على وقع أنغام طبول الأزمة الروسية الأوكرانية المندلعة، تفاعلت جميع الأصول المالية في العالم، ولكن يوم أمس دقت طبول الحرب وبدأت القوات الروسية باجتياح أوكرانيا بدءاً من القصف الجوي ورافقه الاجتياح البري أيضاً، اللذين أديا إلى خسائر كبيرة في البنى التحتية العسكرية الأوكرانية وأيضاً إلى خسائر بشرية.
التوتر الجيوسياسي بسبب أزمة أوكرانيا والتي ذعرت العالم برمته حاملة تخوفاً أكبر من اندلاع حرب عالمية ثالثة، وبسبب المواجهة ما بين روسيا والانفصاليين من جانب أوكرانيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر.
هذا التوتر الجيوسياسي أثر على سوق المال وتفاعلت جميع الأصول مع هذا الحدث بالصعود لبعض الأصول وكذلك الهبوط لبعض الأصول، وبدأ من الذهب بحيث ارتفعت أسعار الذهب يوم أمس بعدما اجتاحت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية إلى مستويات فوق 1970 دولاراً للأونصة الواحدة، وربما سيحقق الذهب قمماً تاريخية خلال الفترة القادمة في حال اشتدت الأزمة أكثر، لأن الذهب يُعد من الملاذات الآمنة عبر التاريخ كأداة للتحوط أثناء نشوب الكوارث والحروب العسكرية.
وأيضاً ارتفعت عوائد السندات الأمريكية لعشر سنوات إلى حدود 2% والتي تعد من الملاذات الآمنة، وارتفع مؤشر الدولار إلى مستويات فوق 97.6، وبالمقابل شهدنا هبوط العملات الأخرى كاليورو والجنيه الإسترليني متأثرة بارتفاع مؤشر الدولار، وبالمقابل شهدنا هبوطاً حاداً للأسهم وفي مقدمتها الأسهم الأمريكية، وأيضاً هبوط أغلب المؤشرات كمؤشر "داو جونز" ومؤشر "ناسداك" ومؤشر "S&P500″، وأيضاً شهدنا هبوطاً حاداً للعملات الرقمية المشفرة، وهذه الأزمة أثرت بشكل كبير على العملات الرقمية المشفرة، من خلال هذه التداعيات والتوترات الجيوسياسية، مما عرضتها إلى موجة هبوط حادة وعنيفة بشكل متتالٍ خلال هذا الفترة القصيرة، ويجب أن نعلم أن تحركات العملات الرقمية المشفرة علاقتها طردية مع أسهم التكنولوجيا وعلى رأسها مؤشر ناسداك والذي يعد مؤشراً للشركات التكنولوجيا والمكونة من 100 شركة مختصة بالتكنولوجيا، والمعروف أن في وقت الحروب والتوترات الجيوسياسية تنخفض الأسهم لأنها تصيب المستثمرين بالخوف والذعر.
الأمن الغذائي العالمي في خطر
وهناك مخاوف دولية على الأمن الغذائي العالمي من أن ينعكس هذا التوتر في أوكرانيا بنشوب أزمة غذائية عالمية وأن يسبب نقصاً في المعروض، وذلك لأهمية روسيا وأوكرانيا اللتيان تعدان من كبار مصدري القمح، حيث تسيطر روسيا وأوكرانيا على نحو 29% من تجارة القمح العالمية، والدول التي تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا تعيش بحالة من القلق ومن ضمنها عدة دول عربية، وكذلك هذه الأزمة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار أغلب منتجات الغذائية، مما سيرفع نسبة التضخم والتي تعاني منها أغلب دول العالم جراء التحفيزات التي أجريت خلال أزمة جائحة فيروس كورونا.
الغاز الروسي بين المطرقة والسندان
يعد الغاز الروسي إحدى أهم أدوات هذه الأزمة في لي الأذرع ما بين الجانب الروسي والجانب الغربي، ولأن أوروبا تعتمد على روسيا بشكل كبير، حيث تستورد الغاز من روسيا بنسبة ما يقارب 40% ولحد هذه اللحظة فشلت في إيجاد بديل آخر يعوضها عن غاز الروسي، لأن أغلب الدول المصدِّرة للغاز وصلت لذروة طاقتها القصوى في الإنتاج، ولذلك أوروبا أمام شبح الظلام، وأزمة غاز وشيكة في حال تم قطع إمدادات الغاز لأوروبا من قبل روسيا، ولذلك أوروبا تعيش في حالة من القلق، ولأن ذلك سينعكس سلباً على اقتصاد قارة العجوز، وكذلك سيؤدي إلى ارتفاع مستويات التضخم والتي بالأساس مرتفعة إلى مستويات عالية جداً، وعندما ترتفع أسعار الغاز بالتالي سيؤثر على أسعار النفط، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وبالفعل تفاعلت أسعار النفط بشكل عنيف، بحيث وصلت إلى مستويات فوق الـ100 دولار للبرميل الواحد، ولأول مرة منذ عام 2014 مع بدء الاجتياح الروسي لشرق أوكرانيا، وأيضاً لأن روسيا تعد ثاني أكبر مصدر للنفط الخام ولها ثقل كبير في سوق النفط.
عامل الخوف
حيث أصاب المستثمرين بحالة لا يقين بسبب الخوف من تفاقم الأزمة مما أصابهم بالذعر والهلع، وعامل الخوف مسيطر على أغلب المستثمرين بجميع الأصول المالية جراء الصراع الحاصل ما بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك مؤشر الخوف "VIX" ارتفع إلى مستويات عالية يوم أمس بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ويزامنه خوف تشديد السياسة النقدية من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع نسبة الفائدة خلال مارس/آذار المقبل، مما زاد المخاوف أكثر على المستثمرين بالأسهم والعملات الرقمية المشفرة، لذلك شهدنا انخفاضاً حاداً عليهما.
تصريحات جو بايدن
بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم مشاركة الجيش الأمريكي في هذا الصراع، تأثرت الأسواق مباشرة بهذا التصريح وهدأت نوعاً ما وارتدت أسعار بعض الأصول بشكل دراماتيكي، بحيث انخفضت أسعار الذهب والنفط جزئياً، وارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية كـ"داو جونز" و"ناسداك" و"S&P500″، وأيضاً ارتدت العملات الرقمية المشفرة من القاع وعوَّضت بعض خسائر.
العقوبات الاقتصادية على روسيا
إقرار حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية من قبل الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا وأيضاً لإعلانها عن استقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك، وحيث علقت ألمانيا على مشروع تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2″، والذي من خلاله ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، وبريطانيا أيضاً أقرت حزماً من العقوبات على عدة مصارف روسية، وكذلك وقف التعاون التجاري من قبل الاتحاد الأوروبي مع روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية وهي كذلك أقرت حزماً من العقوبات على عدة مؤسسات مالية روسية، وكذلك روسيا مهددة باستبعادها من نظام سويفت للمعاملات المصرفية، بحيث تلقي هذه العقوبات الاقتصادية والمالية بظلالها بالسلب على الاقتصاد الروسي، مما يؤدي إلى انكماش اقتصادها ونظامها المالي وأيضاً سيؤدي إلى ضعف عملة الروبل وبالفعل تراجعت الروبل بشكل حاد خلال هذه الأيام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.