عاش اللاعب الدولي المغربي سفيان بوفال حياة متناقضة، رفقة منتخب بلده، في شهر يناير/كانون الثاني 2022، حيث بلغ قمة السعادة بتحوُّله إلى قطعة أساسية متألقة في تشكيلة المدرب وحيد خاليلوزيتش، خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم التي أقيمت بالكاميرون واختتمت فعالياتها الأحد 6 فبراير/شباط 2022، قبل أن يشعر بحزنٍ شديدٍ بعد خروج "أسود الأطلس" من البطولة القارية على يد المنتخب المصري ثم يتعرض لعقوبة الإقصاء من المشاركة في مباراتي الدور الفاصل لتصفيات مونديال قطر 2022.
وقبل أن نصل إلى ما حدث لسفيان بوفال في دورة الكاميرون ومساره مع المنتخب المغربي، دعونا نتعرف على المشوار الرياضي للنجم العربي مع الأندية، وهو المشوار الذي كانت له علاقة وتأثير غير مباشرَين على نوعية أدائه مع المنتخب.
البداية مع أنجييه والتألق مع ليل
وُلد سفيان بوفال يوم 17 سبتمبر/أيلول 1993 بالعاصمة الفرنسية باريس، من والدين مغربيين، ونشأ بمدينة "أنجييه" بغرب فرنسا، حيث بدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن فرق صغيرة لحي "روسيراي" الذي كان يقطن به، قبل أن يلتحق بالمركز التكويني للنادي الذي يحمل اسم المدينة، وذلك من سنة 2010 إلى 2013، والذي منحه أول عقد احترافي في شهر يونيو/حزيران 2013.
وقبل أن يوقِّع على عقده الاحترافي الأول، خاض بوفال مع الفريق الأول لنادي أنجييه مباراتين في الدوري الفرنسي للدرجة الثانية خلال موسم (2012-2013)، ثم أصبح لاعباً أساسياً في الموسم الموالي (2013-2014)، مُشاركاً في 28 مباراة بالدوري نفسه، ومكتفياً بصناعة هدف واحد فقط.
وانفجرت موهبة النجم المغربي الشاب في الموسم الثالث (2014-2015)، حيث سجل 4 أهداف وقدَّم 3 تمريرات حاسمة بـ16 مباراة في النصف الأول للموسم، ما جلب اهتمام عدة أندية من الدوري الفرنسي للدرجة الأولى (ليغ1)، فنجح نادي ليل في خطفه في يناير/كانون الثاني 2015، بالتعاقد معه لمدة 4 سنوات ونصف السنة، بعدما دفع 4 ملايين يورو لنادي أنجييه.
ولم يجد سفيان صعوبات كثيرة في التأقلم مع أجواء المستوى الأعلى للدوري الفرنسي، حيث أنهى النصف الثاني من موسمه الأول مع نادي ليل، بتسجيل 3 أهداف وصناعة 6 أهداف أخرى في 16 مباراة.
وواصل بوفال تألقه في موسمه الثاني (2015- 2016)، حيث سجل 11 هدفاً وقدَّم 5 تمريرات حاسمة في 29 مباراة، على الرغم من الموسم الكارثي لنادي ليل الذي كاد يسقط إلى دوري الدرجة الثانية، وهو التألق الذي وضعه ضمن دائرة اهتمامات أندية أوروبية كبيرة عديدة، على غرار باريس سان جيرمان الفرنسي وتوتنهام الإنجليزي وإنتر ميلان الإيطالي.
وقد وضع نادي ليل حينها مبلغ 30 مليون يورو كحد أدنى للتنازل عن خدمات سفيان بوفال، لكنَّ تعرُّض اللاعب ، يوم 30 أبريل/نيسان 2016، لإصابة خطيرة على مستوى أوتار الركبة اليمنى وخضوعه لعملية جراحية، دفعا مسؤولي هذه الأندية إلى التراجع عن فكرة ضمه في الميركاتو الصيفي، ولكن دون أن يمنع ذلك، نادي ساوثهامبتون الإنجليزي من التعاقد مع المهاجم المغربي يوم 29 أغسطس/آب من العام نفسه، لمدة 5 مواسم، في صفقة بلغت قيمتها 18.7 مليون يورو، حيث واصل سفيان مرحلة التعافي إلى غاية منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول.
تجربة فاشلة في الدوريَّين الإنجليزي والإسباني
لم يظهر بوفال بالمستوى المأمول فيه ضمن نادي ساوثهامبتون، إذ تشير الأرقام إلى أنه سجَّل هدفين فقط وصنع هدفاً آخر في 29 مباراة رسمية خلال موسم (2016-2017)، وسجل هدفين اثنين وقدَّم تمريرتين حاسمتين في 30 لقاءً رسمياً في موسم (2017-2018)، ما جعل النادي الإنجليزي يعيره في صيف 2018 إلى نادي سيلتا فيغو لموسمٍ واحدٍ.
وفي الوقت الذي كان يسعى فيه سفيان لإعادة بعث مشواره الاحترافي نحو الأفضل، من بوابة الدوري الإسباني (لاليغا)، تعرَّض لإصابة على مستوى القدم اليسرى، يوم 26 يوليو/تموز 2018، خلال حصة تدريبية مع فريقه سيلتا فيغو، ما تسبب في تذبذب تحضيراته للموسم الجديد (2018-2019)، وانعكس ذلك، من ثم، سلبياً على أدائه في الموسم ذاته الذي خاض خلاله 35 مباراة رسمية، سجَّل فيها 3 أهداف وصنع 3 أهداف أخرى.
وبعد نهاية فترة إعارته إلى نادي لسليتا فيغو، عاد سفيان بوفال إلى نادي ساوثهامبتون في موسم 2019-2020، لكن دون أن يُطور أداءه، ولا يحسِّن أرقامه، بحيث اكتفى بالمشاركة في 25 مباراة رسمية بكل المسابقات المحلية، سجل فيها هدفاً واحداً وقدَّم تمريرتين حاسمتين.
عودة موفقة إلى فرنسا في انتظار الأفضل
وبعد 4 سنوات كاملة قضاها خارج فرنسا، دون تألق مميز، فضَّل بوفال العودة إلى فريقه الأول، ونعني به نادي أنجييه الذي ضمَّه رسمياً يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، لمدة 4 سنوات، بعد اتفاق مع نادي ساوثهامبتون بأن تكون الصفقة مجانية، لكن بشرط دفع نسبة من قيمة التحويل في حال انتقال النجم المغربي لنادٍ آخر مستقبلاً.
وعانى سفيان من كثرة الإصابات في الموسم الماضي (2020-2021)، ما جعله يكتفي بخوض 15 مباراة رسمية فقط مع نادي أنجييه، سجَّل خلالها هدفاً وحيداً، لكنه استعاد كامل نشاطه وبريقه في النصف الأول من الموسم الجاري (2021-2022)، بتسجيله 5 أهداف وتقديمه تمريرتين حاسمتين في 18 مباراة لدوري الدرجة الأولى الفرنسي.
وتزامن تألق سفيان بوفال في الموسم الحالي، مع نادي أنجييه مع أدائه المميز رفقة منتخب بلده المغرب، الذي عاد إلى صفوفه بعد سنتين من الإبعاد من طرف المدرب البوسني خاليلوزيتش، لأسباب رياضية.
وقبل أن نصل إلى هذه النقطة، أستسمحك- عزيزي القارئ- بالتطرق إلى قصة بوفال مع منتخب "أسود الأطلس".
تردد في اختيار اللعب مع منتخب المغرب
بخلاف معظم لاعبي المنتخب المغربي المحترفين والمولودين بأوروبا، فإن سفيان بوفال لم يسبق أن حمل قميص منتخب بلد مولده فرنسا، إذ لم يتم استدعاؤه للمنتخبات السِّنية الفرنسية لمّا كان لاعباً شاباً في نادي أنجييه، ولكنه كان ينتظر دعوة للانضمام إلى المنتخب الأول، عندما بدأ تألقه رفقة نادي ليل، ولذلك فإنه تردد في تلبية استدعاء المدير الفني لمنتخب المغرب، بادو زاكي، في مايو/أيار 2015؛ تحسباً لمواجهة منتخب ليبيا في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا 2017، فطلب منحه الوقت الكافي للحسم في مستقبله الدولي، بين بلد مولده فرنسا، وبلد أصله المغرب.
وقد دامت فترة التفكير والتردد، 10 أشهر كاملة، بحيث قرر بوفال، في شهر مارس/آذار 2016، اختيار اللعب لمنتخب المغرب بنصيحة من المدير الفني الجديد لـ"أسود الأطلس" الفرنسي هيرفي رونار، الذي كان مدربه في نادي ليل.
وقد برر سفيان ذلك التردد قبل الحسم بتصريح لجريدة "ليكيب" الفرنسية الرياضية، نقلته مجلة "سوفوت" يوم 26 أبريل/نيسان 2016، قال فيه: "لقد كان قراراً مهماً واختياراً شخصياً ولم يكن من السهل عليَّ الاختيار، إذ كنت متردداً بين الخيار الرياضي مع منتخب فرنسا أو اختيار القلب.. لا أنسى ما قدمته لي فرنسا، لقد احتضنت والدي ونشأت فيها وأنا جد مرتبطاً ببلدي".
وكانت بداية بوفال مع منتخب المغرب كلاعب أساسي، فشارك في المواجهة المزدوجة لتصفيات كأس أمم إفريقيا 2017، أمام منتخب جزر الرأس الأخضر يومي 26 مارس/آذار ببرايا (1-0)، و29 من الشهر نفسه بمراكش (2-0)، لكن دون أن يسجل أو يصنع أي هدف، واستمر أداؤه المتواضع في مباريات رسمية وودية أخرى، خاصة في ظل تراجع مستواه عند انتقاله إلى نادي ساوثهامبتون الإنجليزي، ما حرمه من المشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2018 بروسيا.
وعاد سفيان إلى منتخب المغربي بعد مونديال 2018 وشارك في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019 بمصر، دون أي تأثير إيجابي على أداء تشكيلة "أسود الأطلس"، ثم استغنى عنه المدرب الجديد، البوسني وحيد خاليلوزيتش، بعد مباراة ودية أمام النيجر(0-0) يوم 10 سبتمبر/أيلول 2019، وأخرى رسمية أمام موريتانيا (0-0) يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
خاليلوزيتش استغنى عنه ثم أعاده من الباب الواسع
وقد برر خاليلوزيتش استغناءه عن خدمات بوفال بضعف الفعالية الهجومية بالنسبة للاعب ينشط بالخط الأمامي، ومبالغته في اللعب الفردي الاستعراضي على حساب اللعب الجماعي، ويبدو أنَّ ذلك الانتقاد من المدرب قد أثر إيجابياً على سفيان، إذ وبعد عودته إلى صفوف المنتخب المغربي في سبتمبر/أيلول 2021، وبعد 22 مباراة مع منتخب المغرب بدون تسجيل أي هدف، نجح سفيان بوفال في تسجيل هدفه الأول وبطريقة استعراضية جميلة يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، بمدينة الرباط، أمام غينيا (4-1)، وهي المباراة التي تأهل على أثرها المغرب رسمياً إلى الدور الفاصل للتصفيات الإفريقية لمونديال قطر 2022.
وبعد فك العقدة، واصل بوفال تألقه مع منتخب المغرب، فسجل يوم 10 يناير/كانون الثاني، هدف الفوز للمغرب أمام غانا (1-0) في اللقاء الأول لنهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2022 بالكاميرون، ثم وفي المباراة الثالثة وبعدما دخل بديلاً لزميله أيوب الكعبي في الدقيقة الـ57، نجح في جلب ركلة جزاء بالدقيقة الـ74، فجسدها بنفسه إلى هدف (2-2).
وتم اختيار بوفال ضمن التشكيلة المثالية للبطولة الإفريقية بعد انتهاء دور المجموعات، ثم شارك في فوز المغرب على مالاوي (2-1) في الدور ثمن النهائي للمسابقة، ليواجه بعدها "أسود الأطلس" منتخب مصر في الدور ربع النهائي يوم 30 يناير/كانون الثاني الماضي، فسجَّل سفيان هدف التقدم لمنتخب بلده بواسطة ركلة جزاء في الدقيقة السابعة، لكن المدرب خاليلوزيتش قام باستبداله في الدقيقة الـ66 بزميله رحيمي، وكانت النتيجة حينها متعادلة (1-1)، قبل أن يضيف المنتخب المصري هدف الفوز في الوقت الإضافي من اللقاء (د100).
وقد لاقى المدرب خاليلوزيتش انتقادات عديدة، بسبب استبداله سفيان بوفال في مباراة مصر، إذ رأى المحللون الرياضيون أنّ نجم نادي أنجييه كان قادراً على تغيير مجريات اللقاء بلقطة فنية فردية أو تمريرة حاسمة.
وازدادت مصائب بوفال بإعلان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، يوم 1 فبراير/شباط الجاري، معاقبته بالإقصاء لمباراتين اثنتين رفقة زميله المدافع سفيان شكالا؛ لمشاركتهما في شجار جماعي مع بعض لاعبي منتخب مصر عقب نهاية مباراة الفريقين العربيين، ما يعني عدم مشاركة سفيان بوفال في المواجهة المزدوجة المهمة أمام منتخب الكونغو الديمقراطية في شهر مارس/آذار القادم، لحساب الدور الفاصل للتصفيات الإفريقية لكأس العالم 2022 بقطر.
مدرب المغرب يرفض تعويضه بحكيم زياش
وبحكم غياب بوفال عن الدور الحاسم لتصفيات مونديال قطر2022، تعالت كثير من الأصوات في المغرب بضرورة عودة حكيم زياش، نجم نادي تشيلسي الإنجليزي، إلى صفوف المنتخب، إذ يعتبر اللاعب الوحيد القادر على أداء دور صانع الألعاب، وربما أفضل من سفيان بوفال، والوحيد الذي يملك المهارات الفنية الفردية القادرة على صنع الفارق في المباريات الكبيرة.
ولكن يبدو أنّ خاليلوزيتش لا يبالي بتلك الأصوات بحيث ردَّ بكل حزم على أسئلة الصحفيين، حول إمكانية عودة حكيم زياش، خلال المؤتمر الذي عقده الخميس 3 فبراير/شباط 2022، بالمغرب، فقال: "لقد تعاملت معه مثل ابني، وصفحت عنه مرتين، ومكَّنته من أكثر من فرصة، يشهد الجميع على ذلك، لا أعتقد أنه كان سيتقمص دور المنقذ لو كان معنا، مدربون كبار في العالم مثل إيمي جاكيه وديشامب لم يستعينوا بلاعبين لأسباب انضباطية.. أنا مؤمن بمبادئي، لقد مكَّنته مرتين من فرصة الوجود معنا، بل قائداً في إحدى المرات، أبداً لن أفعل مثل المدرب السابق ولن أذهب عنده لأعيده أبداً، لن أفعل ذلك ولو كان ابني".
ومن المؤكد أنّ خاليلوزيتش سيدخل في قبضة حديدية مع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع الذي يعتبر من أنصار عودة حكيم زياش لصفوف المنتخب، خاصة في هذه المرحلة الصعبة والمهمة… وتلك قصة أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.