دولة الاحتلال الإسرائيلي هي دولة قائمة على نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد). وبهذا، فإن نظام الفصل العنصري في إسرائيل يشبه نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً في جنوب إفريقيا لعقود وانتهى في بداية التسعينات.
في تقديري، فإن سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا يحمل في طياته نقطتين تحتاجان إلى مزيد من النقاش؛ النقطة الأولى خاصة بطبيعة نظام الفصل العنصري في كل من جنوب إفريقيا وفي دولة الاحتلال الإسرائيلي، هل هناك تشابه فيما بينهما، وهل هناك اختلاف؟
والنقطة الثانية مرتبطة بانتهاء هذا النوع من أنظمة الفصل العنصري، وهل يعني سقوط هذا النظام في جنوب إفريقيا أنه قابل للسقوط قريباً في دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ لكن قبل هذا من المهم أن نتعرف ما الذي يعنيه نظام الفصل العنصري أو "الأبرتهايد" بالأساس، وما هي السياسات والإجراءات التي تظهر أن نظام ما هو نظام قائم على الفصل العنصري.
ما هو الأبرتهايد؟
من الناحية القانونية، القانون الدولي يحظر أي مأسسة للتميز بين الأفراد بسبب العرق أو الإثنية. ولهذا، فإن عدداً كبيراً من الدول اعتبرت الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية، ومنحت المحكمة الجنائية الدولية حق النظر في هذه القضايا إذا لم تقم السلطات المحلية بذلك. ويمكن ملاحظة أنه في تعريفات كل من اتفاقية التمييز العنصري والمحكمة الدولية فإن التركيز كان منصباً على أفكار من قبيل "مأسسة التمييز بين الأفراد وانتشارها على مدى واسع" و"سيطرة فئة على فئة أخرى" و"القمع والهيمنة".
النقطة الجديرة بالملاحظة هنا أن هذه القوانين والاتفاقيات تركز على "السياسات" التي يمكن وصفها بأنها قائمة على الفصل العنصري، في حين أنها لا تتطرق إلى وصف النظام بأكمله على أنه نظام فصل عنصري. لكن جنوب إفريقيا قدمت مثالاً صارخاً لدولة تتبنى بشكل واضح قوانين وسياسات تشجع الفصل العنصري وتعتبره جزءاً من نظامها؛ بل إن النظام عمل على شرعنة هذه الإجراءات واعتبارها جزءاً أساسياً منه وأطلق عليها اسم "الأبرتهايد"؛ لذلك كان يتم وصم كل نظام الحكم في جنوب إفريقيا على أنه نظام فصل عنصري (الأبرتهايد) وليس فقط نظاماً يتبنى عدداً من سياسات الفصل العنصري.
قام النظام في جنوب إفريقيا بداية من أربعينيات القرن الماضي بتشريع قوانين تمنع التزاوج بين السود والبيض، ثم أصدر قانوناً لتقسيم المواطنين في جنوب إفريقيا إلى أربع درجات عرقية مختلفة لكل منها حقوق وصلاحيات متباينة، وبسبب هذه السياسات فقد تم نقل ملايين السود في جنوب إفريقيا من أماكنهم وإرسالهم إلى تجمعات أخرى بديلة فرضتها عليهم الحكومة بالإكراه.
وبمعنى آخر، فإن هذا التمييز على مستوى القوانين والمؤسسات تحول إلى واقع اقتصادي واجتماعي معاش يتم فيه السيطرة والهيمنة على فئة أو مجموعة محددة من جانب فئة أخرى. لكن إذا كان هذا هو ما حدث في جنوب إفريقيا في القرن الماضي، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تقدم في القرن الحادي والعشرين سياسات وإجراءات تدعم الفصل العنصري.
من جنوب إفريقيا إلى إسرائيل
بداية، فإن طبيعة النظام الإسرائيلي القائم على الفصل الممنهج والمؤسسي بين سكان دولة الاحتلال الإسرائيلي من اليهود من جهة وبين الفلسطينيين أصحاب الأرض من جهة أخرى هي حقيقية يعلمها الفلسطينيون والعرب منذ وقت طويل. الجديد هذه الأيام، أن هذه الحقيقة لم تعد فقط منتشرة بين الفلسطينيين والعرب، بل أصبحت محل انتشار بين المنظمات الدولية الحقوقية والناشطين الدوليين. فقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً تحت عنوان: نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
ذكرت المنظمة في تقريرها أن دولة الاحتلال الإسرائيلي اتبعت سياسة "منذ إنشائها في عام 1948 تتمثل في إقامة وإدامة هيمنة سكانية يهودية وتحقيق أقصى حد من السيطرة على الأراضي لصالح الإسرائيليين اليهود"، وأن إسرائيل استخدمت أدوات من أجل تنفيذ هذه السياسة شملت التفرقة القانونية واستخدام الحكم العسكري للسيطرة ونزع الملكية.
لكن منظمة العفو الدولية ليست وحدها التي وصلت إلى هذا الاستنتاج، فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" وصلت إلى استنتاج مشابه أيضاً في تقريرها الذي نُشر مطلع هذا العام بعنوان: تجاوز الحدود، السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد. التقرير يصل إلى استنتاج إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي "تنفذ أفعالاً وسياسات في مناطق محددة تصل إلى جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد كما يعرفهما القانون الدولي".
تتشابه دولة الاحتلال الإسرائيلي وجنوب إفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري في أنَّ كلاً منهما تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية. لم تكن جنوب إفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري جزءاً من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بسبب سياسات الفصل العنصري التي كانت تنتهجها تجاه السود. لكنها مع هذا كانت تحظى بدعم سياسي من الولايات المتحدة الأمريكية. تحظى إسرائيل بنفس الدعم الأمريكي بالإضافة إلى اعتراف المجتمع الدولي بها وبقائها عضواً فاعلاً بداخله.
لكن الدعم الأمريكي ليس هو وجه الشبه الوحيد. يتشابه كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في أن كليهما "جسم غريب" عن السياق المحلي والإقليمي المحيط به.
البيض في جنوب إفريقيا كانوا قادمين من هولندا وبريطانيا من أقصى شمال القارة الأوروبية من أجل حكم بلد في أقصى جنوب القارة الإفريقية. والنتيجة أن تحكم أقلية بيضاء أغلبية سوداء. على الجانب الآخر، نشأت دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال هجرة اليهود من دول مختلفة من أجل إقامة نظام سياسي في أراضٍ يعيش عليها وحولها العرب والفلسطينيون. ولهذه الأسباب وغيرها، فان كلتا الدولتين لم تلق بالاً كثيراً بالمجتمع الدولي ومؤسساتها ومضت في قراراتها وسياساتها غير مهتمة بهم، فهم في جانب والعالم في الجانب الآخر.
مع هذا يوجد عدد من الاختلافات التي يجب أن توضع في الحسبان. لقد كانت لجنوب إفريقيا وقت نظام الفصل العنصري حدود واضحة للدولة تعمل بداخلها، في حين أنه لا حدود واضحة لدولة الاحتلال الإسرائيلي. واحدة من نتائج هذا الاختلاف، أن المواطن العربي داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي يحصل على الورق بنفس حقوق أي مواطن آخر، لكن هذا لا يحدث عملياً في أرض الواقع. أما اليهودي الذي يعيش في مستوطنات غير شرعية فإنه يحصل على كامل حقوقه رغم إقامته خارج إسرائيل من الناحية القانونية!
الاختلاف الآخر أنه بينما كان نظام الفصل العنصري مبنياً على التفريق العرقي/الإثني فإن النظام في دولة الاحتلال الإسرائيلي مبني على التفريق الديني. أما الفارق الأهم، فهو أن نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا قد انتهى في حين أن هذا النظام لا يزال قائماً داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ بل إن سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية تسارعت في السنوات الأخيرة في ظل استحالة حل الدولتين واتجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي لحل الدولة الواحدة "ذات الطبيعة اليهودية" والتي يوجد بداخلها أفراد غير يهود، لكنهم أفراد من الدرجة الثانية ضمن هياكل وسياسات ومؤسسات تعمل على تعزيز الفصل العنصري بين اليهود والأشخاص والتجمعات التي تحيط بهم.
لكن تجربة جنوب إفريقيا مع هذا قادرة على إعطائنا الكثير من الأمل في المستقبل. فالمقاومة الداخلية في جنوب إفريقيا كانت من العوامل الرئيسية التي ساعدت على انتهاء هذا النظام العنصري. لقد استمرت هذه المقاومة لسنوات وتعرضت لنجاحات وإخفاقات لكنها استطاعت في النهاية الوصول إلى ما تطمح إليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن العزلة الدولية والشعبية لجنوب إفريقيا ساعدت في تكوين صورة سلبية لهذا النظام داخل قطاعات غير مسيَّسة في الأصل مثل الكتاب والفنانين والأكاديميين، وهي الصورة التي ستجعل هذا النظام منبوذاً دولياً وشعبياً.
الخلاصة
مؤخراً، هناك اتجاه متصاعد لتبنِّي صور سلبية ومواقف من دولة الاحتلال الإسرائيلي بين الشباب وقطاعات مؤثرة في الغرب لم يكن لديها هذه القناعات من قبل. أيضاً، التغيرات في العلاقات الدولية وتغيير التحالفات الدولية ساهم في خلق فرصة مناسبة لحصول هذا التحول. فالفرص المحلية تنمو وتنجح في ظل سياق إقليمي ودولي داعم لها أو غير معارض لها في حده الأدنى.
وأخيراً، وجود قيادات قادرة على إدارة عملية التفاوض وعملية الانتقال بشكل مرن وعادل. فالنخب السياسية والعامل البشري هم العامل الحاسم في تحويل العوامل السابقة إلى مكاسب أو في تحويلها إلى فرص مهدرة. وبهذا فإن هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تساعدنا في فهم كيف يمكن التخلص من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.