لماذا لم تفتح دولنا الثرية أبوابها للاجئين العرب كما فعلت أوروبا مع الأوكرانيين؟

عدد القراءات
532
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/08 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/08 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
عربي بوست

حضرت العنصرية والازدواجية في التعاطي الغربي والدولي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، ورغم عدم التشكيك والجدال في رفض الغزو كما اللجوء إلى الخيار العسكري لحل قضايا وخلافات سياسية وأمنية وحتى استراتيجية كان بالإمكان حلّها سلمياً ودبلوماسياً أو على الأقل محاولة حلها بتلك الوسائل قبل اللجوء إلى الخيار العسكري الكارثي والدموي المدمر والمكلّف لكل الأطراف، كما نصح فعلاً قائد المخابرات الروسية الجنرال سيرغي ناريشكين رئيسه فلاديمير بوتين في نقاش علني أُجبر فيه الأخير رئيس مخابراته وبشكل فظ وقهري على الانصياع لوجهة نظره والاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين شرق أوكرانيا، رغم عدم استنفاد الوسائل والخيارات الأخرى ما مثل في الحقيقة تحضيراً وتمهيداً للغزو العسكري الكارثي لكل البلاد لا شرقها فقط.

حضرت العنصرية أساساً في طريقة التعاطي الغربي- الأوروبي والأمريكي- مع قضية اللاجئين الأوكرانيين. وهنا أيضاً لا يمكن الجدل أو التشكيك أبداً في مظلوميتهم وضرورة إيوائهم ومساعدتهم، لكن دون العنصرية الفجّة التي سمعناها في تصريحات ومواقف لسياسيين وإعلاميين غربيين من قبيل أن هؤلاء شُقُر بعيون زرقاء مسيحيون مثلنا وهم متعلّمون ومتحضرون، ودون أي خلفيات إرهابية أو مشبوهة.

عنصرية مراسل أميركي ضد العراق وأفغانستان على الهواء

فتح الدول الأوروبية حدودها أمام اللاجئين الأوكرانيين يناقض تعاطي تلك الدول نفسها مع اللاجئين العرب والأفغان والأفارقة -مسلمين ومسيحيين- حيث تبدو الإنسانية هنا وكأنها شقراء وبعيون زرق رغم أن المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة لا تميز بين اللاجئين والمضطهدين وتحض على ضرورة نجدتهم ومساعدتهم حيثما أمكن ذلك.

مع ذلك، فإن انتقاد ورفض العنصرية الغربية وتفنيد أسانيدها الواهية لا يجب أن يحجب عنا الحقيقة المرة والمتمثلة بنجدة الأوروبيين لأبناء جلدتهم، ومن اعتبروهم يشبهونهم، وبالتالي ضرورة التساؤل عما فعلنا نحن مع من يشبهوننا وأبناء جلدتنا من اللاجئين العرب والمسلمين والمسيحيين وأيهما أحق بتقديم المساعدة، واستضافتهم أوروبا أم الدول العربية والإسلامية خاصة الثرية والمقتدرة؟ مع الانتباه إلى أن ظاهرة الهجرة نفسها طارئة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي ناتجة أساساً عن فشل أنظمة الاستبداد في بناء دول حقيقية راسخة وقادرة على رعاية وخدمة مواطنيها، علماً أنها لم تكتفِ بالفشل فقط، بل صبغت الثورات الأصيلة بالدم واستخدمت الخيار الأمني القاتل والمدمر ضد الشعوب العربية عندما انتفضت مطالبة بأدنى معايير الحياة الكريمة المتضمنة الخبز والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

إلى جانب  العنصرية حضرت الازدواجية أيضاً في التعاطي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، إثر فرض عقوبات سياسية واقتصادية ورياضية فورية وقاسية شاملة وصارمة طالت حتى الرئيس الروسي بوتين والمقرّبين منه من سياسيين وعسكريين ورجال أعمال، عقوبات أخرجت روسيا عملياً من المنظومة السياسية والاقتصادية والرياضية الدولية وأبقتها معزولة ومنبوذة مع كوريا الشمالية وإريتريا وكوبا ونظام بشار الأسد- حتى بدون الصين وإيران- وهنا يتبادر أيضاً السؤال المنطقي عن عدم اتباع النهج نفسه تجاه إسرائيل التي تحتل فلسطين وتنكل بأهلها الأصليين وتمنعهم من حرياتهم الأساسية والمتعددة، تحديداً حقهم الأصيل في تقرير مصيرهم رغم عشرات القرارات الدولية بما فيها تلك التي صدرت بإجماع مجلس الأمن مثل 242 و338 و2334 وقبل ذلك وبعده القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في التعويض والعودة إلى مدنهم وقراهم التي شرّدوا منها بالقوة الغاشمة، وهو لا يقل مشروعية وقوة عن قرارات مجلس الأمن السالفة الذكر.

وفي السياق نفسه، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلا شك أن مشهد التصويت الجامع والساحق ضد روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة يشبه تماماً ما نراه ضد إسرائيل في المحفل نفسه، وبينما عمدت أمريكا وحلفاؤها إلى استخدام هذا الإجماع الدولي لتشديد الضغوط ضد موسكو نجدها تتجاهل المزاج الدولي نفسه ضد تل أبيب وممارساتها غير الشرعية بحق الشعب الفلسطيني.

حضرت الازدواجية إذن في السياسة والاقتصاد، ولكنها جاءت على أوضح ما يكون في الرياضة أيضاً، إثر فرض عقوبات فورية ومباشرة على روسيا من قبل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم، كما من اتحادات وأندية أوروبية تضمنت حرمان ومعاقبة المنتخبات والأندية- وفي السياق الشركات الروسية الراعية- من اللعب تحت اسم وعلم ونشيد روسيا إلى إشعار آخر.

هنا لا بد من التساؤل أيضاً عن أسباب عدم معاقبة إسرائيل بنفس الطريقة كونها تنتهك أيضاً المواثيق الأولمبية وتتجاهل أسس وقواعد التنافس الرياضي الشريف والنزيه.

هذا التساؤل المنطقي والضروري لا يعني أيضاً تجاهل الحقيقة المرّة القائلة إن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ما كان ليعاقب روسيا دون موقف حاسم من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ويفا"، المعنيّ مباشرة بالأمر، ما يعني أن الحزم الرياضي ضد إسرائيل يجب اتخاذه أولاً من الاتحاد العربي لكرة القدم والاتحادات واللجان الأولمبية ذات الصلة وبمواكبة لازمة ومباشرة من الجامعة العربية ومجلس وزراء الرياضة التابع لها والذي ينعقد بانتظام تقريباً، علماً أن الجامعة نفسها رفضت إدانة التطبيع العربي الإسرائيلي في موجته الأخيرة التي قادتها أبوظبي والمتناقضة مع قرارات الجامعة نفسها بما في ذلك المبادرة العربية الصادرة بالإجماع عن قمة بيروت في العام 2002.

فريق مانشستر يونايتد ارتدى قميص شعاره " لا للحرب"

وفي هذا السياق أيضاً لا يمكن تجاهل حقيقة أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم هو المعنيّ مباشرة بقيادة المساعي العربية لتجريم إسرائيل ومعاقبتها. وهنا لا بأس من التذكير بما جرى فعلاً قبل سنوات قليلة لجهة تقديم الاتحاد الفلسطيني طلباً لمعاقبة الدولة العبرية بسبب مشاركة أندية بالدوري الإسرائيلي لكرة القدم رغم أنها تابعة للمستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة عام 1967 وغير الشرعية، حسب المواثيق والقوانين الدولية، بما فيها الميثاق الأولمبي ولوائح فيفا، إضافة إلى انتهاك منهجي لحقوق الرياضيين الفلسطينيين بما يشمل القتل والاعتقالات والتضييق على حرية تنقل الرياضيين وممارسة اللعبة، حيث تم  تشكيل لجنة ثلاثية  لحل الأزمة لم ينتج عنها شيء، ثم تم طي الملف نهائياً بصمت فلسطيني وغض طرف عربي وإعادته إلى جدول الأعمال، الأزمة منوطة حتماً بتحرك فلسطيني مدعوم عربياً.

في الجانب الإيجابي لا بد من استحضار النموذج  العربي الآسيوي الناجح تاريخاً وحاضراً لجهة طرد إسرائيل من اتحاد كرة القدم واللجنة الأولمبية ومنعها من المنافسة  القارية بمبادرة عربية وقيادة كويتية أساساً، الأمر استمر بعد موجة التطبيع الأخيرة، حيث طرحت أفكار أو بالونات اختبار لإعادة إسرائيل إلى ساحة التنافس الآسيوي- تماماً كما انتقلت إلى القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى بدلاً من الأوروبية- بينما تم التصدي لها وبشكل حازم من الكويت ودول عربية وإسلامية أخرى ترفض مكافأة الدولة العبرية أو التطبيع معها قبل حلّ القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً ومستداماً يرضي أصحاب القضية أنفسهم.

هتاف جماهير سيلتيك المؤيدة لفلسطين

 عموماً في الأخير وبمواجهة العنصرية والازدواجية تجاه قضايانا العربية والاسلامية، لابد من التذكير بحقيقة أن الحقوق تحتاج بالضرورة إلى القوة لانتزاعها، وهي حتماً لا تنال بالتمني بل تؤخذ غلاباً، كما قال أمير شعرائنا أحمد شوقي رحمه الله.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد عزام
كاتب وإعلامي فلسطيني
تحميل المزيد