرب، لسببٍ بسيط، وهو أنّه قدّم الجانب الياباني من الجنود كالجانب الأمريكي تمامًا، بشر يستحقون الحياة مهما كانت انتماءاتهم، ولا فارق بين جندي وآخر.
In the Valley of Elah
لا تنتهي قسوة الحروب بانتهائها، بل تستمر طويلًا جدًا في نفوس من عانوا ويلاتها، ولم يتمكنوا من نزع ذكراها السيئة عنهم..
رغم أنّ فيلم In the valley of Elah يبدو كفيلم درامي تشويقي، فإنّه نجح في كونه فيلمًا مًعاديًا للحروب بشكلٍ رائع، حينما ركّز صُنّاعه على فكرة تأثير الحرب على المُشاركين فيها، حتى إن كانت قد انتهت فعلًا.
يتحدث الفيلم عن أحد الجنود الأمريكان الذين شاركوا في حرب العراق، والذي كان من المفترض أن يعود للوطن، ولكنه لم يفعل.
يُثير الفيلم فكرة حزينة.. هل الجنود العائدون للوطن بعدما خاضوا هول الحروب، هل هم قد عادوا حقًا؟
أم أنهم ما زالوا هناك بين أشلاء القتلى وصرخات المُعذبين.
Grave Of The Fireflies
من الغريب أن ينتمي فيلمًا للرسوم المتحركة وموجه للأطفال بشكلٍ خاص، إلى فئة الأفلام المُعادية للحروب، ولكن هذا ما حدث فعلًا مع فيلم قبر الفراشات المُضيئة، الذي أنتجه ستوديو Studio Ghibli في عام 1988 ، وهو الاستوديو المعروف بأعماله الشديدة التميز في عالم الأنميشن الياباني.
أكثر ما تقسو الحروب عليهم هم الأطفال، هذا أمرٌ مؤلم بقدر ما هو حقيقي.
يصور الفيلم معاناة فتى ياباني وشقيقته الصغيرة خلال قيام الحرب العالمية الثانية في اليابان، وذلك بعد مقتل أمهما، وتدمير بيتهما بالقنابل، وغياب الأب للقتال في الحرب.
ورغم أنّ الرسوم المتحركة لطّفت قليلًا من قصة الفيلم الدموية، إلا أنّ فيلم قبر الفراشات المضيئة، يُعدّ من أكثر الأفلام حزنًا ومأساوية.
My Way
نجد في الفيلم الكوري My Way الذي صدر في عام 2011، قصة مؤثرة للغاية أيضًا. يدور الفيلم أثناء احتلال اليابان لكوريا لسنواتٍ طويلة خلال الحرب العالمية الثانية، وهو مُقتبس عن قصة حقيقية حدثت بالفعل.
يحكي الفيلم عن قصة إنسانية لجنديين أحدهما ياباني والآخر كوري، وصراعهما معًا ضد العدو الروسي. يأخذنا الفيلم في رحلة طويلة إلى حد ما، لنرى فيها تأثير الحرب على الصداقة، وكيف يُمكن للحرب أن تضعنا أحيانًا في خندقٍ واحد مع العدو، لمواجهة عدو آخر أكثر شراسة؟ وكيف يُمكن لكل هذه المشاعر المتناقضة، أن تفعل بإنسانيتنا؟
في رأيي الخاص، لن يستطيع أي فيلم مُعادٍ للحروب، أن يُظهر كم الدمار الذي تُحدثه الحرب، مهما بلغت مصداقيته، لأنّ الحقيقة دائماً ما تكون أقسى كثيراً من الصور الملونة والموسيقى التصويرية المُصاحبة للأفلام الحربية، مهما بلغت بشاعة أحداثها.
ولكن ذلك لا ينفي أنّ صُنّاع هذه النوعية من الأفلام، قد أدوا دورهم على أكمل وجه، واستغلوا الفنّ في التوعية بمخاطر الحروب، حينما أرادوا أن يُعلنوا رفضهم لعمليات القتل المنظم التي يدعونها حربًا.
هذا هو الفنّ الحقيقي، الذي يجلب السلام لجميع الناس سواسية، بلا أي تمييزٍ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.