بعد أسبوعين فقط من زيارة وزير الدفاع بيني غانتس، حطَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في البحرين، حيث بدت الزيارة لافتة شكلاً ومضموناً، ليس فقط كونها جاءت مباشرة بعد زيارة غانتس للمنامة، كزيارة الرئيس إسحاق هيرتسوغ إلى أبوظبي، وإنما لأنها تزامنت كذلك مع زيارة وُصفت بالتاريخية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الإماراتية، وبعد زيارة مهمة لوزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو إلى المنامة أيضاً.
اعتاد وزير الخارجية الأمريكي السابق، المفكر الاستراتيجي هنري كسنجر، القول إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية، بل داخلية فقط، هذا تعبير أو دليل آخر ربما على فرادتها بالمعنى السلبي طبعاً، علماً أن هذا الأمر وللأسف بات شائعاً أيضاً لدى أنظمة الاستبداد والفساد والثورة المضادة في العالم العربي.
في السياق الداخلي للزيارة ثمة علاقة أكيدة بموازين القوى السياسية والحزبية في إسرائيل، وبعدما نال أو استحوذ وزير الدفاع غانتس على الأضواء خلال الفترة الماضية إثر سفره إلى البحرين، وتوقيع اتفاقية أمنية معها، وقيادته قناة الاتصال المركزية مع أمريكا حول القضية الفلسطينية، ومفاوضات فيينا الخاصة بالاتفاق النووي مع إيران، وحتى الرئيس هيرتسوغ، ذو المنصب الشرفي، حصل على جزء مهم من الأضواء أيضاً بعد زيارته إلى أبوظبي أوائل الشهر الجاري، وقيادته جهود تحسين العلاقات مع تركيا، والتحضير لزيارته إلى أنقرة أوائل شهر مارس/آذار الحالي، حرص رئيس الوزراء بينيت على نيل نصيبه من الاهتمام والأضواء، خاصة مع انتقادات لا تتوقف ترى أنه لا يملك القدرات أو الكاريزما اللازمة للمنصب، علماً أن زيارته إلى البحرين تصادفت مع نشر استطلاع للرأي، الثلاثاء الماضي، أشار إلى مراوحة حزبه "يمينا" حول نسبة الحسم في أي انتخابات قادمة، وبالتالي وجود احتمال جدي لاندثاره من الساحة السياسية تماماً، كما هو الحال مع شريكه في الائتلاف الحكومي حزب "أمل جديد"، بزعامة وزير العدل السابق جدعون ساعر، كما أكّد الاستطلاع الأخير ما قالته الاستطلاعات السابقة حول قدرة أي سياسي من حزب الليكود على تشكيل حكومة جديدة، صباح اليوم التالي لإزاحة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو من زعامة الحزب.
من هذه الزاوية الداخلية والشخصية، يمكن كذلك فهم لماذا تعمّد نفتالي بينيت تدشين زيارته بلقاء الجالية اليهودية في البحرين، رغم أنهم بالعشرات فقط، والهدف إعطاؤها طابعاً دينياً والمزايدة حتى على غانتس نفسه. وفي السياق مغازلة الجمهور اليميني الديني بالدولة العبرية، علماً أن بينيت ينتمي إلى هذا الجمهور، كما يعرّف أو يحلو له أن يعرّف نفسه دائماً.
أما السبب أو المعطى الثاني للزيارة فيتعلق بالرغبة الإسرائيلية الجلية في إعطاء طابع وإطار سياسي أوسع للعلاقات مع البحرين والمطبعين العرب بشكل عام، بعدما جسّدت أو للدقة فضحت زيارة غانتس الجوهر الأمني لها. ومن هنا أيضاً يمكن تفسير المراوحة الواسعة للقاءات التي أجراها بينيت مع الملك البحريني ورئيس الوزراء "ولي العهد"، ووزراء مدنيين آخرين، كمحاولة لإعطاء منحى شامل للعلاقات في أبعادها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، بحيث لا تقتصر على التفاهمات الأمنية فقط.
ومع ذلك، ولأن الطبع يغلب التطبع، وكون إسرائيل دولة معسكرة فعلاً فقد كان الجوهر الأمني حاضراً ولافتاً، بعدما لم يستطع بينيت تجاوز أو إنكار هذا الأمر عبر الحديث عن مواجهة إيران وأذرعها وحلفائها، مع العلم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى لإيصال رسالة مفادها أنه يخوض معركة واحدة مع البحرين والدول العربية المعتدلة، التي تواجه إيران مباشرة في الخليج العربي، بينما تواجه إسرائيل أذرعها الإقليمية بلبنان وسوريا، في نفاق موصوف، وانتهازية مفضوحة، وسعي لاستغلال ممارسات إيران التوسعية لمزيد من التطبيع، وتموضع تل أبيب في محور الأخيار بمواجهة محور الأشرار الإيراني.
سياسياً وأمنياً أيضاً كان لافتاً كذلك حرص نفتالى بينيت على لقاء قائد الأسطول الخامس الأمريكي الجنرال تشارلز كوبر، بحضور ولي العهد البحريني سلمان بن حمد، ليس فقط لتأكيد وتأطير ما فعله وأنجزه غانتس خلال زيارته السابقة، وإنما لإعطاء العلاقة الثنائية بُعداً أو غطاء أمريكياً مع سعي إسرائيل لاستغلاله لدفع العلاقات التطبيعية قدماً قدر المستطاع.
رغم ذلك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحاشى أو هرب للدقة من الإجابة الصريحة عن سؤال لصحيفة الأيام البحرينية، حول تكوين حلف ناتو عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، يضم ما توصف بدول الاعتدال البحرين ومصر والإمارات والأردن وإسرائيل، طبعاً ضد إيران، ورغم الإشارة إلى التنسيق والتحرك في المعركة، ثم الحديث بعد ذلك عن هيكل إقليمي أقل من تحالف أساسه الاستقرار والازدهار الاقتصادي لتسريع التطبيع، فإن بينت كان واضحاً في سعيه لعدم توريط الدولة العبرية أو إلزامها بتحالفات، كي تبقى يدها طليقة غير مقيدة، كما أن الأمر له علاقة بالغطرسة والتعالي وحتى عدم الثقة بالحلفاء، كون هؤلاء عرباً وسيتم النظر إليهم دائماً كعرب، وفق العبارة الشائعة "البحر هو البحر والعرب هم العرب"، التي كان يرددها رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون، هذا رغم توسلات مهندس العلاقة الجديدة متمثلاً في جهاز الموساد للمؤسسة السياسية والأمنية "كفوا عن النظر إليهم كعرب فهذا شيء آخر".
في السياق التركي جاءت زيارة بينيت، والاندفاعة الإسرائيلية عموماً تجاه دول الخليج، بعد زيارة وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو للعاصمة البحرينية، أوائل شباط/فبراير الماضي، والتي تم خلالها التأكيد على متانة العلاقات مع الإشارة إلى وجود أربعين اتفاقية ومعاهدة تعاون بين البلدين، وتوافق على عقد اللجنة الاقتصادية المشتركة العليا، الشهر الجاري، لتطوير العلاقات ونقلها باتجاه أعمق وأوسع، بالتزامن مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي وُصفت بالتاريخية لأبوظبي، وكرّست القاعدة الصلبة للعلاقات بين البلدين، القائمة على مصالح ثنائية مشتركة وراسخة، حيث لا تستطيع تل أبيب عرقلة ذلك، كونها تعي جيداً ثقل أنقرة الإقليمي، وهي تسعى أصلاً إلى علاقة جيدة معها، لكن تريد القول إن العلاقة مع تل أبيب يجب أن تكون لها الأولوية، حتى لو تحسنت العلاقات الخليجية مع تركيا.
في تناول زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البحرين لا يمكن قطعاً تجاهل التظاهرات الشعبية الغاضبة والمنددة بها، التي استمرت لأيام أيضاً، في تعبير واضح عن المزاج الشعبي الرافض لها وللتطبيع مع الدولة العبرية بشكل عام.
في كل الأحوال أكدت زيارة بينيت رغم التذاكي والتحايل والشحن الدعائي بقاء العلاقات الإسرائيلية البحرينية -والخليجية بشكل عام- في المربع الرسمي الأمني أساساً، مع ضرورة التأكيد على عجز إسرائيل عن توفير الأمن لتلك الدول، كون القصة هنا قصة أمن قومي عربي شامل، يفترض أن تحمل لواءه حواضرنا الكبرى المختطفة والمغيبة للأسف، في القاهرة ودمشق وبغداد، كعجزها عن توفير الشرعية للأنظمة المطبّعة التي هي داخلية أساساً، ولا يمكن نيلها من تل أبيب ولا حتى من واشنطن نفسها، وأيضاً استحالة لفت الانتباه أو نفي الصفة الاستعمارية للدولة العبرية ونظام الفصل العنصري الذي تتبعه ضد الشعب الفلسطيني، كما قال تقرير منظمة العفو الدولية الأخير، علماً أن مهمة التصدي له هي فلسطينية أساساً، مع طلب دعم عربي إسلامي إقليمي ودولي مشروع ولازم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.