رغم أن التجارة السلعية العربية مع روسيا وأوكرانيا معاً لا تشكل سوى نسبة 1.6% من مجمل التجارة العربية عام 2020، بقيمة 23.3 مليار دولار من إجمالي 1.484 تريليون دولار، فإن تداعيات أزمة غزو روسيا لأوكرانيا قد سببت مشاكل للاقتصادات العربية بالفعل.
أبرزها ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، في مجتمع عربي تتدنى به نسب الاكتفاء الذاتي من الحبوب وزيوت الطعام، وتتعدد به الدول المستوردة للنفط الخام والمشتقات البترولية والغاز الطبيعي، وتستورد المعادن الأساسية والأخشاب.
كما أثر نقص المعادن النادرة على صناعة أشباه الموصلات وما تدخل به من صناعات، مثل صناعة السيارات، وتأثرت أسعار الأعلاف المعتمدة على الذرة وفول الصويا، ما دفع أسعار اللحوم والدواجن والبيض للارتفاع، كما تأثرت الدول العربية ذات النصيب الجيد من السياحة الأوكرانية، خاصة مصر والإمارات، وهناك ترقب بالدول العربية التي تصلها حصة جيدة من السياحة الروسية في الإمارات وتونس ومصر وقطر.
وما زالت هناك تخوفات من ارتفاع أسعار الشحن البحري نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ورسوم التأمين على مخاطر الحرب ببعض المناطق، خاصة التجارة عبر البحر الأسود، وارتفاع أسعار السماد نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وكذلك توقع ارتفاع أسعار الأخشاب، وما تدخل به من صناعات خشبية.
وكذلك آثار العقوبات على روسيا، ومنع البنك المركزي الروسي وبعض البنوك الروسية من خدمات شبكة السويفت للتحويلات المالية بين دول العالم، بما لذلك من آثار سلبية على حركة التجارة العربية مع روسيا، والتي بلغت قيمتها حوالي 17 مليار دولار عام 2020، بخلاف التجارة الخدمية معها.
تضرر الدول المستوردة للنفط والغاز
وخلال عام 2020 بلغت قيمة الصادرات الروسية للدول العربية 15.2 مليار دولار، مقابل واردات من العرب بقيمة 1.8 مليار دولار، نظراً لتشابه السلع التصديرية الروسية مع العربية، حيث تُمثل صادرات النفط والغاز الطبيعي حصة رئيسية بالصادرات الروسية للعالم، لتصل نسبة تغطية الصادرات العربية لروسيا إلى الواردات منها أقل من 12%.
وحققت روسيا فائضاً تجارياً مع العرب بقيمة 13.4 مليار دولار، حيث حققت فائضاً مع كل الدول العربية عدا البحرين بقيمة زهيدة، وكانت أكبر دول التجارة العربية مع روسيا "مصر"، بقيمة 4.5 مليار دولار، تليها الإمارات العربية 3.3 مليار دولار والجزائر 3 مليارات دولار، والسعودية 1.7 مليار، والمغرب 1.2 مليار دولار.
وبلغت قيمة الصادرات العربية لأوكرانيا 458 مليون دولار عام 2020، مقابل واردات منها بقيمة 5.9 مليار دولار، لتصل نسبة تغطية الصادرات العربية للواردات من أوكرانيا أقل من 8%، حيث حققت أوكرانيا فائضاً تجارياً مع كل الدول العربية عدا سوريا بقيمة طفيفة، وكانت أبرز دول التجارة العربية مع أوكرانيا مصر، بقيمة 1.7 مليار دولار من إجمالي بلغ 6.4 مليار دولار، تليها السعودية والعراق والإمارات والمغرب.
ومن الطبيعي أن تستفيد الدول العربية المصدرة للنفط من ارتفاع أسعاره، حيث تخطى مئة دولار للبرميل، لكنْ هناك دول عربية مستوردة للنفط الخام ستضرر، ومنها مصر والأردن والسودان وتونس والبحرين ولبنان، كما تتسع القائمة العربية المستوردة للمشتقات البترولية، لتتخطى الخمس عشرة دولة، بما فيه الدول المصدرة للخام.
ونفس الأثر السلبي للدول العربية المستوردة للغاز الطبيعي نتيجة الارتفاع الكبير لأسعاره، ومنها العراق والكويت وتونس وسلطنة عمان والمغرب والإمارات، ورددت بعض وسائل الإعلام، خاصة المصرية، حلول مصر مكان روسيا في أوروبا لإمدادها بالغاز الطبيعي، وهو أمر مبالغ فيه.
صعوبة إحلال الغاز العربي محل الروسي
نظراً للفارق الكبير بين كميات الغاز الطبيعي التي توفرها روسيا لأوربا، وبين الطاقة التصديرية لمصر وباقي الدول العربية المصدرة للغاز، عدا قطر ضخمة التصدير، والتي أكدت استحالة تدبير كميات كبيرة منه في القريب العاجل، نظراً لارتباطها بعقود تصديرية طويلة الأجل مع دول أخرى.
حيث استهلكت أوروبا خلال عام 2020 نحو 562 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وفرت روسيا منها 185 مليار متر مكعب، بنسبة 33% من الإجمالي، بينما نجد إجمالي كميات التصدير من الغاز الطبيعي للجزائر لدول العالم، بنفس العام، قد بلغت 39.5 مليار متر مكعب، وبسلطنة عمان 10.6 مليار متر مكعب، وبالإمارات 8.8 مليار متر مكعب، وبمصر 7.1 مليار متر مكعب، وبليبيا 4.3 مليار متر مكعب فقط.
كما يتميز الغاز الطبيعي الواصل لأوروبا بأن نسبة 91% منه يصل إليها عبر أنابيب، ما يجعله أرخص في التكلفة، من الغاز المسال الذي سيصلها سواء من قطر أو مصر أو الإمارات أو سلطنة عمان، ولأنه من الصعب تعويض هذا الكم الضخم من الغاز الروسي حتى من الغاز الأمريكي المسال والواصل عبر الناقلات، فقد استمر ضخه من روسيا رغم أحداث الحرب في أوكرانيا، ولم تطالب أوروبا بوقف ضخه.
ونفس الأمر في صادرات النفط الروسية لأوربا عام 2020، حيث استحوذ النفط الخام الروسي على نسبة 29% من واردات أوروبا من الخام، وحوالي 14% من باقي دول الكومنولث الروسي، وأقل من ذلك قليلاً من دول غرب إفريقيا، و12% من الولايات المتحدة، و9% من العراق، وحوالي 9% من السعودية، ونصف بالمئة من الكويت، وواحد بالألف من الإمارات، حيث يتجه معظم الخام العربي إلى دول آسيا.
ومن الصعب عربياً أن تحل دول عربية محل روسيا في تصدير الخام لأوربا، حيث بلغت كمية واردات أوروبا من روسيا عام 2020 نحو 138 مليون طن، بينما مجموع صادرات الكويت لدول العالم بنفس العام 96.5 مليون طن، بالإضافة إلى أن غالب صادرات روسيا لأوربا عبر الأنابيب، بينما الصادرات العربية ستكون عبر ناقلات، ما يزيد من التكلفة.
آثار الأزمة ستصل للمواطن البسيط
وتكرر الأمر بواردات أوروبا من المشتقات البترولية بنفس العام، والتي جاءت نسبة 39% منها من روسيا، و17% من الولايات المتحدة، و8.5% من شمال إفريقيا و8% من السعودية، و3% من الإمارات، و1% من الكويت.
وإذا كانت كمية المشتقات التي استوردتها أوروبا من روسيا قد بلغت 57.5 مليون طن، فإن مجمل صادرات المشتقات للعراق إلى دول العالم بنفس السنة قد بلغت أقل من 14 مليون طن، والتي صدرتها الكويت لدول العالم 23 مليون طن، بل إن الكمية التي صدرتها كندا من المشتقات 30.5 مليون طن، ما يعني صعوبة أن تحل إحدى تلك الدول محل روسيا.
وتسعى الولايات المتحدة لزيادة صادراتها من النفط إلى أوروبا على حساب وارداتها من روسيا منذ فترة، كما تحدث دول حليفة على سلوك نفس المسلك، مثل قطر، فيما يخص الغاز الطبيعي.
وفي ضوء تدني نسب الاكتفاء الذاتي العربي من أنواع الغذاء ستزيد قيمة فاتورة الواردات الغذائية العربية، وهي الفاتورة التي زادت تكلفتها خلال العام الماضي بشكل كبير، مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والمعادن، حيث تصل نسبة الاكتفاء العربي من القمح والدقيق 37%.
والشعير 35%، والذرة الشامية 31%، وزيت الطعام 51%، وهي السلع التي تصدر أوكرانيا منها حصة كبيرة دولياً، خاصة زيت عباد الشمس، كما تصل نسبة الاكتفاء العربي من البقوليات 60%، والأرز 46%، والسكر المكرر 45%، واللحوم 76%.
وهكذا فإن آثار ارتفاع الوقود ستصل إلى المواطن البسيط بالعديد من الدول العربية، التي تعدل أسعار منتجاتها البترولية دورياً، مثل تونس ولبنان والأردن ومصر وغيرها، كما ستصل آثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى المواطن البسيط بالعديد من الدول العربية، خاصة الدول التي ترتبط ببرامج إصلاح مع صندوق النقد الدولي تتضمن خفض الدعم، ومنها مصر وتونس والأردن، كما يقوم لبنان حالياً بمشاورات مع الصندوق لإقرار برنامج إصلاح يتيح له الاقتراض من الصندوق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.