هل توجد طرق حقًا لتدفع نفسك للقراءة؟ هل الإستمرار في عادة القراءة يحتاج لبعض الأمور المعينة؟ إذا لم تكن من الناس الذين لا يقرأون، فهل يمكن أن تجعل من القراءة عالمًا تستمتع به مثل مشاهدة فيلمًا ما؟
من منا لا يريد أن ينعت بأنه مثقف وله خلفية فكرية عالية المستوى!، أعتقد لا يوجد أحد على وجه هذا الكوكب الذي نطفو عليه يرفض أن يفتح مدارك عقله ليرى أشياء لم يراها من قبل، أو أن يسمع لكل من حوله بطريقة مختلفة، أو أن يتكلم بوعي أكثر، ويتعمق في قضايا كثيرة تجعله متميز عن أقرانه، من فينا لا يريد كل تلك الأمنيات الجميلة؟!
هل هناك معوقات داخل بعض الناس تمنع من قراءة الكتب؟
أسباب عدم القراءة:
أولًا- الوقت:
وهَم عدم وجود وقت كافي للقراءة؛ لأن هناك مهام أهم منها، والوقت مزدحم بشدة!، و24 ساعة جميعها ملأى بالإنجازات الأخرى.
ثانيًا- الإختيار السيء:
اختيار الكتب التي تنبعث منها مشاعر الملل وعدم التشويق، وتحتوي على مرادفات صعب فهمها للمبتدئين في قراءة الكتب ولم ينغمسوا فيها بعد، فيظن أن القراءة لعقول أخرى فيشعر بالإحباط الفكري والنفسي، فينشر ذلك في قلب المرء أن الكتب ما هي إلا مصدر للملل والصعوبة، فيتجه إلى مشاهدة فيلم أو مسلسل ما، ويترك القراءة للأبد.
ثالثا- الصورة النمطية:
هناك تصور خاطئة أن من يحب القراءة شخص إنطوائي كاره للناس والإجتماعية، ولا يريد أن يرى أحد، وأنه يعيش بين نفسه وبين كتبه، لكن تلك الصورة النمطية خطأ، فمعظم من يقرأون الكتب تتوسع لهم مدارك أخرى والوعي يزيد، ويتعاملون مع الناس بطريقة إجتماعية راقية، وتعطي إنطباعًا جيدًا وليس سيئًا.
رابعًا: البيئة المحيطة:
كثير من الأسر في مجتمعاتنا العربية لم تربي أولادها على القراءة، ولم تزرع فيهم تلك العادة، فيصعب على الشخص الذي عزم أن يقرأ أن يجعلها عادة يومية، لأن من حوله لا يشجعونه، ولا يملكون الخبرة الكافية لإرشاده لما يقرأ، ومن يمتلك أصدقاء لهم أهواء أخرى غير القراءة فذلك يثبطت عزيمة القارئ أيضًا، فكما يقال: "فالمرؤ على دين خليله".
ولكن بعد كل تلك الأسباب.. هل الأمل موجود؟.. هل هناك حلول وطرق تجعلنا نكون جزءًا من القراءة وننظر لها بعين أخرى، ونستشعر أهميتها القصوى؟
طرق لجعل القراءة عادة يومية:
أولًا- الوعي بأهمية القراءة:
القراءة هي مصدر إلهام للعقل وتجديد الفكر، تجعلك ترى ما كنت تراه من قبل بعين أخرى، ترى المشاكل في حياتك بأنها هبة وليست نقمة.. بل هي وسيلة للتعلم، ترى النعم بتدبر ونظرة شكر، تفتح روحك على الحياة الحقيقية وليست الوهمية التي تقع بين سطور منافذ الوسائل الإجتماعية، وبالطبع حسن إختيارك لما تقرأه هو ما يجعل عقلك يستنير كالشخص الذي يسير في كهف مظلم ثم يرى نورًا يتغلغل من منفذ صغير بين الصخور فيرى ما لم يكن يراه أبدًا من قبل!
ثانيًا- وضع استراتيجية خاصة للقراءة:
الخطط في أي عمل تحقق النجاح بنسب كبيرة، فالقراءة المنتظمة تحتاج خطط خاصة، فالإنسان الذي يتكاسل عن القراءة ويضع مهامًا أخرى عوضًا عن القراءة ويهملها يحتاج أن يحدد كمية يومية ثابتة سنوية، فمثل السنة الأولى يبدأ يقرأ 10 صفحة في اليوم على مدار السنة، وثم السنة التي تليها يصعد لعدد صفحات أعلى 20 أو 30 صفحة في اليوم وهكذا، فتلك الطريقة تجعل الشخص يتعود على ممارسة القراءة وتقوية عضلتها، فالأمور التي تأخذ برفق في البداية هي التي تستمر، صفحات قليلة ثم أكثر وأكثر، فكما يقال: "فخير الكلام ما خير ودل"، فالعدد القليل من الصفحات التي يقرأها الإنسان بالتدريج تفيده وتثقفه وتنفعه، فالقراءة ليست بالكم، بل بالكيْف.
ثالثًا- استخدام تطبيقات مساعدة:
من الوسائل التي تعين الفرد على الالتزام بالقراءة بمستوى ثابت، هو استخدام تطبيقات تقييم الكتب، والتي تحتوي على تحديات مع باقي القراء، فذلك يشعل المنافسة داخل الشخص، ويجعله ينجز ويتحدى الصعوبات، فالإنسان دائًمًا وأبدًا يفضل أن ينافس ويريد أن يرى نفسه هو الأول والمميز، فمثل هذه المواقع والتطبيقات العالمية المشهورة هو موقع "جود ريدز"، عن تجربة خاصة.. في البداية عندما كنت أقرأ لم أكن استخدمه، لكن بعد استخدامه أصبح معدل قراءتي أعلى، فأنت تقوم بوضع تحدي سنوي خاص بك بعدد الكتب التي تريد أن تقرأها، فذلك أدعى أن تتحمس وأن تترك الكسل، هذا ما شعرت به حينها، من مميزات الموقع أيضًا أن القراء يقيمون الكتب، فسوف تعرف هل الكتاب جيد أم لا بالنسبة لك، وستستطيع أن تكون قائمتك الخاصة التي تتمنى قراءتها، هناك مميزات أخرى ومفيدة، لن يسعني أن أذكرها هنا، أتمنى لكل شخص يستخدم هذا الموقع أو هذا التطبيق فلن يندم حقًا.
رابعًا- تكوين بيئة داعمة:
أن تجعل بيئتك التي تحيطك تقرأ أو تختار تلك الفئة من البشر، فذلك يجعلك تتشجع أكثر للقراءة، ويمكن أضًا أن تتناقش مع أصدقائك أو أهلك ما قرأت، هذه العادة تجعلك تستمر في القراءة، وترى الفائدة من القراءة على أرض الواقع؛ لأنك ستشعر أنك تثقف ومصدر معلومات لمن حولك بقراءاتك، فطبيعة الإنسان أنه يود أن يشعر أنه الأفضل، فتلك العادة ستشبع هذا الشعور بداخل المرء نوعًا ما.
خامسًا- الجانب الديني:
في القرآن، أول آيات تنزلت من سبع سموات، في سورة العلق، تحث على القراءة والتفكر في الكون، قال تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)"، فمن خلال الآيات السابقة نستشعر أهمية القراءة بتمعن، وترك القراءة يضعف الأمة فكريًا، ويؤثر على الإنتاج المادي والفكري لها.
على كل الإنسان واعي ناضج أن يرى القراءة بعين صحيحة، أن يستشعر ماهيتها وكينونتها، أن يراها مصدرًا للتحضر والتقدم، فأمة بدون قراءة أمة بدون فكر ورأي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.