كسر عزلة السعودية وتحسين اقتصاد تركيا.. لماذا اقترب البلدان من المصالحة أكثر من أي وقت مضى؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/08 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/08 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش

تدهورت العلاقات بين الرياض وأنقرة في السنوات الأخيرة، مع وجود البلدين على طرفَي نقيض في العديد من الصراعات الإقليمية وتحدِّي مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

لكن تبدو آفاق التقارب السعودي- التركي أكثر إشراقاً مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيسافر إلى السعودية هذا الشهر.

تراجع وانقطاع

كان أكبر اقتصادين في الشرق الأوسط يتمتعان عادة بعلاقات ودية حتى مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. والسعوديون، بمن فيهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نفوا الأمر برمَّته، قبل أن يقدموا مَن تمَّ اعتبارهم جناةً للمحاكمة السرية.
ومنذ ذلك الحين، حدثت العديد من التطورات المهمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ من مقتل قاسم سليماني إلى عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات مع إيران لإعادة الاتفاق النووي إلى مساره.
وفي الوقت الذي تشير فيه سياسات واشنطن الحالية إلى أنها ستتراجع عن سياساتها القديمة في الشرق الأوسط، تحتاج السعودية، حليفة الولايات المتحدة، إلى جيش قوي مثل التركي لضمان أمنها ضد دول لها طموحات توسعية مثل إيران.

الرياض وطهران لديهما سياسات متعارضة في جميع أنحاء المنطقة من حرب اليمن إلى لبنان وأكثر. ففي اليمن، يقاتل الحوثيون الموالون لإيران القوات التي تقودها السعودية، في حين يشكل حزب الله الشيعي، صاحب العلاقات الوثيقة بطهران، مخاطر على الحلفاء السياسيين الموالين للسعودية في بيروت.
وقد تراجعت العلاقات التجارية بين أنقرة والرياض في السنوات الأخيرة بسبب التوترات السياسية، لكنَّ كلا البلدين يسعى الآن إلى تطوير علاقاته الاقتصادية الثنائية للمساعدة في تعزيز اقتصادات كل منهما. كما تريد أنقرة من الرياض إنهاء المقاطعة السعودية غير الرسمية للبضائع التركية – نتيجة ثانوية للعلاقة المتوترة. 

بوادر التقارب


وقبل التقارب الأخير مع السعودية، في عام 2020، بذلت تركيا ومصر جهوداً دبلوماسية لتخفيف خلافاتهما التي لم تنتهِ منذ عام 2013، تطبيع العلاقات بين الإمارات وتركيا بعد أن قام ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان من أبوظبي بزيارة إلى أنقرة في تشرين الثاني/نوفمبر، حيث عقد اجتماعاً مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
ووقَّعت أنقرة وأبوظبي صفقات لاستثمارات إماراتية في مجال الطاقة والتكنولوجيا في أول زيارة رسمية لولي العهد محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
وفي حين تجمدت العلاقات التركية- السعودية بعد مقتل خاشقجي، واصل الرئيس أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان تبادُل الرسائل، وأبقيا القنوات الرسمية مفتوحة.
وفي يوليو/تموز، التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، ووصفه بأنه "اجتماع مثمر". وأعلن المتحدث الرئاسي التركي، إبراهيم كالن، في أغسطس /آب، عن بعض التطورات الإيجابية التي يمكن أن تُنهي الجمود بين الدولتين. وفي خريف عام 2021، تحسَّن التواصل بين الدولتين؛ حيث أشار جاويش أوغلو إلى أنه "إذا اتخذ الجانبان خطوات، فإن علاقاتنا مع  السعودية ستعود إلى طبيعتها".
وعندما زار أردوغان قطر الشهر الماضي، كانت هناك شائعات بأن ولي العهد السعودي والرئيس التركي قد يلتقيان، لكن الاجتماع لم يتحقق قط.
وبشكل عام، يُظهر ترحيب محمد بن سلمان بأردوغان في فبراير/شباط أن التواصل قد تطور إلى مستوى يمكن للطرفين فيه تسوية خلافاتهما.
والعلاقات المتوترة بين البلدين لم تفِد أياً منهما. ومن خلال إعادة إطلاق علاقاتهم، يمكن لكل من السعوديين والأتراك تعميق عملية التطبيع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ووضع حد للإرهاق الإقليمي في العقد الماضي.
كما يمكن أن يساعد هذا العامل كلا البلدين على تطوير علاقاتهما في قطاع التكنولوجيا العسكرية. السعوديون هم ثالث أكبر مُنفِق في العالم على النفقات العسكرية وفقاً لأرقام عام 2018 وتركيا لديها صناعة دفاعية متنامية وحيوية، تنتج طائرات بدون طيار محلية من بين أشياء أخرى.
وتبيع تركيا طائراتها بدون طيار إلى عدة دول من أوكرانيا إلى أذربيجان وليبيا وبعض الدول الإفريقية الأخرى. ويعتقد العديد من الخبراء أن الطائرات التركية بدون طيار لعبت دوراً مهماً في انتصار أذربيجان على أرمينيا على منطقة كاراباخ المتنازع عليها. وفي نزاعات أخرى مثل الحرب الأهلية الليبية، أظهرت الطائرات التركية بدون طيار فاعليتها أيضاً.
وفي حين أن الإمارات العربية المتحدة، إحدى أكثر دول الخليج نفوذاً، قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن السعوديين ليسوا في حالة مزاجية لفعل الشيء نفسه الذي قد يجبرهم على البحث عن شريك يمكن أن يساعد في تأمين مصالحهم في المنطقة الهشة.

خيار السعودية الأكثر عقلانية


وبما أن إدارة بايدن لا تزال مترددة في التواصل مع الرياض وإعادة تنظيم العلاقات على أساس أفضل، تستمر التوترات بين طهران والرياض على الرغم من جهود المصالحة الأخيرة. ونتيجة لذلك، يمكن للرياض وأنقرة التعاون في المصالح الأمنية المشتركة، لا سيما في مجال التكنولوجيا العسكرية.
إن تحسين العلاقات مع التركية يمثل خياراً معقولاً لمساعدة المملكة العربية السعودية على الخروج من دوامة الوضع الحالي، لا سيما إذا توصلت الولايات المتحدة والحكومة الإيرانية الجديدة إلى اتفاق بشأن تنفيذ "خطة العمل الشاملة المشتركة".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد