أرى في كل امرأة قصة مليئة بالتفاصيل، مُثيرة في تعابيرها وكينونتها، سرية لا يعلم الكثيرون عما في قلبها من أسرار قررت أن تحتفظ بها لنفسها فقط، تفصح عنها متى أرادت.
سنجد الكثير من النساء اللواتي خانهن الزمن في التعبير عن أنفسهن، ولا يرون في وجوه نساء أخريات ناجحات إلا أن حظهن السعيد (النصيب) هو من أخذ بأيديهن ليصلن إلى ما هن عليه، أشاركهن الرأي أنه فعلاً قد يكون للحظ جزء ودور في تجربة نجاح، ولكن لا بد أن أقول أيضاً لكل امرأة إن هناك العديد من العوامل التي قد تجعل من امرأة مثلك نجماً ساطعا، منها الذكاء والموهبة والعلم والحنكة في تسيير أمورها، ولا بد عند بعضهن أن يكون للمحسوبيات والنفوذ دور كبير في ذلك.
أتذكر جيداً وأنا في الصف التاسع أنه كانت لي زميلة بارعة الجمال مثل دمية تزوجت وتركت المدرسة، كنا أطفالاً حينها سعدنا وربما حسدناها لأنها تزوجت ولبست الفستان الأبيض، وكانت مثل الأميرات كما رُوي لنا، ولكن شاء القدر أن أصادفها بعد سنوات عديدة كنت قد أنهيت الدراسة الجامعية، هي عرفتني وأنا لم أعرفها إلا بصعوبة، لأن كل ملامحها البريئة الجميلة التي كانت مخزونة في رأسي لم تبقَ كما هي، بل غدت ملامح متعبة يائسة سُرق منها كل الجمال الذي كان يضيء وجهها وعينيها الخضراوين آنذاك، قالت لي بعد حديث بسيط وقبل أن تودعني:
نصيحة مجرب ولا نصيحة حكيم: لا تتزوجي، كل ما قيل عن تلك الحياة الوردية كان كذباً في كذب، أتمنى لو عاد بي الزمان إلى الخلف، وكانت لي سلطة على نفسي لأرفض ذلك وأكمل حياتي الجميلة على مقاعد الدراسة واللعب في الساحة وحوش البيت، هأنذا الآن أمّ لستة أطفال وزوجة لمسافر أراه شهراً في السنة، يأتي ويذهب كضيف عابر، وأعيش في بيت أهل زوجي وأعامل مثل سندريلا التي كانت تصحو من الفجر لتقوم بأعمال البيت وتنام ما بعد منتصف الليل خائرة القوى، ليس لديّ وقت لأخرج أو حتى لقراءة القصص كما كنا نفعل في الصف زمان، نسيت كيف هو شكلي، كل ما أحلم به ألا تكون بناتي مثلي، نصيحتي: لا تتزوجي.
كانت هذه آخر كلماتها التي أثرت في قلبي وتركت ألماً عميقاً حتى هذه اللحظة، والذي قد يكون سبباً في وعدي على نفسي أن أقوم بتحفيز كل امرأة لتنهض بنفسها.
رسالتي إلى المرأة التي لم يحالفها الحظ في التعليم، أقول لك: النجاح لا يتجلى فقط في شهادات جامعية ومناصب وأوسمة، أنتِ تعيشين في نعمة التكنولوجيا التي في يدك، خصِّصي بعضاً من الوقت لتوظيفها في إخراج ذلك المارد الناقم على حياة ضاعت بلا تعليم وروّضيه ليصبح خادمك الأمين يجعل من حلم رأيته في الكثيرات يتجلي فيكِ وستبدعين حتماً.
رسالتي إلى كل امرأة حبستها سطوة الذكورة وجعلتها تدور فقط ضمن مداره: لا تثوري عليه فتفقدي كل شيء دفعة واحدة، لا بد من ذكائك وأنوثتك أن يتحدا معاً حتى تفكي فيها حلقات السلاسل واحدة تلو الأخرى، وتبدئي فيها مسيرة جديدة في الحياة، وارمي في محفزات الثورة والتمرد، لأنها لن تعمل إلا بزيادة استحكام القيود أو تخرجك من معركة إثبات الذات بخفي حُنين، حاولي بذكائك أن تستفيدي من كل المعطيات التي حولك، ولكن إن تطور حكم السلاسل إلى استعباد وإهدار للكرامة فحرري نفسك بالعقل والموعظة الحسنة، وتذكري أن الله كرم الإنسان، ورسولنا استوصى بالنساء خيراً.
رسالتي إلى كل امرأة خذلها رجل، وكانت قد أخطأت عندما جعلت منه دنياها وكونها فاستبد وطغى كفرعون، وفي نهاية المطاف أصبحت بالنسبة له مجرد عدد، لا تبقَي حبيسة الأطلال والسيجارة وأغاني الأحزان، ولا تتحولي إلى وحش مفترس يريد الانتقام، بل اجعلي من كل ما لحق بك من ألم قوة عظيمة تقفين بها أمام نفسك وتعيدي إعمار ما تهشم منها بشكل ورؤية جديدة، وعندما تنتهين من الترميم ستجدين نفسك إنسانة جديدة تحررت من ألم ذلك الرجل الذي أهديته يوماً روحك وحياتك وقلبك بلا مقابل.
رسالتي إلى كل امرأة تقبع في زنزانة ظلم المجتمع، اعلمي أن الظلم ظلمات، ولكن لا بد أن تعلمي أن الحق أقوى من الباطل، وما دمتِ تؤمنين بنفسك أنك على حق، فامضي والله معك، ودعي مهاتراتهم وأحكامهم وحياتهم، وثقي أن تراجعك في الفكر والمعرفة وفقدانك لذاتك لن يُلام أحد عليه غيرك، فاصنعي نفسك داخل البركان.
رسالتي إلى كل امرأة أن تبحثي في أعماقك عن نفسك، فلا بد من وجود عناصر صغيرة تحتاج منك بعض الحنكة والرعاية حتى تتفاعل مع أحلامك وطموحك وحياتك، رسالتي لك أن تتفكري في النعم التي من حولك وأن تقدري أهمية وجودك في إعمار الأرض، فلديك جيل سيكبر ويخرج للحياة وسيربي أجيالاً قادمة فلا تكوني سبباً في فساد مجتمع وهلاك أرض، أنتِ نصف المجتمع وأنت المدرسة وأنت فقط التي تحت أقدامها الجنان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.